إذا كانت الموارد الاقتصادية تقود السياسات الدولية الراهنة فإن الوطن العربي بتوفره على المواد الاستراتيجية والثروات الطبيعية قد أضحى منذ زمن موقع نزاع دولي بين أهم التكتلات الاقتصادية العالمية. وقد فطنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر دراساتها الاستراتيجية البعيدة المدى أن مصالحها باتت مهددة مع انبثاق قوى "دول التنّين" التي غزت بصمت عقر دار الدول المهمشة استراتيجيا بشكل متميز. وأمام هذا الوضع الشبيه بالكارثي من زاوية نظر القوى الاقتصادية الكلاسيكية، نبّهت "خليّة التفكير الاستراتيجي" الأمريكية دونما مرّة إلى ضرورة إعادة النظر في علاقات الولاياتالمتحدة اتجاه المحيط العربي وضرورة نهج "سياسة التخريب من آجل إعادة البناء". بدأ الأمر بالتدخل العسكري في أفغانستان ثم العراق وتمّت بعده صياغة "المشروع الاستعماري الجديد" من طرف "خلية التفكير الامريكية" تحت ما سمي "بمشروع الشرق الأوسط الكبير" والتي كانت صائبة باستهدافها "للإرادة القومية العربية" كفاعل أساس لنشر ثقافة الثورة من الداخل. صحيح أن "الإرادة القومية" تعدّ مصدرا رئيسا لقوّة الدول وهي تعني أساسا القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذ الخطط وفقا لما تراه مناسبا للمصالح القومية، ودون الخضوع للضغوط الخارجية وهي نتاج كذلك عن تفاعل الشعوب مع الأنظمة الحاكمة، لكن مايسّر الأمر لتنفيذ "المشروع الاستعماري الغربي الجديد" هو حالة الانفصام بين النظم الحاكمة والشعوب العربية التي ضاقت درعا من منطق "توريث السلطة" تحت عباءة "الجمهورية". لقد كانت "الخطة الاستعمارية الجديدة" للولايات المتحدةالأمريكية محبوكة ومندمجة وفعالة على مستوى العشرية الواحدة، إذ جعلت من وسائل الإعلام الجديدة ومن التكنولوجيا الرقمية المعتمدة على الأنتريت والمواقع الاجتماعية (فايسبوك، تويتر...) الوسيلة الأنجع لاختراق فعالية الأنظمة الحاكمة تحت ضمانات المعاهدات المرتبطة بحقوق الانسان، فصرنا نسمع على دبدبات بعض الإذاعات شعارات من قبيل "أنت تتكلم ونحن نستمع". صراحة، لم يكن الهدف من بثّ هاته الشعارات الإذاعية من طرف محطّات راديوفونية حديثة المنشأ سوى جمع المعلومات من عمق الشعوب لزعزعة إراداتها القومية، وبالتالي تبنّي استرتيجية "الثورة من الداخل" وإسقاط الأنظمة التي لم تعد تساير الأهداف الاستراتيجية لأمريكا. ناهيك عن تحريك فعاليات المعارضة بالخارج ونشطاء "المجتمع المدني" العربي بملايين الدولارات كدعم للمشاريع "التنموية" والتي حرص ممولوها على إنجاز دفاتر تحملات تبدو في ظاهرها ذات بعد "إنساني" وتختزل في عمقها شحنة إعداد لاختراق اقتصادي-سياسي-اجتماعي غير مسبوق. فإذا كان المواطن العربي قد ضاق ذرعا من نظامه السياسي الفاسد والذي لم يعد يضعه في صلب اهتماماته فكان نصيبه التهميش والإقصاء الاجتماعي والسياسي، فإنه وجد في "الخطّة الاستعمارية الغربيةالجديدة" ملجأ لطموحه المشروع وفسحة في روض "الديمقراطية" متناسيا أنه مسؤول عن التغيير ومسؤول كذلك عن تعزيز مناعة الوطن الداخلية ضد أي اقتحام خارجي يترجى استنزاف الاحتياطات الاستراتيجية الطبيعية ويأمل في ضمان مصدر طاقي له خارج أي تصوّر حقوقي إنساني. -------------- ** منسق دولي للعصبة الدولية للصحافيين الشباب و عضو النقابة المغربية للمراسلين الصحفيين