اليابان تعرب عن تقديرها لجهود المغرب الجادة وذات المصداقية في إطار مبادرة الحكم الذاتي    منصة جديدة لتسريع فرص العمل بالمغرب    انطلاق فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتطوان    ختام "الأسد الإفريقي".. صواريخ "هيمارس" وطائرات "إف 16" المغربية تزأر بطنطان    مورو يعطي انطلاقة المعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتطوان    العلاقات المغربية الإسرائيلية.. الأبعاد والحدود    حماس تنظر بإيجابية إلى مقترح للرئيس الأمريكي لوقف إطلاق النار بغزة    طقس السبت.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق من المملكة    الحكومة تقترب من الإفراج على نص تنظيمي يعوض المسافرين عن تأخر الطائرات    بونو يهزم رونالدو ويبكيه مرة أخرى    الإعلان عن تأجيل امتحانات كلية الطب بفاس في سياق حل أزمة الإضرابات    غابات الحسيمة والناظور الاكثر عرضة لخطر اندلاع الحرائق    بعد الزيادة في ثمنها.. الغش يطال أوزان قنينات "البوطا"    إريك موريتي: العلاقات القضائية بين المغرب وفرنسا "تجسيد مثالي لمجتمع المصير الواحد"    نقابة التعليم العالي تقترح على الحكومة تأجيل امتحانات كليات الطب لإتاحة الفرصة لعودة الطلبة    الأمثال العامية بتطوان... (613)    صرف منحة تضامنية لفائدة أرامل ومتقاعدي الأمن بمناسبة عيد الأضحى    اليابان: جهود المغرب في قضية الصحراء جادة وذات مصداقية    الشروع رسيما في تسويق منتوجات "الكيف" بصيدليات المغرب    جامعة بلجيكية تعلق تعاونها مع إسرائيل    غياب طبيب الدماغ والأعصاب يثير احتجاجا بمستشفى تطوان    المنتخب الوطني يعتلي صدارة طواف المغرب للدراجات    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    الدار البيضاء.. انطلاقة النسخة ال 18 لكأس محمد السادس الدولية للكراطي    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    نجم برشلونة السابق في قلب "فضيحة" فساد بسبب السوبر الإسباني    نجم الأولمبي على ردار بنفيكا البرتغالي    دفاع شقيق بودريقة يشكو "تزوير محاضر"    "التجاري وفا بنك" تطلق معرضا للفنون    اليابان تدعم جهود المغرب بملف الصحراء    حزب في تحالف الأحرار يطالب بحل مجلس جماعة تطوان    استفزاز أم ابتزاز.. أكاديمي يفسر خلفيات "صورة نتنياهو المشينة"    اتحاد طنجة يصارع الزمامرة من أجل البقاء والجيش يواجه بتطوان للاقتراب من اللقب    خطة الركراكي الجديدة لاستغلال القوة الضاربة للمنتخب الوطني    سبعة قتلى وعدد كبير من الجرحى وسط طاقم سفينة تورو روسو    الحر الشديد يقتل 14 هنديا خلال يوم واحد في ولاية بيهار    فرنسا تلغي مشاركة شركات سلاح إسرائيلية    افتتاح مهرجان الفيلم العربي في روتردام    الذهب يتجه لتحقيق المزيد من المكاسب للشهر الرابع على التوالي    روسيا تنتقد البيت الأبيض بعد إدانة ترامب    وزير الخارجية الإسرائيلي يهدد بإغلاق القنصلية الإسبانية في القدس    البحرية الملكية تنقذ سفينة شحن بانمية منكوبة    من العاصمة : حكومة أفلاطون    وكالة التنمية الرقمية والمرصد الوطني لحقوق الطفل يوحدان جهودهما من أجل بيئة رقمية آمنة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    تكريمات وجوائز في افتتاح الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الدولي للعود بتطوان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    الإسلام: الأبعاد الأربعة    برنامج الدورة السابعة لمهرجان ابركان للسرد القصصي    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    اِصدار جديد لعدنان الصائغ بعنوان "وَمَضَاتُ…كِ"    بشرى الضو تحذر محترفي التفاهة    المجلس العلمي للفنيدق يكرم طحطح    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدبير المغاير قد يخلق ثورة في مجال إنتاج الثروات

الثروة أو إنتاج الثروة، بما تعنيه من مواد ومنتوجات غذائىة وصناعية وتكنولوجية، هي التي تشكل الآن مركز قوة اقتصاديات العديد من الدول وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الإتحاد الأروبي عموما، وبلدان جنوب شرق آسيا وشمال أروبا. وقد أدت طبيعة ونوعية إنتاج الثروات بهذه الدول إلى تحقيق طفرة اقتصادية حقيقية بها ، جعلت البعض منها يهيمن ويتحكم في العديد من مسارات الاقتصاد الدولي ،والبعض الآخر يزاحم مختلف السلع المعروضة في الأسواق الدولية.
في الملف التالي ،محاولة لمناقشة ملف إنتاج الثروة في المغرب من خلال مقاربة العديد من المعطيات والدراسات والتجارب الدولية.
إهمال دراسة للألمان كان يمكن أن تشكل منطلقا لثورة في إنتاج الثروات
خلال القرن الثامن عشر، ظهر كتاب تحت عنوان «ثورة الأمم» لمؤلفه ادم سميت، الاقتصادي الذي اعتبر من طرف الآلاف من الاقتصاديين ومازال يعتبر مؤسس الاقتصاد الحديث، أو نظرية الاقتصاد السياسي التي تهتم بالدولة بمختلف مكوناتها في علاقتها بتدبير الشأن العام.
لقد وضع آدم سميت من خلال كتابه ثورة الأمم حدا فاصلا بين الاعتماد الكلاسيكي الذي كان سائدا والذي كان يرى في الثروة الطبيعية المكتسبة أساس قوة اقتصاد الدول والتفكير الاقتصادي الحديث الذي يعد أحد رواده والذي يعتبر الثروة هي كل ما ينتج لتلبية الحاجيات الفردية والجماعية، لكن بالرغم من أهمية هذا الطرح الذي خلق نوعا من الثورة في مفهوم ثروة الأمم الذي ظل راسخا لعقود من الزمن، وهو ما يراد تكريسه في زمننا بالرغم من ذلك. إذن، فإن اقتصاديين معاصرين مثل بول بورديي اعتبر الثروة وانتاج الثروة امر يتجاوز ذلك بكثير بالنظر للتحولات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية التي شهدها عالم اليوم، مشيرا إلى أن الثروة التي تعني في المحصلة النهائية أو خلال السنة أو سواهما هي الثروة التي تزاوج بين تلبية الحاجيات الفردية والجماعية من مختلف المواد غذائية وغيرها وتأمين قوة الاقتصاد الوطني بشكل يجعله ذا تنافسية تمكنه ليس فقط من مواجهة التحديات، بل تضمن له مكانة دولية أو اقليمية على الأقل يفرض فيها تقدير الفاعلين في الساحة الدولية.
فهل الثروة الوطنية المنتجة بالمغرب، إن في القطاع الخاص ممثلا في الشركات والمقاولات أو في القطاع العام ممثلا في القطاعات التي تشرف عليها الدولة ،أو في السياسة العامة التي تؤطر طبيعة انتاج الثروة، هل هذه الثروة أو الانتاج الوطني بشكل عام أسهم ويسهم في تلبية الحاجيات الاساسية أولا، قبل الحديث عن اسهام الثروة المأمولة في تكوين اقتصاد قوي وصادرات قوية بموازاة ذلك؟
لا أحد يمكنه أن يجادل في أن المغرب يتوفر على بعض الثروات الطبيعة مثل الفوسفاط الذي تلعب صادراته دورا هاما في تحقيق العديد من التوازنات المالية، لكن إذا استحضرنا العديد من المعطيات منها الدراسات التقيمية أو غيرها التي قامت بها مؤسسات وطنية مثل المندوبية السامية للتخطيط أو مراكز أبحاث جامعية، نلاحظ بأن العديد من القطاعات، صناعية وفلاحية، (بالرغم من أن هناك مقاولات وطنية مختلفة تتوفر على كل مقومات التنافسية الدولية) مازالت تشكو في العديد من مكونات ضعف القيمة المضافة جراء نوعية الانتاج الذي لاتراعى فيه مثلا بعض العناصر الاساسية لتقوية التنافسية مثل مواصفات الجودة المناسبة التي تتلاءم والمعايير المتعارف عليها، وكذا التحولات الدولية، إن في بعدها الاقتصادي أو البعد المرتبط بالانقلابات التي تحدث أو التي قد تحدث في أنماط العيش والحياة وهي التحولات التي تؤثر على أذواق الناس واختياراتهم المعيشية.
الرفع من القيمة المضافة (التي هي الفرق بين حصيلة الانتاج وحصيلة الاستهلاك) له علاقة جدلية بين الثروة أو الانتاج الوطني المأمول، أي الانتاج الذي نطمح ان يكون أداة حقيقية لتقوية الاقتصاد عبر انتاج ثروات حقيقية (منتوجات مختلفة ومتنوعة) توفر السيولة المالية اللازمة لإقامة استثمارات اضافية، وتشغيل امتصاص العاملين وبخاصة منهم اصحاب الشهادات، وتكوين من لا شهادة له من المهيئين لذلك، (كانت الصين وإلى وقت قريب جدا تتوفر على 70 مليون سجين، اكثر من تسعين في المائة منهم مؤهلين في مجال الخياطة والنسيج، وما يرتبط بالالبسة الجاهزة بشكل عام وهو رقم يشكل لوحده تحديا للمغرب في مجال الثروة او الانتاج المتعلق بالنسيج و الخياطة التي عرف كما هو معلوم كساده في العديد من جوانبه بسبب عدم تطوير ادوات ووسائل وعقلية الانتاج في العديد من المؤسسات، والنتيجة كانت تسريحات جماعية للعمال بالآلاف، وهذا ما تؤكده تقارير مندوبيات الشغل وفقدان الخزينة العامة لملايير السنتيمات التي كانت تستخلصها من خلال الضرائب او الجبايات الجمركية.
وفي هذا الاطار، نشير الى أنه سبق أن أعدت دراسة قيمة، اشرفت عليها وزارة الشؤون العامة سابقا، حول المقاولات الصغيرة والمتوسطة،والصناعة التقليدية، استجمعت في كتاب عُنون بالكتاب بالابيض كذا، وقد كان الهدف الاستراتيجي من هذه الدراسة الرفع من القيمة المضافة للقطاع المذكور وجعله يساهم بشكل أوفر في تطوير عائدات الانتاج الوطني الخام، من خلال تطوير وتنويع طبيعة الانتاج بالمقاولة الصغيرة والمتوسطة في مختلف مجالاتها، وقد شارك في هذه الدراسة فاعلون من الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، وفاعلون اقتصاديون وباحثون من مختلف الاتجاهات، وهيئات مهنية، لكن الغريب هو ان هذه الدراسة التي كان وازعها و طني على ما يبدو كان مصيرها الاهمال مثل ماهو حال العديد من الدراسات. وفي هذا السياق كشف لنا صديق كان يشغل مهمة رئيسية في هيأة مهنية اقتصادية ببلادنا، بأنه ذات مرة بادر مسؤولا حكومي جديد بالقول، لماذا لا يتم استثمار الدراسة المومأ اليها عوض الانكباب مجددا في البحث
وبمجهود جديد وإمكانيات مادية إضافية، وما الى ذلك من أسباب ضعف مساهمة هذا النوع من المقاولات في الاقتصاد الوطني، فأجابه بالقول، وببساطة «لنترك تلك الدراسة جانبا، ونتحدث في أشياء أخرى».. والمؤسف هنا، هو أنه لم يتم البحث عن الوسائل الكفيلة بتنفيذ دراسة الكتاب الابيض، ولم يتم البحث في المقابل من لدن هذا المسؤول الحكومي عن مخارج لمشكل كساد إنتاج المقاولات الصغرى والمتوسطة وضعف قيمتها المضافة، وكذا ضعف مساهمتها في العائدات السنوية للانتاج الوطني العام.
دراسة أخرى قام بها فريق من الباحثين الالمان بمنطقة الرحامنة، الدراسة (نشرتها جريدة «الايكونومست» في أحد أعدادها السابقة. خلصت الى القول بأن هذه المنطقة (أي الرحامنة) «المعروفة» في الذاكرة الجمعية المغربية بأنها منطقة قاحلة تختص في الرعي وبعض المنتوجات التي تتلاءم مع طبيعة مناخها الجاف والحار، تتوفر على المؤهلات الطبيعية لكي تصبح منطقة غنية ومثمرة فلاحيا، فهي تتوفر - حسب الدراسة على فرشة مائية غنية، وعلى «تربة زراعية» تتميز بكل مواصفات الانتاج الجيد، ان في مجال إنتاج القمح او غيره من المنتوجات الفلاحية، غير أن تأمين وتحقيق هذا الهدف يقتضي برأي الدراسة ذاتها، إعادة استصلاح الارض بمنطقة الرحامنة بشكل يضمن صلاحيتها لمختلف الزراعات المأمولة.. وقد اقترحت الدراسة في هذا المضمار لتغطية نفقات المشروع غلافا ماليا معينا... وهو ما اعتبره البعض كلفة «مبالغ» فيها،فيما رأى البعض الآخر، ان الالتفاف على مثل هذه الدراسات التي تسعى من خلال ما تطرح من مشاريع فعلية الى خلق ثروة حقيقية وجديدة تسهم في إحداث زلزال في أنماط العيش بالمنطقة، وتخلق الآلاف من مناصب الشغل، وتحول دون نزوح سكان القرى نحو المدن المجاورة، وتعطي نفسا ودينامية جديدة للاقتصاد الفلاحي الوطني، من خلال نوعية وحجم الانتاج المتزايد، وكذا الاسهام الاضافي في العائدات المالية السنوية العامة للمغرب (أي الانتاج الوطني الخام)، الالتفاف على
هذا النوع من الدراسات - حسب هؤلاء - بدعوى «كلفة الإنجاز المرتفعة»، لا يعتبر مبررا معقولا وخاصة إذا قاربنا - والكلام دائما لمصادرنا - هذا المشروع الذي يكتسي أهمية استراتيجية فلاحية بمنطقة الرحامنة «بمشاريع» عديدة صرفت عليها أموال طائلة وقد تصرف على مثيلاتها بذات السيولة المالية في المستقبل بالرغم من أنها لا تكتسي الأولوية، إن اجتماعيا أو اقتصاديا.
ألم يكن لمثل هذا المشروع (وغيره) أن يحدث رجة حقيقية في مجال الانتاج الفلاحي، وإنتاج الثروة بشكل مغاير ببلادنا لو كتب له التحقيق والإنجاز؟ وألا يشكل هذا المشروع اليوم وغدا، ملفا ذا أهمية استراتيجية راهنية خاصة في ظل تحدي التغيير المناخي.. الذي ينذر بمخاطر تراجع الإنتاج في بعض القطاعات الفلاحية في المستقبل المتوسط والبعيد، إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة الاستباقية لتطويق أي أزمة غذائية مفترضة؟
ارتباطا دائما، بالإنتاج، وإنتاج الثروات بشكل مغاير باعتبارهما عماد قوة الاقتصاد وصناعته إن و طنيا أو دوليا، فإن للتدبير بشكل عام، ونوعيته دور حاسم في صناعة ثروة أي أمة، وتقدم أي بلد، ومن الأمثلة الدالة التي يمكن الاستدلال بها في هذا الإطار ماليزيا وتركيا اللتان شهدتا قفزة اقتصادية نوعية في مجال انتاج الثروة في مختلف مجالاتها بسبب سياسة ونوعية التدبير الممنهج والاستراتيجية المتبناة التي ترتكز على تطوير والنهوض بالتعليم، وتشجيع البحث العلمي والتكنولوجيا وتيسير كل سبل تحقيق صناعة حقيقية
تنتج الثروة التي باتت منتوجاتها تنافس منتوجات مختلف الدول المتقدمة في العديد من الأسواق الدولية، وقد سبق في هذا الإطار أن سئل رجب أردوغان الوزير الأول التركي حول سبل النهوض الاقتصادي في فترة وجيزة من ولايته الأولى فأجاب قائلا، بأن السر يكمن في ثلاثة أسباب، وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وسن أساليب تدبير جديدة وجيدة قوامها الشفافية ومحاربة الفساد، وحسن تدبير المعلومة واستثمارها بشكل يخدم إيجابا كل المشاريع التنموية المقترحة، وتعبئة المواطن التركي وتأهيله ليكون أحد الأدوات الفعلية في تحقيق ما تطمح إليه من إقلاع في كل مناحي إنتاج الثروة، أكانت فلاحية أو صناعية أو خدماتية وما إلى ذلك..
فهل يمكن لبعض الدراسات الوطنية التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط، أو قطاعات أخرى، أو مكاتب وفرق بحث أجنبية (دراسة الرحامنة مثلا)، أن تشكل أملا لنا، إن فعّلت بعض خلاصاتها في إحداث ثورة وطنية في مجال إنتاج الثروات، وهي الثورة المفترضة التي قد تُمنّع الاقتصاد الوطني وتجعله قوة في مواجهة كل التحديات الداخلية (زدياد النمو الديمغرافي، تطور عدد العاطلين، تزايد الحاجة الغذائية) والخارجية أيضا، المرتبطة بالتحولات الاقتصادية الدولية؟
بلد صغير يُضاهي منتوج واحد له أكبر قوة في العالم؟
فنلندا بلد صغير ينتمي إلى البلدان الاسكندنافية التي توجد شمال أوربا، بلد يقارب عدد سكانه السبعة ملايين نسمة، ولا يتوفر لا على بترول أو مواد طبيعية أخرى تكون أساس قوته الاقتصادية، كما هو حال العديد من الدول، لكن هذا البلد الذي أصبح تجربة دولية يحتدى بها في مجالات عدة، وبخاصة في مجال التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا الدقيقة، والحكامة الجيدة في مختلف المناحي، صار في فترة لا تتجاوز الأربعة عقود من انطلاقته التنموية الحقيقية، يضاهي في بعض مناحي قوته الاقتصادية، دولا كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأساساً في المجالات المرتبطة بمنتوجات التكنولوجيا الدقيقة، وأدوات الاتصال ذات الاستعمال القطاعي أو الدولي (الرادارات التي تستعملها الدول في مجالات مختلفة)، أو ذات الاستعمال الفردي.
فهذه الدولة أو البلد الذي يشكل محمول «نوكيا»، رمزاً أو علامة من علامات تطوره العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، أحدثت ثورة حقيقية (إضافة الى دول أخرى مثل اليابان الذي لا يتوفر على ثروات طبيعية) في مفهوم الثروة وإنتاجها والهدف الاستراتيجي من السعي نحو إنتاج ثروة وطنية مغايرة في مراميها ومناهج عملها لأساليب تقليدية ماضوية، ولعل إنتاج محمول «نوكيا» فقط، خير مثال على بُعد النظر الوطني الذي طبع عملية التفكير في إنتاج الثروة الحقيقية بهذا البلد، ولعل إشعاع هذا المنتوج دوليا، وعائداته المالية السنوية على فنلندا خير ما يمكن الاستدلال به على صواب ونجاعة استراتيجية إنتاج الثروة في هذا البلد، فعائدات نوكيا تضاهي عائدات النفط لدولة عربية تعتبر من بين أكبر الدول المنتجة للنفط..
الصديق العزيز، الدكتور محمد أوهان ، الذي امتهن مهنة الطب في المغرب، وبعض الدول الافريقية، وقضى فترة زمنية معينة بالولايات المتحدة الأمريكية، دفعه هوسه نحو البحث العلمي وشغفه وأمله في الإسهام في العطاء والابتكار إلى الذهاب نحو فنلندا طلباً للعلم، وقد تمكن فعلا من حصوله على دبلوم مهندس في التكنولوجيا الدقيقة، وهو مجال البحث الذي أمده بأدوات علمية مكنته من اختراع تقنية علمية غير مسبوقة تمكن من اكتشاف المشتبه به جنائياً دون الاعتماد بالضرورة على البصمات.
الدكتور أوهان الذي تبنت جامعة الدول العربية بحثه، والذي لم تول لبحثه العلمي الأهمية المطلوبة وطنياً، وهو ما اضطر معه إلى مغادرة المغرب نحو الولايات المتحدة الأمريكية، أكد لنا غير ما مرة أن أساس إنتاج الثروة الفنلندية التي «غزت» كل بلدان العالم، هي التعليم والبحث العلمي والتدبير الديمقراطي الجيد والفعال، مبرزاً أن الثروة الإنتاجية المتعددة الأوجه والسريعة بهذا البلد، ترجع في بعدها الاستراتيجي إلى الاهتمام بتكوين القدرات المعرفية والعلمية الهائلة للإنسان، واعتماد حكامة وطنية قوامها خدمة المصلحة العامة للبلدان راهناً أو مستقبلا..
أسئلة للفهم
ما الذي نعنيه بالثروة وإنتاج الثروة الوطنية؟
لقد كان الاعتقاد السائد منذ عقود خلت، وبخاصة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، بأن ثروة أي أمة أو بلد، تعني ما يتوفر عليه من معادن نفيسة وغيرها، وقد أفضى هذا الاعتقاد الذي كان راسخاً بقوة وقتئذ إلى التأسيس لمذهب اقتصادي هو المذهب المركانتيلي الذي ظل يوجه سياسة الدول التي كانت تعتبر الذهب والفضة مصدر قوتها، بيد أن ظهور أدم سميت (فيلسوف واقتصادي اشتهر بمؤلفه «ثروة الأمم»، وهو واحد من مؤسسي الليبرالية الاقتصادية، وقد اعتبر بنظر العديدين أب علم الاقتصاد الحديث) أحدث نوعاً من الانقلاب الجذري في هذا الاعتقاد، حيث «اعتبر أن طبيعة ثروة الأمم لا تتمثل فقط فيما تتوفر عليه من ثروات طبيعية «مكتسبة»، بل هي كل الأشياء الطبيعية والبشرية المنتجة التي تُسهم في إنماء ظروف وشروط الحياة في بعدها الإنساني أو الوطني...»
وبالرجوع الى بعض الدراسات الرصينة في هذا المجال، منها كتاب «بول بورديي»، الذي يحمل عنوان: «القيمة المضافة المباشرة» مقاربة حول التدبير المرتكز على التمايز بين المجتمع والمقاولة»، نجده في الفصل الخاص بالثروة والإنتاج والقيمة المضافة ومختلف السياقات التي يبرز من خلالها تخلف أو تقدم الدول أو المقاولات والشركات، نجده في هذا الفصل يعطي تعريفاً دقيقاً وشاملا لمعنى الثروة في بعدها الماكرو اقتصادي أو الميكرو اقتصادي..، إذ يشير إلى أن «الثروة المنتجة من طرف أمة أو بلد معين، هي إنتاج مجموع الحاجيات والخدمات التي توجَّه لتلبية الحاجيات الفردية والجماعية بهذا البلد أو ذاك، وهي الحاجيات التي تنتج من قبل القطاع الخاص والدولة، ومضى قائلا بأن الثروة بهذا المعنى هي ما يوصف اقتصاديا بالإنتاج الوطني..
فما هو الإنتاج الوطني؟
حسب «بروديي» دائما، (وهو ما يتقاطع مع تفسيرات دراسات اقتصادية أخرى، ومعاجم ذات صلة)، فإن لمفهوم الإنتاج تعريفان، الأول يرتكز على نتيجة الإنتاج، وبهذا المعنى، فإن الإنتاج يُمثل الحاجيات والخدمات المنتجة التي تتعلق بتلبية حاجيات فردية وجماعية، مثلا كوزيمار تنتج مادة السكر لتلبية الحاجيات الفردية في مادة غذائية أساسية.
أما التعريف الثاني، فيعتبر الإنتاج هو النشاط المنظَّم اجتماعياً في أفق خلق حاجيات وخدمات انطلاقاً من عدة عناصر، تتجسد مثلا في قوة العمل والآلات والمواد الأولية، مثلا مطاحن الدقيق تنتج المادة الأساس لتهييء الخبز، اعتماداً على مادة رئيسية هي القمح بشتى تصنيفاته، والهدف في نهاية المطاف، هو توفير المادة الضرورية للسوق الوطني..
ومن هذا المنطلق، فإن الإنتاج الوطني الذي يُعد مفهوماً مرادفاً إلى حد بعيد لمفهوم الثروة الوطنية، يتخذ في مساره العام ثلاثة توجهات:
أ توجه يرتبط بتلبية الحاجيات الاستهلاكية للأسر، وهو ما يعني في العديد من مظاهره تأمين الغذاء والخدمة اللازمة لمواطني هذا البلد أو ذاك.
ب توجه ثاني يتصل بالاستثمار، أي توظيف بصيغة أو أخرى جزء من عائدات الثروة الوطنية في مجالات حيوية مختلفة من أجل تطوير وتنمية الثروة الوطنية، ومن خلالها الاقتصاد الوطني.
ج التوجه الأخير يتعلق بالتصدير، ذلك أن المكانة التصديرية القوية لهذا البلد أو ذاك، في الأسواق الدولية، تعكس طبيعة ونوعية ثروته الوطنية وطريقة تدبيره لمسالك تصريفها.
أية علاقة لمفهوم
القيمة المضافة بمفهومي
الثروة والإنتاج؟
لا يمكن اقتصادياً الحديث عن الثروة والإنتاج دون استحضار بالموازاة، مفهوم القيمة المضافة التي تعني الفرق بين قيمة الإنتاج وقيمة الاستهلاك، وبالطبع، فإن تطوير طبيعة ونوعية الثروة الوطنية أو الإنتاج الوطني (الذي يرتبط بعوامل مختلفة تعليمية وعلمية وسياسية) يعني ليس فقط الرفع من العائدات المالية المستخلصة من الإنتاج الوطني، بل يعني في بعده العام ، قوة وتقوية الاقتصاد الوطني وتمكينه من مقومات مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.