أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو-، أن إصلاح تدريس اللغة العربية لن يتم ما لم يبدأ الإصلاح من القاعدة على المدى البعيد، ومن القمة على المدى المتوسط، بحيث يسير الإصلاح في خطين متوازيين؛ إصلاح مناهج تدريس اللغة العربية بدءًا من المرحلة الابتدائية، وإصلاح أوضاع مدرسي اللغة العربية بتحسين مستواهم الوظيفي والمادي والمعنوي، مع إصلاح مناهج تدريس اللغة العربية في الجامعات والمعاهد العليا من النواحي كافة، على أن يشمل هذا الإصلاح إعادة تأهيل المدرسين والأساتذة، دون أن يكون في ذلك أيُّ مساس بمعنوياتهم، مع تخصيص حوافز مادية لهذه الفئة من المدرسين. وقال في بحث له قدم إلى المؤتمر التاسع والسبعين لمجمع اللغة العربية في القاهرة، إن الضعف العام الذي يطبع تعليم اللغة العربية على شتى المستويات، والوضع غير الطبيعي الذي يسود البيئة التعليمية التي من المفترض أن تكون ملائمة لتدريس اللغة العربية بطريقة أفضل وبوسيلة أجدى وفي ظروف نفسية ومادية أحسن، هما مشكلتان من المشاكل التي تعاني منها اللغة العربية في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العرب والمسلمون جميعًا، موضحًا أن معالجة هاتين المشكلتين بما يلزم من شفافية مقرونة بالجدية والحسم، هي السبيل إلى إصلاح ما أسماه (الفساد اللغوي). وذكر أن الانتشار الواسع للعاميات في الحياة الثقافية والإعلامية والأدبية والفنية، يُعدّ مشكلة مستعصية على الحل، لأنها تعكس سياسة ممنهجة لفتح المجال أمام العاميات (لأن لكل بلد عاميته، بل لكل إقليم من أقاليم الدولة العربية الواحدة عاميته)، في وسائل الإعلام، وفي الإعلانات المنشورة في الصحف والمجلات والفضائيات، والمنصوبة على الطرقات، والمبثوثة على المواقع الإلكترونية، والرائجة في المدارس والجامعات حيث يعلم مدرسو اللغة العربية التلاميذ بالعامية، إضافة إلى استخدام المدرسين والأستاذة في أقسام اللغة العربية في كليات الآداب بالجامعات العربية، للعامية، ومناقشة الرسائل الجامعية أحيانًا في موضوعات اللغة العربية وآدابها، باللهجات العامية. وأوضح أن قسمًا كبيرًا من مشاكل اللغة العربية يعود إلى أسباب ذاتية، منها ضعف همة أهلها، وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي، مشيرًا إلى أن الاستقراء الدقيق لتضاريس الخريطة اللغوية في العالم العربي، يكشف عن وجود إرادة سياسية مصممة على إقصاء اللغة العربية ومزاحمتها (لا منافستها) ومحاربتها بشتى الطرق، وذكر أن « هذه إرادة مبيتة تسعى إلى التمكين للتغريب وللغزو الفكري والثقافي السلبي (لا الغزو الإيجابي الذي يبني ولا يهدم والذي هو تلقيح وإخصاب) وللحداثة التي تمحو الهويات وتلغي الغيبيات وتقصي المقدسات. ولذلك لابد من أن نتنبّه إلى الأهداف المبطنة من وراء الدعوة إلى الترويج للعاميات على حساب الفصحى». وأضاف الدكتور عبد العزيز التويجري عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، قائلا ً : « إذا كانت اللغة العربية قد انتشرت في أقطار الأرض، خلال هذه المرحلة من التاريخ، فلأن هذا الانتشار ناتج عما نسميه قوة الدفع الذاتية للغة العربية. ولذلك فإن هذا الانتشار الممتد الذي بدأ في القرن العشرين والذي يمتد إلى اليوم، لا يسير في اتجاهات مستقيمة دائمًا، ولم يكن مفيدًا في جميع الأحوال، فلقد ترتبت عليه نتائج عكسية». ثم أوجز هذه النتائج فيما يلي: « أولا ً- إن اللغة العربية لم تواكب هذا الانتشار بالقدر الذي يجعلها تتطور على نحو سليم، وتتجدد باستمرار، وتحافظ على نصاعتها وقوتها. ثانيًا- إن اللغة العربية اعتراها ضعفٌ من الخارج وليس من الداخل، نتيجة ً للاستخفاف بتطبيق القواعد اللغوية والتساهل الذي يبلغ درجة انتهاك قانون اللغة وتجاوز ضوابطها. ثالثًا- إن اللغة العربية بقدر ما أصبحت لغة عالمية باعتبارها إحدى اللغات الست المعتمدة رسميًا في الأممالمتحدة وفي المنظمات التابعة لها، فهي تعاني من (ضغوط داخلية) في العالم العربي، وأخرى خارجية، منها ضغط اللغات الأجنبية، وضغط العاميات». وذكر أن الضغط اللغوي المؤثر لا يقاوم، وأنه يوجد من يدعمه ويقويه ويعززه من الداخل والخارج على حدّ سواء. وقال بهذا الخصوص : « لا تقوى اللغة العربية في ظل هذه الضغوط، بل لنقل صراحة ً في ظل هذه الحرب المشهرة ضدها، لن تقوى أن تردّ عنها كيد الكائدين وهم كثر، وتواجه عداء خصومها من ذوي الأطياف والأهواء والألوان». وتحدث عن الأسباب الموضوعية لضعف اللغة العربية، فقال : « إن أخطر ما يمكن أن تبتلي به اللغة العربية هو العجز عن التكيف مع متطلبات الحياة، والتقصير في الاستجابة للحاجات المتجددة». وأضاف قائلا ً : « إن المطلوب الآن مواجهة التحدي بالإقبال على تسهيل عملية التجاوب الوظيفي والعملي أمامها، حتى يشعر أبناؤها بأنها لغتهم الطبيعية، وأنهم لا يلبسون سترة ضيقة حينما يتحدثون بها. وهذا صحيح من النواحي كافة، فالعجز عن مواكبة التطورات التي تحفل بها الحياة، هو آفة معوقة للنمو الطبيعي في المجالات كافة، وليس فحسب في المجال اللغوي». وأوضح المدير العام للإيسيسكو أن تطوير متن اللغة بحيث يواكب المتغيرات التي تشهدها الحياة المعاصرة، هو الشرط الأساس لما أسماه (تطويع اللغة) الذي هو ضربٌ من التوسيع للمجال اللغوي، بحيث يسع المفردات والمصطلحات الجديدة، ليصبح متنًا متجددًا حيويًا ومتطورًا ومندمجًا في حياة الفرد والمجتمع. وقال : « إن تلك هي السبيل إلى إغناء اللغة العربية ومعالجة المشاكل التي تعاني منها، والتمهيد لبحث القضايا اللغوية ذات الارتباط بثقافة الأمة وبهويتها الحضارية التي تختزل في لسانها المعبر عن روحها». واختتم الدكتور عبد العزيز التويجري بحثه بعنوان : (مشاكل اللغة العربية : عودٌ على بدء)، بالتأكيد على وجوب اعتماد المنهج المحكم المنسجم المتناسق الذي يتعيّن أن نعتمده للنهوض باللغة العربية نهوضًا فعليًا وليس افتراضيًا، ولردّ الاعتبار لها بصفتها الحاملة لهوية الأمة الحافظة لتراثها. ثم خلص إلى القول إن نقطة الانطلاق إلى ذلك كله، هي إيجاد المناخ العام الملائم للإصلاح اللغوي، ولحلّ المشاكل القائمة، وهو ما لا يتم إلا بإرادة قوية مصممة على العمل، وعلى شتى المستويات، من أجل لغة عربية متجددة ومتفاعلة مع العصر وأداة للبناء والنماء على قاعدة الولاء للثوابت الراسخة، والانتماء للأمة الواحدة.