أقوالٌ مأثورةٌ كثيرة قيلت وعكست رؤى أدباء وشعراء وفلاسفة أشادوا بالأنثى وتغنّوْا بمفاتنِها ومحاسنِها وخصالِها، ولا زالت هذه المآثرُ تحملُ طوابعَ ثابتة مغروزة في كبدِ الحقيقة.. يعلو صوتُ كونفوشيوس من بعيدٍ قائلاً: "المرأةُ أبهجُ شيءٍ في الحياة"! وتتباهى ميّ زيادة بأعلى إيمانِها: نعم، "المرأةُ أنشودةُ الرّجُل، فقلبُها موضعُ اعتمادِهِ، وعذوبتُها مستودعُ تعزيتِهِ، وبسمتُها مكافأةُ أتعابِه". فيعترضُ أنيس منصور: لكن.. قلوب النّساء مناجم ذهب، فحْم، همّ، غمّ، و... وإذا بالشّيخ مصطفى عبد الرازق يتدخلُ مقاطعًا: على رسلِك يا صديقي.. ولا تنسَ أبدًا أنّ المرأة هي المنبع الفيّاض بما في الحياةِ الإنسانيّة من حبّ. ولا يسعُ صميلز إلاّ أن يتدخل، ليُحدد دوْر المرأة بقلب الإنسانيّة، ودورَ الرّجُل بالرّأس. ويهتف إبراهيم نوّار مِن بعيدٍ: إنّ المرأة حديقة، لكن قد تتحوّلُ أحيانًا إلى صحراءَ فلا تصلح إلاّ لزراعة الصّبّار. وهذه المقولة تجرف فكري إلى لانهاية من التساؤلات، متى تتحوّلُ الأنثى إلى صحراء؟ ولماذا؟ تلك الأنثى التي تحملُ روحَ الحرّيّة، وينبضُ قلبُ الحياةِ بحُبّها، ولا يروق للبشر إلاّ الحديث عنها ومعها، كيف لها أن تدركَ حقّها ومتى! اليست بها تنتشي الحياة وتنتعشُ، حين تَسحر العيونَ بحُسنِها والأفئدةَ بخصالِها، وحين تَغمرُ الوجدانَ بحنانها، وتُكلّلُ الحضارةَ بفِكرِها وإنسانيّتها، إذًا؛ كيف تغدو صحراء ومتى؟ فيجيبُ جوزي فيرر قائلا: نعم، صحيح أن المرأة مخلوق مليء بالرقة والحنان، ولكن حينما يشاء. ولنفرض أن الأنثى ما أرادت وما شاءت أن ترِقّ أو تحن، فهل تكون الحربُ النّتيجة؟ ومَن سيقوم بإرشادها وتصويبها؟ الرجل؟ المجتمع؟ القانون؟ الأعراف؟ أم ....؟ على عجلٍ يهرولُ المثلُ البرازيليّ ليقول: تذكّروا دومًا أنّ إرادة المرأة لا تحتاج إلى إرشاد إذا كانت حازمةً. ويسارع أناتول فرانس ليؤكد اعتقاد فرانس قائلا: الأنثى هي التي تكوّن المجتمع، لذا؛ للمرأة على المجتمع تمام السّلطة، ولا يمكن أن يُعمل في المجتمع شيءٌ إلاّ بالمرأة ولأجلِها. وفي رد لاوتسو يقول واثقا: فعلاً، إن إرادة زوجتي الحسنة تقصّرُ عليّ الطريق. وما بين إرادة المرأة وإدارةِ الأنثى يضيف إميل زولا رأيه: إن مصير كلّ فرْد من أفراِ العائلة تحمله المرأة في ثنيّاتِ وطيّات ثوبِها. وفي أفلاك الحقوق المدنية ومساراتها تدور آراء تتلاقى وتتنافر، تتوازى وتتلاقى، وفي أدغال العدالة تتيه نساء وإناث كثيرات، ممّن تكلمن عن المساواة والحرية بأسلوب متشنج متعصب مُتمرّد، فما كان من عنجهيتهن ولغتهن البعيدة عن الأنوثة إلاّ أن تسيء إلى جنس حواء من حيث لا ندري، بينما في الجانب الآخر كانت هناك أخريات يعملن بتأنٍ وهدوء مِن منابع وعيهنّ وسعة إداركهن، فكان لصدى صمتهن إنجازات وتغييرات جذريّة، أثرت على القانون والتّشريع والحضارة والتّاريخ، وقلبت الموازين المجحفة، وحققت مكاسب أسرية وشخصية وثقافيّة واجتماعيّة للنساء، ممّا ساهم في تقليدهن مناصب ثقافيّة ومراكزَ إداريّة وقضائية واجتماعيّة وسياسيّة. حواء.. ما الذي يدفع بك لتجعلي الصراع المتواصل مع الرجل قضية حريتك في جميع الاتجاهات، وتحاولين ان تجعلي انتصارك دونه، كأنكِ تعزلينه بذلك عن عرش الهيمنة والاستبداد؟ وفي غربلة سريعة لمآسي شعوبنا وترحالها وحروبها وصراعها، نجد بعض النساء والرجال على حدّ سواء، ممن يرفضون أن يتكاتفوا معا أو أن يسيروا جنبا إلى جنب معهم، بروح يسودها التعاون والحب والاحترام، وإنما يلجؤون إلى المساس بمكانة أحدهم للآخر، وينجرفون بذلك إلى درك الهاوية! كيف للمرأة أن تسترد كرامتها واحترامها وأمنها، لتنعم بالحرية واللقمة النظيفة الطازجة، دون ان تشعر بالتوجس والتخوف والتهديد، أو الاستهانة بها واستغلالها وابتزازها؟ هل تناصر أختها المرأة وتدعمها لتبلورا معا المسائل الحقوقية لهما؟ عبارة علقت على أحد أبواب المطاعم تقول: ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود. عبارة عنصرية نصها القانون الأمريكي، وعايشها السود الأمريكيون بمنتهى حقارتها وازدرائها لهم، وتشبيههم بالحيوانات! عبارة وقف المستحيل أمام قهرها ونهرها، ووقف السود بعجزهم لا يقوون إلا على تنفيذها بصمت، فما بادر أحدهم في محاولة لتغييرها أو التصدي لها، وكأن إيمانهم ساقهم إلى تقبلها والرضوخ لها. لكن.. كيف للإيمان أن يعزز قدرة الإنسان على التغيير، ليصنع قانونه العادل وعالمه الذي يحيا به كما يريد؟ هل يستخدم القوة الهادئة الدبلوماسية، أما القوة العنيفة ولغة الحرب؟ هل يمكنُ قهر المستحيل؟ كيف؟ بالحرب؟ ولأن القانون هو الحل الجذري الذي يمكن أن يعدل كثيرا ويجحف أحيانا، هاجس الحرية المتمرد راود روزا لويس باركس لتحيك بإيمانها الصامت حكاية الحرية، وبجرأة فائقة استخدمت سياسة القوّة الهادئة، دون حاجة لأساطيل وبوارج كي تتجاوز المشاكل، ووضعت نصب عينيها تفاؤلها، وبوارق أمل تلوحُ في الأفق بثقة، وجعلت تحديها وإصرارها على البقاء أحد أشكالِ المقاومة والمجابهة، كي توقف استنزاف كرامتها وكرامة شعبها المهدورة. في عام 1955 انفجرَ صمام غضب روزا لويس باركس، وثارت على الأعراف اللاّحضاريّة المُجحفة بحق شعبها الأسود الأميريكي، ورفضت أن تقفَ للسيّد الأبيض كي تُجلسه في مكانها في الحافلة العمومية، وبتعمّدها الشرس وتمرّدها على القانون الأمريكي، الذي يمنع منعا باتا أن يجلس الرجل الأسود في حين يقف السيّد الأبيض في الحافلة، وهذا التمرد عرّض روزا للمحاكمة، وقضى بتغريمها ب 15$ نظير تعدّيها على حقوق الغير! عندها ثارت ثائرة السّود في أرض الولاياتِ الأمريكيّة وغلى الدم في سمائها، وبعد مدّة 381 يوما متواصلاً من مقاطعة السود الشاملة للمواصلات، خرجت المحكمة بقانون يلغي القوانين العنصريّة المجحفة ضدّ السّود! تجاوزت روزا كل الإجراءات الرسمية والقانونية حينما أصرّت أن تقاوم شرائع الاستعباد والمعاناة والانتقاص التي أدّت إلى تردّي الأوضاع، واستطاعت بإيمانها وإرادتها أن تبلور بدوْرها الرّائد فكرة ترسيخ الثورة ضد الظلم، وأن تبعث الحرية والثقة في نفوس السود، ونسجت مسيرة جديدة في تحديد المصير، والتمرد على الظروف القائمة كي تغيرها! ولا بدّ من نبذة موجزة عن حياة روزا لويس باركس التي عاشتْ (4-2-1913 – 24-10-2005)، وهي المراة الوحيدة التي يرقد جثمانها في أحد مباني الكونغرس بين ثلاثين جثمان لرؤساء ووجوه بارزة، بعدما حازتْ على وسام الرئاسي للحرية سنة 1996، وقدّمته لبني جنسها عربون انتمائها وولائها لبني بشرتها وجلدتها، وحظيت بالوسام الذهبي للكونجرس عام 1999، كأعلى درجات التكريم المدني في البلاد. ما أجمل المرأة حين تعتدُّ بنفسها.. حين تحفر بصماتها على جذع التاريخ وعلى ذاكرة الكفاح والحرية. هي المرأة.. إن أرادت نجحت حين تجعل المثابرة مفتاح الحلول لمحاولاتِها مهما كانت بائسة. هي الأنثى.. تحرّك القلوبَ اليائسة لتجعلها تؤمن بهويتها الإنسانية.. هي حواء.. متى تحرّض المنطقَ الغافي والوعي النائم لينتفضا على الصّمت!؟