يتسابق الناس بمختلف ألوانهم و أشكالهم و مشاربهم عبر العالم، في شهر رمضان لتعليق الزينات، وتخصيص الرسومات وإنارة الفوانيس، وتبادل التهاني، والمبالغة في إظهار الفرح بقدوم رمضان بإذاعة المسلسلات الفكاهية، و الأعمال الدرامية، فيما تتسابق فئة أخرى إلى الدعاء والقيام وقراءة القرآن، والتنافس في الطاعات. ------------------------------------------------------------------------ وتختلف مظاهر استقبال الشهر الكريم من بيت لبيت، ومن ثقافة إلى ثقافة، كما تختلف من بلد لآخر، فبينما تحتفل بعض الأسر بشراء مستلزمات رمضان قبل شهر كامل تحتفل أسر أخرى بتعليق الزينة، وشراء بعض المأكولات الخاصة بهذه المناسبة. إن المسلمين في كل مكان فوق سطح هذه البسيطة، يتطلعون الى هلال شهر رمضان، يفرحون بمقدمه، لأن الشهر يحمل في طياته ذكريات، ومعاني، ومناسبات لها ارتباط وثيق بحياة كل مسلم . ففيه مشاعر غريبه يحملها كل مسلم لأخيه المسلم، نرى الغني يعطف على الفقير، القوي يرحم الضعيف. شهر يشعر المسلمون جماله وبهاءه، تغمرهم الفرحة بالصيام و القيام و لكل شأن يغنيه. رمضان حول العالم، سلسلة تنشرها بيان اليوم عبر حلقات طيلة الشهر الفضيل للسفر بقرائها إلى مختلف بلدان العالم، و الإبحار في تاريخ الأمم، من أجل لاقتراب أكثر من تقاليدهم و ثقافاتهم و عاداتهم في استقبال رمضان و طقوس قضاءه. »الحلو مر« مشروب لا يخلو منه بيت سوداني في رمضان يستقبل أهل السودان شهر الخير بالفرح والسرور، ويهنئ الجميع بعضهم بعضًا بقدوم هذا الشهر المبارك، ومن عبارات التهنئة المتعارف عليها بينهم في هذه المناسبة قولهم ( رمضان كريم ) و ترد التحية بأحسن منها أو مثلها الله أكرم ، الشهر مبارك عليكم تصوموا وتفطروا على خير ... ويعتمد الناس في السودان لإثبات هلال رمضان على ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية بهذا الشأن، وقلما تجد من الناس من يخرج طلبًا لالتماس الهلال، لكن ثمة فريق من الناس يعتمد استطلاع الهلال بالطريقة الشرعية، ولا يعتمد فيما وراء ذلك على شيء. وعلى العموم، لا يختلف ثبوت رمضان في هذا البلد المسلم، على امتداد مساحته البالغة ( 2.5 ) مليون كيلو متر مربع تقريًبا، من مكان لآخر . ويبدأ الاحتفال بشهر رمضان عند أهل السودان قبل مجيئه بفترة طويلة، فمع بداية شهر شعبان تنبعث من المنازل السودانية رائحة « الأبري» أو «المديدة «. وعند ثبوت رؤيته يحدث ما يُعرف ب «الزفة « إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة، والجوقة الموسيقية العسكرية، ويتبعهم موكب رجال الطرق الصوفية، ثم فئات الشعب شبابًا ورجالاً...وتقوم هذه ( الزفة ) بالطواف في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام . مذاق خاص لرمضان في السودان لشهر رمضان مذاق خاص لكافة الشعب السوداني، فمن ضمن الاستعداد لهذا الشهر الكريم يتم تزيين البيوت، حيث يتم طلاؤها وإعادة نظافتها بالكامل. وتقوم النساء بإعداد بعض المأكولات التي تكون في شكل نواشف، كذلك يقمن بحوالي شهرين أو ثلاثة، بتجهيز المشروب المفضل للسودانيين في شهر رمضان، مشروب (الحلو مر) لا يخلو منه بيت سوداني في رمضان. وسبب تسميته بذلك، أنه ذو مذاقين فهو حلو ومر في ذات الوقت، لذا سمي (الحلو مر). حيث إن مكوناته الأعشاب الطبيعية التي ينعم بها السودان. فالحلومر عبارة عن خليط من أكثر من ثمانية أعشاب تمزج مع دقيق الذرة، وذلك بعد أن تكون الذرة قد أخذت طوراً جديداً تأخذ من خلاله طعماً مستساغاً وذلك بصب الماء عليها وتجفيفها وطحنها، بعد ذلك يخلط هذا الدقيق مع الأعشاب بعد طحنها، ثم يعرض العجين للنار ليخرج في شكل لفافات، حين تبل هذه اللفافة بالماء لاستخلاص ما تحتويه من مادة، وهذه المادة هي الحلومر فيضاف إليه السكر ويشرب بارداً. ومما يلفت النظر عند أهل السودان أن ربّات البيوت اعتدن على تجديد وتغيير كل أواني المطبخ، احتفالاً وابتهاجًا بقدوم شهر رمضان. ومن العادات في شهر رمضان اجتماع الناس في تناول الإفطار جماعة، حيث كل منهم يأتي بمائدته في مكان مخصص لذلك، وغالباً يجتمعون عند أوسمهم بيتاً. بحيث يكون هذا المكان واضح من كل الاتجاهات حتى يكون ظاهراً لعابري الطريق، ويجلب كل شخص إفطارًا من بيته، والميزة من هذا التجمع أن يتساوى الفقير مع الغني حيث لا يشعر الفقير بفقره، بعد تناول الإفطار وصلاة المغرب يظل الرجال في هذا المحل حيث يتم مناقشة بعض الأمور التي تهمهم ثم الرجوع إلى البيوت، وعندما يحين وقت صلاة العشاء يذهبون إلى المسجد حيث يصلون العشاء والتراويح. وهذا الاجتماع فيه من الفوائد ما فيه، ومن فوائده أن يجد ابن السبيل والمسكين والفقير ما يسد به رمقه. موائد السودانيين خلال رمضان من أهم أطعمة المائدة الرمضانية السودانية الكسرة وتشبه فطائر الخبز الرقيقة، ويتم تحضيرها من دقيق الذرة مضاف إليه قليل من دقيق القمح. تقدم الكسرة مع الملاح (الأدام) المصنوع من اللحم والخضار والبصل والزيت والصلصة، أو عصير الطماطم، ومن اشهر أنواع الملاح (الادام) التي تقدم مع الكسرة ملاح «الويكة»، وهي عبارة عن بامية مجففة يتم سحقها ويضاف إليها البصل المجفف، واللحم المجفف ?الشرموط?، والزيت، والصلصة، أو عصير الطماطم والملح. وهناك ملاح النعيمية المضاف إليها لبن الزبادي. وملاح المرس المصنوع من اللوبية والبصل والملح. كما يقدم السودانيون عصيدة الدخن ومن أشهر أطباق رمضان المرارة وتعرف أيضا ب ?أم فتفت? وتحضر من أحشاء الشاة المذبوحة والكبد، والمعدة، والرئة ويضاف إليها البصل والتوابل والفول السوداني المسحوق ?الدكوة? والملح وعصير الليمون وتؤكل نيئة دون طهي. ويقدم حساء الكوارع المصنوع من اظلاف العجول والضأن وتطهى مع البصل والخضروات والتوابل وترش على الخبز. بينما القراصة من وجبات شمال السودان عند قبائل الشايقية والنوبة الشماليين. وهناك ملاح الكول . وفي جنوب البلاد يمثل السمك عنصراً رئيسياً، ومن أهم الوجبات التي يدخل في تكوينها السمك الكجيك. ومن الوجبات السودانية أيضا، عصيدة «البفرة» في المنطقة الاستوائية بجنوب البلاد وتصنع من نبات «البفرة» وهو نبات ينمو في المناطق الاستوائية وهو من فصيلة البطاطس تقدم هذه العصيدة مع الملوخية. أما بالنسبة لوجبة السحور فهناك ?الرُقاق? وهي رقائق مصنوعة من دقيق القمح، بالإضافة إلى طبق الأرز بالحليب الذي يعتقد انه يعمل على تقليل الشعور بالجوع أثناء الصيام. البرنامج اليومي خلال شهر رمضان بالنسبة للرجال،يذهب أغلبهم في الصباح إلى العمل ثم الرجوع في الثانية ظهراً، إن كان العمل في المجال الحكومي أو بعض المؤسسات الخاصة، أما إذا كان عملاً حراً فالرجوع يمتد ما بعد العصر. بالنسبة للنساء في الصباح تكون الأعمال المنزلية خفيفة من إعداد إفطار للأبناء الصغار، وفي صلاة الظهر بعض النساء ينظمن حلقة تلاوة. لكن الغالب منهن يتفرغن لإعداد الطعام للإفطار حيث يكون غالب الفطور من الأكلات الشعبية. وفي شهر رمضان تعمر المساجد وتنشط حلقات القرآن والعلوم الدينية من فقه وتجويد وغيره. فيمكث المصلون بين صلاة الظهر والعصر وذلك لتلاوة جزء من القرآن، ويدير الحلقة شيخ حافظ للقرآن، حتى إذا اكتمل رمضان يكون كل منهم قد ختم القرآن تلاوة، وعَلِمَ بأحكام التجويد، وهناك وعظ يومي بعد صلاة التراويح. أما العشر الأواخر ففيها يزداد الناس خشوعاً وتعبداً؛ ففيها صلاة التهجد وتحري ليلة القدر. استقبال العيد أما العيد فيستقبله الناس مبتهجين بعد أن أدوا فريضة الصيام. فبعد أداء صلاة العيد وشعائرها يقوم الناس، صغاراً وكباراً، بالسلام على من يقابلهم في المسجد وكل من المسلمين يقدَّم لأخيه العفو والسماحة، ويطلب منه أن يعفو عنه حتى ولو لم يكن هناك ما يربطهما معاً، ومن المسجد يتوجه كل الناس ليصل كل منهم رحمه وجيرانه، ويتحركون في مجموعات صغيرة ما بين ثلاثة إلى ستة أشخاص، حيث يقدم لهم صاحب البيت الحلوى والكعك الذي يصنع خصيصاً لهذا اليوم. وكل مجموعة تسعى لزيارة جميع أهل القرية أو المدينة التي يقطنون فيها. وبما أن السودان بلد مترامي الأطراف، ويشمل كثيراً من القبائل، إلا أن هذا يعد الغالب من عاداتهم، حيث يقوم به السواد الأعظم من الشعب السوداني. السودان في سطور تبلغ مساحة السودان مليونين و نصف المليون كيلومتر مربع، يبلغ عدد سكان السودان 39 مليون نسمة تقريبًا، يتكلمون أكثر من 110 لغة ولهجة محلية، نسبة المسلمين منهم حوالي 80 في المائة يتركز معظمهم في الشمال، أما الجنوب فإن 18 في المائة من سكانه مسلمون، و17 في المائة نصارى، والنسبة المتبقية وثنيون.