كانت محامية مبتدئة جميلة مفعمة بالحياة ولكنها خلافا للعديدات كانت ترفض الدردشة مع الأفراد المنتمين للجنس الاَخر لأنها كانت تجد الأمر مخالفا لمبادئها.. لم تكن ترتدي الحجاب وكانت تعشق موسيقى البوب والريغي وتحب رقصتي التونغو والصالصا وتتعاطى لكتابة النصوص الرومانسية في أوقات فراغها.. ولكنها كانت تحافظ على صلواتها وتصون شرفها بشراسة محاربات الأمازون وعزم مقاتلي الماساي في مواجهة الأسود.. ذات صباح رمادي, أرسل لها مدير الشركة التي تعمل فيها ابنة عمها طلب صداقة على موقع تواصل اجتماعي.. شاب سبق له أن سلم عليها ذات يوم عرضا وهي في مقهى مع قريبتها.. فخجلت أن ترفض وهي التي لاتقبل عادة سوى طلبات معارفها.. طرح عليها في بادئ الأمر تساؤلات قانونية بطريقة راقية ومهذبة جعلتها ترد عليه بإسهاب.. تناسلت بينهما الأحاديث ثم أصبح لقاؤهما الإفتراضي شبه يومي.. كان الوقت بصحبته يمر بسرعة الضوء.. أعجبها جموحه الهادر وانجذبت لروحه المتوثبة.. أفلح فيما فشل فيه غيره ونجح في اختراق حصنها واجتياز الأبراج التي شيدتها لحماية خصوصيتها.. أخبرها فيما بعد أنه استطاع أن يفلت من فخ الوظيفة وأن يفرض واقعه الخاص وسط مجتمع لا يعرف إلا منهج التقوقعات الفكرية والسكيزوفرينيا المنهجية والتيه الانتمائي وتردي الإرادة وتدهور الضمير وبأنه حقق قفزات في طريق النجاح العملي قلما تتحقق لمن هم في مثل سنه.. بدا واثقا من نفسه يرفض الحلول الجاهزة والوصايا القبلية وقد كانت شركته الصغيرة واعدة بحق.. عزى بقائه بدون زواج رغم قدرته على الباءة إلى عدم عثوره على المرأة المناسبة معددا شروطا لم يفته أن يعترف بندرة توفرها في المرأة المغربية التي تنحصر جل اهتماماتها حسب زعمه في التفكير في الزواج والانجاب وتحسر على ضعف ثقافة النساء و على اكتفائهن بالرجل كهدف يلهيهن عن تحقيق أي إنجازات فردية.. صارحها منذ الوهلة الأولي بأنها مختلفة عن كل من قابلهن وأكد لها بأنه وجد فيها أخيرا ندا له يحاوره ويناقشه .. وبإعجابه بكونها فتاة لا تكتفي بدور المستمع.. ذاد عن ليبراليتها ونزعتها الرومانسية و تحدث عن الحرية والحب والأدب والشعر مستعملا كلمات منمقة سرقت منها قلبها.. بإصرار شديد وبتمرس خبير بدأ في محاوله استدراجها إلي متاهة سراديبه المجهولة.. شرع في التلميح لها برغبته في الإرتباط.. استسلمت بسهولة لأحلامها السرابية ولوعوده الضبابية.. ثم قررا أن يمرا إلى الخطوة التالية أي اللقاء والتعارف الفعلي على أرض الواقع.. لم يجد صعوبة في إقناعها بأنه أمر لا مناص منه.. طلب منها قضاء بضعة أيام في الرباط حيث يقطن حتى ينعما معا بوقت ممتع بعيدا عن عيون المتطفلين والأقارب المكناسيين .. لبت الطلب عاقدة العزم على الحلول ضيفة على عمتها بالعاصمة.. كادت تخفي الأمر عن أمها ولكنها أحجمت عن ذلك لكيلا يؤنبها ضميرها وأخبرتها بالغرض من سفرها.. عارضت الأم ولكنها لم تستطع مواصلة الرفض طويلا أمام توسلات الإبنة وصفاء نيتها البادي للعيان ورجاحة عقلها فيما مضى من الأيام خاصة وأنه كان بإمكانها إخفاء الأمر برمته.. ودعت الأم فلذة كبدها في محطة القطار بينما كانت تتنازعها أحاسيس متباينة: السرور لعثور إبنتها أخيرا على شخص تحبه بعد البيات الشتوي الطويل لقلبها والقلق الذي ساورها بسبب الخوف من المجهول ومن إطلاع زوجها على تكتمها على الأمر..