من اجل أفق أرحب لتنسيقية بوعرفة . مر على ميلاد التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة ثلاث سنوات ، إذ بحلول شهر أكتوبر 2009 ستدخل تنسيقية بوعرفة سنتها الرابعة . لهذا فقد أصبح لزاما علينا كممارسين فاعلين من داخل هذه التنسيقية ، ومن منطلق تقييم التجربة أن نتساءل : ما هي الحصيلة والمنجزات المحققة على الأرض ؟ وما هي المكاسب التي تم جنيها كثمرة لثلاث سنوات من النضال الدؤوب ؟وما هي أسباب استمرار التنسيقية المحلية ببوعرفة في الوقت الذي كان مصير جل التنسيقيات التراجع والانحسار ؟ وما هي الأفاق المحتملة لتنسيقية بوعرفة ؟ وما السبل التي يجب أن نسلكها من اجل ضمان استمراريتها ؟ أولا : الحصيلة يصعب علينا القيام بجرد دقيق لما حققته التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة من مكاسب للجماهير الشعبية ،لعدة أسباب وجيهة ، فمن ناحية لكون الأمر جد صعب ومعقد ، ومن ناحية ثانية لكون المكاسب كثيرة ومتنوعة ، منها ما هو منظور وعياني ،ومنها ما ليس كذلك ، منها ما هو مادي ملموس مرتبط بأوضاع المواطنين ، وما هو ديمقراطي مرتبط بالحريات العامة ، وما هو معنوي يدخل في خانة احترام الكرامة الإنسانية . لقد قمت بجرد ما تحقق من مكاسب بفضل نضالات التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة في مناسبات سابقة ** لذلك ومن باب التذكير فقط سأعيد جرذ بعض المكاسب ، حتى يتسنى لأي متتبع أو مهتم التقييم الموضوعي للحصيلة بعيدا عن الانطباعية والأحكام السطحية المتسرعة . إن مما لا شك فيه أن التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة وبعد ثلاث سنوات من النضال الدءوب والمستمر الذي لا يكل ولا يمل ، حققت مكاسب هامة لساكنة بوعرفة، تتوزع بين المكاسب المادية والمكاسب الديمقراطية: المكاسب الديمقراطية: التعطيل العملي لقانون الحريات العامة، لسنة 1958 المكبل للحريات، ويتجلى ذلك في تنظيم المسيرات و الإعتصامات دون اللجوء إلى طلب التراخيص من السلطات؛ و هذا الحق أو المكسب الديمقراطي الهام لم يعد حكرا على التنسيقية المحلية ومكوناتها الديمقراطية ، بل أصبح حقا منتزعا تمارسه كل الحركات سواء كانت منظمة أو عفوية بانضباط ووعي ومسؤولية .. نشر ثقافة الاحتجاج لدى المواطنين الذين أصبحوا يظهرون في مناسبات عدة الاستعداد للبذل والتضحية، كبديل عن ثقافة اليأس والاستكانة والتذمر. وحصول القناعة لدى الغالبية منهم بان الحق ينتزع ولا يعطى . الاعتراف بتنسيقية بوعرفة كفاعل أساسي في معادلة الصراع الاجتماعي، والجلوس معها مراراً على طاولة التفاوض، للانكباب على مطالب الساكنة؛وفي هذا الشأن فقد عقدت التنسيقية لقاءات و مفاوضات مع السلطة الإقليمية والمحلية ، و الإدارة المركزية و الجهوية والإقليمية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ، وإدارة المكتب الوطني للكهرباء .....الخ المكاسب المادية: انتزاع مناصب شغل لأبناء المدينة، سواءً بقطاع الوظيفة العمومية(الجماعات) أو بأوراش الإنعاش الوطني؛ دلك لان مكونات التنسيقية أصبحت تفاوض من موقع قوي . تحقيق مكاسب هامة بخصوص ملف الماء الشروب، تتمثل في : اقتراح إلغاء كل الفواتير المتراكمة على الساكنة بأداء ثمنها من قبل المجلس البلدي والإقليمي والجهات المركزية ، وقد ادرجت هذه النقطة في إحدى دورات المجلس البلدي ببوعرفة و تمت المصادقة عليها بالأغلبية (مع تسجيل امتناع الرئيس الحالي للمجلس البلدي عن التصويت ، وهو بالمناسبة من ابرم العقد المشؤومة والتي بمقتضاها تم تفويت قطاعي الماء والتطهير للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب) ، نظيف إلى هذا الالتزام من لدن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ببناء خزان جديد تقدر تكلفته ب 150 مليون سنتيم، وأنبوب تكلفته 110 مليون سنتيم للزيادة في الصبيب ، وتعيين مندوب إقليمي جديد، وإحداث السقايات العمومية ببعض الأحياء الشعبية( حي محطة القطار )...وقد نفذت كل هذه الالتزامات . التفاتة المجلس الجهوي والحكومة للمنطقة عبر خلق مشاريع تنموية بها؛ استفادة كل جماعات الإقليم بدون استثناء سواء الحضرية أو القروية من مبادرات دعم التمدرس . ثانيا : الاستمرارية : إن المتتبع لحركة تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية بالمغرب يستنتج بان هذه الأخيرة عرفت زخما نضاليا في الفترة الممتدة ما بين ظهور أول تنسيقية بالربط/ سلا ، والى غاية انعقاد الملتقى الوطني الرابع بالدار البيضاء يوم 2 مارس 2008 ، وان هذا الزخم سرعان ما تلاشى وأصيبت كل التنسيقيات بالوهن والفتور ، فانحسرت نضالاتها ، وتراجع مدها ، و أصبح الشغل الشاغل للمكونات والحساسيات المشكلة لها هو من يتحمل المسؤولية الأولى و الأخيرة في فشل الملتقى الوطني الرابع ؟ لقد ظلت تنسيقية بوعرفة بمنأى عن هذه التطاحنات والملاسنات الكلامية بين المكونات ، لأنها وبكل بساطة قامت بتقييم موضوعي للملتقى الوطني الرابع وعممت خلاصات هذا التقييم المتسم بالجرأة والحياد المنقطع النظير على الرأي العام المحلي والوطني . يعتقد البعض أن استمرار التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة يكمن في تبنيها لمطالب الساكنة بخصوص الماء الصالح للشرب ، وانه لولا هذا الملف الذي يمس بشكل كبير جيوب المواطنين لعرفت التنسيقية نفس المصير الذي لقيته باقي التنسيقيات . في اعتقادي إن وجهة النظر هذه بعيدة بشكل كبير عن الواقع ، لأنه حتى لو افترضنا حلحلة مشكل الماء ، وانتهاء الصراع بين الساكنة والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب فان التنسيقية ستستمر في نضالاتها ما دام واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سيبقى مترديا بشكل كبير ،بحيث هناك ملفات كثيرة حري بالتنسيقية أن تناضل من اجلها ( السكن – الشغل –التعليم –الصحة –الماء –الكهرباء –الطرق...) أي بكل بساطة هناك واقعا موضوعيا يفرض علينا خيار النضال ولاشيء غير النضال ثالثا : الآفاق : إن الأيام المقبلة ستشهد نضالات متنوعة ونوعية للتنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة وباقي التنسيقيات على المستوى الوطني ، لكون النظام سيستمر في تصريف أزمته السياسية والاقتصادية عبر المدخل الاجتماعي ، بتقليص النفقات الاجتماعية ، والاستمرار على درب الخوصصة ، وبيع ما تبقى من مؤسسات وخدمات عمومية ..... لكن كيف السبيل لتأهيل التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار المحلية ببوعرفة ، والرفع من أدائها ، وتطوير إمكانياتها ؟ إن هذا لن يتحقق في نظري إلا بالعمل على عدة واجهات ، وبشكل متواز : على مستوى التنظيم : ضرورة المصادقة على تصور تنظيمي مرن للتنسيقية المحلية ، يتيح الإمكانيات لتفتح الطاقات الخلاقة للمناضلين . ولابتكاراتهم الميدانية ، بعيدا عن الغلو و الإفراط في اللامركزية والبيروقراطية . وخلق هياكل قوية تكون في مستوى المهام و الانتظارات المقبلة ( السكرتارية – مجلس التنسيقية – اللجان الوظيفية – لجان الأحياء ). على مستوى التوثيق والإشعاع : التعريف بالتنسيقية المحلية ببوعرفة : عبر جرد لأهم محطاتها ، ومطالبها ، ومكوناتها ، ومكاسبها المحققة ، وأسباب استمرارها . وجمع كل أدبياتها المكتوبة والمصورة من اجل تعميمها ونشرها على أوسع مدى في ( الجرائد الورقية والالكترونية – المجلات – النشرات – ومجموعات الدردشة -اليوتوب ...) على مستوى التكوين : ضرورة فتح اوراش التكوين، للرفع من قدرات المناضلين في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وسبل المرافعة من اجل تحقيق هذه الحقوق . لان من نقط ضعف التنسيقية ببوعرفة إغفالها لهذا الجانب ، وتركيزها على الاحتجاجات الميدانية . فالتكوين مهم جدا لخلق مناضلين لهم دراية بمجال اشتغالهم ، و مؤهلين للتفاوض والإقناع حول المطالب المرفوعة وتحقيق مكاسب بشأنها . . على مستوى تدبير الاختلاف : إن التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة ليست كيانا منسجما : فهناك اختلاف وتنوع على مستوى المكونات ، لذلك فمن الضروري أن تظهر بعض الاختلافات وهذا أمر طبيعي ، إلا أن الغير طبيعي بتاتا ، هو اعتبار هذه التناقضات أولية . وتغافل الأهم في عملية الصراع . إن تدبير الاختلافات بالطرق الديمقراطية وبأسلوب الحوار والإقناع والاقتناع داخل التنسيقية بات أمرا ملحا ، لضمان الوحدة داخل التنسيقية والتي لا تلغي التنوع والاختلاف خلاصة لابد منها : إن المرحلة المقبلة تستلزم منا جميعا تعميق النقاش الرصين و الهادئ والنقد الموضوعي والبناء من اجل تطوير التنسيقية المحلية ببوعرفة ، وفكها من عزلتها القاتلة كي تلهم( بضم التاء ) مناطق أخرى . وإلا فإننا سنساهم جميعا بوعي لو بدون وعي في التعجيل بالموت البيولوجي التنسيقية . لان من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتاها جميعا كمكونات ديمقراطية فاعلة داخل التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة أننا غلبنا الجانب الاحتجاجي على الجانبين الإشعاعي والإعلامي فكانت المحصلة أن تجربتنا تراوح مكانها و غير معروفة إلا من طرف النخب والمهتمين فقط . الصديق كبوري /بوعرفة * انظر المقال النقدي حول تجربة التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة والمنشور بمجلة " مغرب آخر ممكن " - العدد الثاني- التي تصدرها جمعية اطاك المغرب .