سبحان الله، يتحقق في رمضان ما يستحيل في الشهور الأخرى. ففي هذا الشهر الفضيل يتساوى الغني بالفقراء، أو على الأقل يحس فيه خلال النهار ولمدة ثلاثين يوما متصلة بما يشعر به إخوانه طيلة ثلاثمائة وخمسة وستين. يعني، في رمضان بالتحديد يعرف الأغنياء معنى أن يستيقظ المواطنون من نومهم ويخرجون إلى العمل إن كان لهم عمل دون فطور، ويصل موعد الغذاء فلا يجدون ما يُسكتُون به مصارينهم التي تتقطع، وما كاين لا كوتي لا والو... غير الجوع. هذا ما يفسر صحوة الضمير التي تجتاح فجأة طبقة الأغنياء، فتكثر الصدقات في رمضان، وترق القلوب الغليظة، ويتحول الظالمون الناهبون القُساة إلى كائنات هشة تبكي لمجرد رؤية طفلٍ عارٍ في الشارع بدون سروال، أو امرأة عجوز تمدّ يدها المرتعشة تسأل العابرين خبزة صغيرة أو شي طبسيل ديال الحوت... إلى درجة أن الحنان المفاجئ الذي يفيض في رمضان من بعض الشلاهبية المعروفين في الحي يثير استغراب البسطاء ودهشة المحرومين. إيوا هادي هي الأهمية ديال رمضان، سبحان الله كاينين شي ناس اللي داروا اللْعاقة على ظهر المواطنين. كيجي رمضان كيتبدلوا، ما كيبقاوْش استغلاليين، وكيولّيوْ دْراوش لوجه الله. آش من لوجه الله؟ راه كيستغلوا عاودتاني الفرصة، طامعين في الجنة حيت سمعوا بلي الجنة كتكون محلولة مزيان في رمضان. وعلاش ما تقولش بلي بصّح ولّاو كيخافوا الله؟ وعلاه اللي أصلا كيخاف من الله غادي يدير هاديك اللعاقة كلها؟ هكذا يتصور بعضُ الفقراء أموالَ الأغنياء في هذا البلاد، فهم لا يمكنهم أن يقبلوا بأن أموالهم حلال، ولا يريدون أن يصدقوا أن بإمكان المغربي أن يبني فيلات ويمتلك سيارات وأرصدة بنكية محترمة دون أن يتواطأ مع الشيطان. واش هاد الهضرة بصح أو لا غير الحسد؟ الله أعلم. المهم أن كل غني مشكوك في ذمته عند هؤلاء الفقراء حتى يثبت العكس. ولذلك يجب على هؤلاء "محسني رمضان" أن يجعلوا صدقاتهم خالصة في سبيل الله، لا يريدون بها جزاء ولا شكورا ولا أصواتا يوم الانتخابات. فإذا كانوا يريدون من وراء صدقاتهم تلميع صورتهم لدى المواطنين البسطاء فإنهم سيفشلون. فالفقراء رغم فقرهم يملكون مخا قادرا على التمييز بين المحسن الحقيقي والشلاهبي الذي يطلع له دينار على جبهته فجأة مع أول صلاة تراويح. أناري، هاد الفُقَرا اللي دَاروا معاهم وحْلة. خاصهم يعرفوا بلي هاد الناس اللي دايرين موائد الرحمان راه باغين يعتقوا غير الفقرا في رمضان. وعلاه هاد الفُقرا ما باغين اللي يعتقهم غير حتى يجي رمضان؟ المهم، كاع هاد الأغنياء عندهم الأجر بهاد موائد الرحمان. هاد الأغنياء كون بغاوْ الأجر بصّح، كون داروا للفقراء سبيطارات الرحمان، مدارس الرحمان، مخيمات الرحمان... ماشي يدخلوا للجنة على ظهرهم بزلافة ديال الحريرة وبيضة مسلوقة. لا أحد يستطيع أن ينكر فرحة المحسنين حين يرون فرحة الصائمين التعساء حول مائدتهم. ولا أحد يستطيع أن يصف النشوة الروحية التي يمكن أن يشعر بها صاحب "مائدة الرحمان" وهو يرى الحريرة تندلق من أفواه جائعة. إنه إحساس رباني يُريح الضمير، ويمنح اطمئنانا مثاليا لنفس لم تهدأ طيلة السنة. هذا يعني أن هؤلاء "المحسنين" لا يريدون في الحقيقة إسعاد الفقراء، بل يريدون إسعاد أنفسهم. إنهم يتلذذون بمنظر المتسولين وعابري السبيل الجالسين بأدب بالغ مربْعين إيديهم قبل أذان المغرب بدقائق، وبمنظر هؤلاء المساكين أنفسهم وهم يقربلونها مباشرة بعد الأذان. إن الأغنياء "المحسنين" يكرسون مجددا إحساسهم بأهميتهم وتفوقهم على هذه الكائنات الفقيرة، ولذلك لن يقبل أحدهم مطلقاً أن تظل مائدته فارغة. يعني، ماذا يحدث لو لم يقترب شي مسكين شي نهار من أية خيمة منصوبة في العراء أو في الشارع أو داخل كاراج؟ كيفاش غادي يولّي هاد المحسن وهو كيشوف الخْزانة ديالو خاوية؟ باينة ما غاداش تدخل ليه الدماغ. وغادي يسوّل راسو: فين مشاو هاد المزاليط؟ وكاين أكثر من هاد الشي، هو إيلا جا فْطر عندو غير خمسين واحد صافي، راه يتسطّى. علاش؟ حيت خاصو ستين مسكين بالضبط باش يوكّلهم كل نهار. علاه هو كيصوم شي نهار؟