بعد الإعلان في غشت المنصرم بموقع مركز الدراسات الأورومتوسطية لدراسة الإسلام المعاصر ، عن فتح ماستر : فقه المهجر بجامعة محمد الأول كلية الآداب وجدة، عرف الدخول الجامعي لكلية الآداب و العلوم الإنسانية ، الإعلان عن إحداث ماستر : فقه المهجر، تأصيله و تطبيقاته المعاصرة، ببرنامج دراسي متميز ، وأطر أكفاء ، بتنسيق من الأستاذ الدكتور محمد المصلح . وقد شكل الإعلان عن فتح هذا المسلك المتميز حافزا قويا لدى عدد من الطلبة و الموظفين للتسجيل به ، حيث انصبت أكثر الطلبات على المسلك المذكور ، كما شهد يوم الإمتحان الكتابي حضور عدد كبير جدا من المترشحين ، خاصة الموظفين منهم، حيث غص مدرجان من الكلية بهم ، وفيما يلي محاولة للتعريف علميا بفقه المهجر... 1 التعريف ودلائل المصطلح : فقه المهجر ، فقه خاص في دائرة الفقه الإسلامي العام ، يعنى بشؤون المسلمين في غير البلاد الإسلامية ، حديث التداول ، يغلب تداوله بمصطلح " فقه الأقليات " و هو مصطلح ذكر الدكتور طه جابر العلواني في بحث له بعنوان "مدخل إلى أصول و فقه الأقليات" أنه مصطلح سياسي ظهر في عرف القانون الدولي ، وذكر الشيخ بن بية أنه نتاج تأسيس المراكز و التجمعات الإسلامية بالغرب خاصة رابطة العالم الإسلامي، حيث توجه المسلمون بعد وعيهم بخصوصيتهم ببلاد المهجر إلى البحث عن فقه يجيب عن تساؤلاتهم الكثيرة و يحل مشاكلهم العديدة ، آخذا بعين الاعتبار وضعيتهم الخاصة ، أي كونهم أقلية ، والأقلية كما يذكر الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " في فقه الأقليات المسلمة" " كل مجموعة بشرية في قطر من الأقطار تتميز عن أكثرية أهله في الدين أو المذهب أو العرق أو اللغة ، أو نحو ذلك من الأساسيات التي تتمايز بها المجموعات البشرية بعضها عن بعض " و من المعلوم أن شريعة الإسلام سمحة جاءت لليسر لا للعسر ، إذ قرر فقهاؤنا الكرام عبر تاريخ الفقه الإسلامي أن الأحكام تتغير بتغير الزمان و المكان و العرف و الحال ، و قد تغير زمن وجود المسلمين اليوم بديار الغرب ، عن زمن اعتبار هذه الديار ديار كفر أو حرب أوعهد، تقسيم نتجت عنه أحكام عديدة كعدم مشروعية الهجرة ابتداء إلى ديار الكفر ، أو جواز المعاملات الفاسدة معهم و غيرها مما تحويه موسوعة الفقه .. وتغير الأحكام بتغير الزمان و المكان و العرف و الحال قرره ابن القيم رحمه الله و قبله القرافي و غيرهما ، و قد غير الشافعي رحمه الله تعالى مذهبه من قديم إلى جديد، و غير صاحبا أبي حنيفة مجموعة من الأحكام بعده ، وذاك اختلاف زمان و مكان ، لا اختلاف حجة و برهان ، كما يقول فقهاء المذهب . ومن الأسماء التي أطلقت على هذا الفقه ، " فقه التعايش" ذكره الدكتور خالد محمد عبد القادر في كتابه " من فقه الأقليات المسلمة" حيث يرى أن تسميته بفقه الأقليات توحي بالعزلة و ممانعة الاندماج ، و يرى من وجود المسلمين بالديار غير الإسلامية فرصة للدعوة و تبليغ الرسالة المحمدية فهو يدعو إلى تسميته " فقه التعايش" ليكون ذا حمولة ، يرشد إلى ضرورة التعايش ، ولنفس الأسباب يتحفظ الدكتور عبد المجيد النجار على تسمية الأقليات، وإن كان يستعملها ، و يقترح "فقه المواطنة " في كتابه الحامل لهذا الإسم " فقه المواطنة"، وليست العبرة بالكثرة أو القلة ، إذ " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة " و قد قال السموءل حين عير بقلة قومه : تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل كما يشير الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " في فقه الأقليات المسلمة" إلى مصطلحي " فقه المغتربين " و " فقه المسلمين في غير المجتمعات الإسلامية " باعتبار واقع الهجرة والاغتراب و له تأصيل في تاريخ المسلمين ، أوله هجرة المسلمين إلى الحبشة ، وقد ذكر الدكتور عبد الله بن يوسف الجديع في كتابه " تقسيم المعمورة في الفقه الإسلامي و أثره في الواقع " أن منهم من لم يلحق بالمسلمين إلا بعد السنة العاشرة للهجرة .. كما يذكره الشيخ بن بية في كتابه " ضوابط الفتوى وفقه الأقليات " ويقول أن المجلس الأوروبي للإفتاء و البحوث ، اختار في إحدى دوراته مصطلح " فقه الأقليات " معبرا عن هذا الفقه ، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح ، إذا اتضحت أهدافه و أسسه ... 2 أهداف فقه المهجر وأسسه: من المعلوم أن المسلمين بديار المهجر ، أو ديار غير المسلمين ، يعيشون في واقع خاص جدا ، فالأحكام المطبقة ، غير إسلامية ، والواقع غير إسلامي ، و لا سلطة لهذه الأقلية في تلك البلاد ، يناديها عهد الإسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إقامة شعائر العبادة و المعاملات حيث كانت ، فينازعها الواقع في بعضها فتبحث في الفقه عن حلول ، و يدعوها واجب الشهادة إلى الدعوة ، فتبحث كيف تكون ممثلة لحضارة المسلمين وسط حضارة غيرها خصوصا و هي تنعت بالإرهاب ، وتساكن من سكنهم "الإسلاموفوبيا" ... من هنا كان لفقه المهجر أهمية كبرى في توجيه حياة المسلمين بغير المجتمعات الإسلامية، فمن أهدافه كما ذكر الدكتور يوسف القرضاوي ، في كتابه " في فقه الأقليات المسلمة" (بتصرف): 1 حياة المسلمين بالمهجر بلا حرج في الدين و لا إرهاق في الدنيا 2 محافظة المسلمين هناك ، على جوهر الشخصية الإسلامية، عقيدة وشعائر و قيما و أخلاق و آداب.. 3 تمكين المسلمين بالمهجر من أداء واجب تبليغ رسالة الإسلام 4 تحقيق المرونة والانفتاح المنضبط ( لا انغلاق و لا ذوبان ) 5 توجيه المسلمين لممارسة حقوقهم بلا ضغط و لا تنازلات 6 إعانتهم على أداء الواجبات المختلفة بلا تلكؤ... 7 الإجابة عن أسئلتهم المطروحة و معالجة مشاكلهم المتعددة .. ويظهر جليا من هذه الأهداف ، أن الفقه المطلوب ليس فقها ينظر إلى النوازل الفقهية فقط ، دون اعتبار للظروف العامة المحيطة بالفرد و الجماعة هناك ، فالمطلوب كما قال الدكتور عبد المجيد النجار ليس فقط " الإفتاء في الجزئيات" بل إلى جانبه ، " الإفتاء الحضاري" ... وختاما ، ليس فقه المهجر فقها جديدا بمعنى أنه يبنى على أصول و مرجعيات جديدة ، إنما هو فقه خاص في دائرة الفقه العام وشأنه في التفرد بلفظ فقه، شأن الفقه الطبي ، أو الفقه الإقتصادي ، أو الفقه السياسي... وهو فقه يبحث في القواعد الأصولية و الفقهية التي أوجدتها عبقرية فقهائنا ، ليبني عليها أحكاما تأخذ بعين الاعتبار تغير الزمان و المكان و العرف و الحال ، يتبنى منهج التيسير و التدرج ، ويراعي أهمية وجود مسلمين بدول غير إسلامية ، يمارسون بحالهم و مقالهم و عملهم واجب الدعوة ، شهداء على الناس ، يهتف في الناس لرؤيتهم هاتف " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" ------------------------------------------------ التعاليق: 1 - الكاتب : مهتم ------------------------------ تحية الأستاذ حمادي 2 - الكاتب : ---------------------------------- جزاك الله عنا خير جزاء