قال الدكتور خالد حجي رئيس إدارة المجلس الاوروبي للعلماء المغاربة ، أن هناك جملة من التحديات تجابه المسلمين في اوروبا، تحديات واشكاليات تقتضي وقفة تأمل، كثيرا ما نسائل انفسنا هل المسلمون يقدمون قيمة مضافة للمجتمعات الاوروبية؟ وهل للحضور الاسلامي قيمة مضافة؟ أم أن المسلم بالنسبة لاوروبا مصدر قلق ومصدر خوف وعبارة عن خطر؟. وأضاف في افتتاح الملتقى الاسلامي لمساجد كطالونيا الذي نظم بتعاون بين المجلس واتحاد المراكز الثقافية والاسلامية بكطالونيا، على ان الاحتكاك بين الاسلام واوروبا ليس وليد اللحظة، بل هناك مراتب عديدة للحضور الاسلامي في اوروبا، فالاسلام موجود في التاريخ، هناك مسلمون ذووا اصول اوروبية، هناك حضور اسلامي متخيل تجده عند الكتاب والصحفيين، وهناك اسلام في الواقع وفي المستقبل، فمراتب الحضور الاسلامي في اوروبا متعددة، كل يركز على مرتبة من هذه المراتب، نحن كمسلمين يلزمنا الاطلاع ومعرفة هذه المراتب، نحن نتنتمي لحضور اسلامي مرتبط بالهجرة. الاحتكاك بين الاسلام واوروبا يطرح مجموعة من الاشكاليات على رأسها الهوية، هل للاسلام هوية تتعارض مع هوية اوروبا، فكثير من المفكرين يدعون ان الاسلام لا يتناسب والسياق الاوروبي، فهم يقولون ان الاسلام لا يصلح لاوروبا واوروبا لا تصلح للاسلام، وهذا الطرح له من يتشيع له وله من يدافع عنه، اكثرهم من دعاة الصراع الحضاري، وهم يرون في الاسلام تعارض تام مع القيم العربية الحداثية. ويضيف حجي ان هذا الكلام يخلو من الصحة، فالاسلام يدعونا للتعارف، لقوله تعالى " يا ايها الناس ان خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اثقاكم إن الله عليم خبير" الاية ليس فيها تمييز بين الرجل والمرأة فهو يخاطب الناس، فهناك ايضا دعوة صريحة للتعارف، التعارف يفيد التداخل لا التناطح، والله يعلم أننا نتشدق للتعارف، كما جاء في الاية إن الله عليم خبير، فالقران جعل التعارف مسؤولية اخلاقية بالدرجة الاولى، والله يعلم ان كنت تطلب التعارف قولا وعملا، ام فقط لفظا. هناك أيضا في الاية لفظة التقوى، في العربية هناك اشتراك في الدلالة بين القوة والتقوى، بمعنى اخر ان المتقي هو من يملك القوة ويستطيع ان يمارس شططا ان يظلمك، لكن لديه قوة يمارسها على ذاته كي لا يشطط، فالمتقي هو يمارس قوته على نفسه كي لا يخرج من الحسن الى السئ. إذن فالواجب المطروح اولا هو الدعوة للتعارف مع المجتمعات حيث تقيم، فالسلام دين رحب وتعارف، فليس في الدين ما يمنع من التعاون على البر والتقوى مع الاخر وان نتعارف، خلص الدكتور خالد حجي إلى ان الاسلام شئنا ام ابينا جزء من هوية اوروبا، فهو موجود في تاريخ اوروبا وفي واقع اوروبا، ولكن ايضا اوروبا جزء من التاريخ الاسلامي، هناك تداخل، فالحديث عن فصل الهويات حديث متعذر، اليوم نعيش زمن ارتفاع الحدود الجغرافية، في الخمسينات والستينات كانت حدود جغرافية تفصل بين الهويات، لكن اليوم ارتفعت الخريطة الذهنية، لما كانت اوروبا تبني نهضتها في العصور الوسطى كانت تبنيها ليس امام اعيننا لان الحدود الجغرافية كانت تفصل بين الانا والاخر، لكن الان نعيش كما قال المفكر الفرنسي بول فيري زمن الانتهاء الجغرافي، الجغرافية لم تعد مانعا يفصل بين الهويات، العالم موجود فينا سواء شئنا ام ابينا، لكن السؤوال هو كيف نوجد نحن في العالم، اي كيف يوجد المسلمون وجود دون تشنج وحتى يضيفوا قيمة مضافة لهذا العالم، وهذه فرصتنا لهذه الاضافة لما لنا من رصيد روحي، هذا أمر ليس بالهين، فنحن لنا انتماء وجذور ننحدر منها، واصول متفتحة تمدنا كل اسباب التعارف مع الاخرين. ففي المغرب مثلا ورثنا مذهبا متفتحا يدعونا للتعارف والتعايش لذا يجب استثمار الاصل لنوجد في العالم بقدر ما العالم موجود فينا. وقال حجي أن المسلمين في الوقت الحالي في حاجة لفقه جديد، الكثير من الفقهاء يتحدثون حاليا عن فقه الاقليات، والان نحتاج الى فقه التعايش وفقه التضامن، فقه يسعفا لتحقيق هذا التعايش، فالمجتمعات الاوروبية تطرح علينا مجموعة من التحديات، اول تحدي هو احترام هوية اوروبا، لا يصح لنا ونحن نأتي من أصول اخرى أن نفرض تعريفا لاوروبا، الدين في السياق الاوروبي ليس مكون اساسي من مكونات الهوية الاوروبية وبالتالي فنحن يجب ان نكون على بينة من هذا. اوروبا تعرف ذاتها بالانتماء الى منظومة حقوق الانسان ومجموعة من القيم الانسانية، يجب أن نحترم كيف تعرف اوروبا ذاتها،الاساس هو ايجاد فقه جديد للجيل الجديد يسهل له سبل التعايش والتعارف. لا اخفيكم ان حضور النموذج الاسلامي في اوروبا لا زال مفقودا، لنا نموذج للتدين ارتضينا الله ربنا، ارتضينا البيئة التي ننحدر منها، المذهب المالكي وتصوف الجنيد ومذهب الاشعري، ارتضينا هذه العناصر، فالمذهب المالكي يمنحنا الكثير من الليونة للتعامل مع الواقع بنوع من المرونة، هذه المرونة يجب ان نستفيد منها حتى نساهم في تنشئة الجيل الجديد في اوروبا، بحيث نضمن امرين اثنين أولا الاعتقاد، ونضمن له من جهة ثانية الاندماج في المواطنة الاوروبية اندماجا بكل سلاسة. نحتاج لكثير من الاجتهاد حتى نوظف ما لنا من رصيد روحي لإغناء القيم الاوروبية، ليس في النكوص والتراجع للوراء، إذن نحتاج للغة جديدة لكي نتفاوض حول هذا الفضاء، فالفقه الذي ورثناه فقه منفتح يمزج بين صلابة الاعتقاد ومرونة التفاعل والتفاهم مع الواقع. من حهته أكد لأون مغاربية نورالدين الزياني رئيس اتحاد المراكز الثقافية والاسلامية بكطالونيا ان تنظيم هذا اللقاء يندرج في اطار اللقاءات التي ينظمها الإتحاد لتأطير وتكوين الجالية المسلمة في كطالونيا، فكل لقاءات الاتحاد لا تكون لها صبغة فقهية وشرعية، بل لقاءات ايضا تركز كما جاء في المحاضرة الافتتاحية على التعارف والتعايش والعيش بسلام ببلد الاستقبال، وانتظارتنا من اللقاء هو اولا الانفتاح على الاخر وقبل ذلك لا بد من انفتاح بعضنا على البعض. الملتقى الاسلامي لمساجد كطالونيا الذي نظم بتعاون بين المجلس الاوروبي للعلماء المغاربة واتحاد المراكز الثقافية والاسلامية بكطالونيا تحت شعار "مؤسسة المسجد في السياق الاوروبي، اشعاع روحي، بناء تربوي، رسالة حضارية"، خلال الفترة الممتدة بين 28 مارس و 31 مارس 2013 بجهات كطالونيا " برشلونة، خيرونا، طراغونة، ليريدا" شارك في تأطير هذا الملتقى نخبة من العلماء والدعاة والمرشدين من أوروبا ومن المغرب.