"الانتخابات والغرباء" يغضبان "نقابة موخاريق" من جلسات حوار وزارة التربية    مساعدات إنسانية لدواوير في جرسيف    من بينهم إذاعة إلياس العماري.. الهاكا تجدد تراخيص أربع إذاعات خاصة    الملك يعين الأعضاء الجدد باللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    ضبط شخص متورط في الذبيحة السرية بطنجة وحجز أكثر من 100 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة    شاب ثلاثيني ينهي حياته في ظروف مأساوية بطنجة    "القسام" تنشر أسماء 4 مجندات إسرائيليات ستفرج عنهن السبت ضمن اتفاق وقف إطلاق النار    بوتين يقول إنه مستعد للتفاوض مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا    السكوري: برنامج "وفيرة" نموذج للإندماج والتنقل المهني الدائري    إعلان نوايا مشترك بين المغرب والبرتغال لتعزيز العدالة في إطار كأس العالم 2030    أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!    التعاون المغربي الموريتاني يُطلق تهديدات ميليشيات البوليساريو لنواكشوط    ترامب يطلق أكبر عملية طرد جماعي للمهاجرين غير النظاميين    توقيع عقد مع شركة ألمانية لدراسة مشروع النفق القاري بين طنجة وطريفة    كرسي الآداب والفنون الإفريقية يحتفي بسرديات "إفا" في أكاديمية المملكة    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    الدرك الملكي يحجز طن من الحشيش نواحي اقليم الحسيمة    على خلفية مساعي ترامب لزيادة حجم الإنتاج...تراجع أسعار النفط    دوامة    معرض فني جماعي «متحدون في تنوعنا» بالدار البيضاء    الفنانة المغربية زهراء درير تستعد لإطلاق أغنية « جاني خبر »    رواية "المغاربة".. نفسانيات مُركبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    الذكاء الاصطناعي.. (ميتا) تعتزم استثمار 65 مليار دولار خلال 2025    محاكمة بعيوي في قضية "إسكوبار" تكشف جوانب مثيرة من الصراع الأسري لرئيس جهة الشرق السابق    ترامب يرفع السرية عن ملفات اغتيالات كينيدي ولوثر كينغ    مهدي بنسعيد يشيد بحصيلة الحكومة ويدعو لتعزيز التواصل لإبراز المنجزات    الصيد البحري : تسليم 415 محركا لقوارب تقليدية لتحسين الإنتاجية والسلامة البحرية    تركيا..طفلان يتناولان حبوب منع الحمل بالخطأ وهذا ما حدث!    إضراب عام يشل حركة جماعات الناظور ليوم كامل احتجاجا على تغييب الحوار    العطلة المدرسية تبدأ مع طقس مستقر    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة والمعهد المتخصص في الفندقة والسياحة بالحوزية يحتفيان بالسنة الأمازيغية    السلطات البلجيكية تحبط محاولة استهداف مسجد في مولنبيك خلال صلاة الجمعة    اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس: خطوة أولى نحو السلام أم محطة مؤقتة في طريق الصراع؟    تراجع التلقيح ضد "بوحمرون" إلى 60%.. وزارة الصحة في مرمى الانتقادات    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    نادي أحد كورت لكرة السلة يحتج على قرار توزيع الفرق في البطولة الجهوية    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتاب للدكتور عبد القادر الفاسي الفهري..مشروع المجتمع الديمقراطي العصري رهين بإدارة موفقة للشأن اللغوي في المغرب
نشر في التجديد يوم 27 - 01 - 2011

صدر حديثا عن دار الكتاب الجديد المتحدة كتاب للدكتور عبد القادر الفاسي يتناول فيه بالرصد والتحليل أزمة اللغة العربية في المغرب، ويشرح الوضع اللغوي في المغرب واختلالات التعددية فيه، ويركز على مركزية حضور الأجنبي واستحكامه في المسألة اللغوية، وافتقاد الذات القدرة على تجسيد الهوية والانتماء بعد فصل اللغة "الفصيحة عن الدارجة، والمازيغية عن الدارجة أو العربية'' وبعد فصل كل ذلك عن '' الفرنسية وغيرها من اللغات".
واقع يصفه عبد القادر الفاسي منذ البداية بالاهتجار أو الاستلاب أو الاغتراب في لغة الآخر وثقافته، ويرجع سببه الرئيس إلى ''استلاب نخبة النفوذ الثقافي والجمعوي والاقتصادي والسياسي، وكذلك مركنتيلية هذه الفئات'' بحكم ما بين '' المال والاقتصاد والسياسية اللغوية من علاقة لصيقة يعرفها أهل الرصد والنظر على حد تعبير الفاسي.
يقر الدكتور الفاسي منذ البدء بواقع التعدد اللغوي، وأنه موجود في كل مناطق العالم، ويقر أيضا بحصول تحول كبير في عالم الاتصال ووسائط الصورة، لم يترك لنا خيارا إلا التعامل مع الغير. لكن هذا التحول في نظر الفاسي لا يبرر تغيير البيئة والهوية لملاقاة بيئة الآخر وتقمص هويته. ويستشهد الفاسي بالتجارب النهضوية العالمية عبر التاريخ، بما في ذلك التجربة الحضارية العربية الإسلامية، للتأكيد على أن ''أي نهضة فكرية وعلمية وسياسية واقتصادية واكبتتها ضرورة حركة ترجمة توسع نطاقها على مدى قرون'' قامت بدور توطين العلم والمعرفة من خلال اللغة الأم. ويزيد الفاسي من تأكيد دور الترجمة ووظيفتها، ويعتبر أن تملك اللغات الأجنبية لا يمكن أن يكون بديلا عن دور الترجمة في التجسير بين اللغات والثقافات وفي التفاعل الثقافي. ويرى الفاسي أن ''الوعي بإلحاحية الترجمة مقرون بالوعي بالمشروع الثقافي التفاعلي الشامل والمتكامل الذي يرومه، والذي يتضح يوما بعد يوم أنه مصدر المشاكل التي تعوق تقدمنا، وحقنا في الرقي والأنوار، بل وحقنا في الوجود''
أزمة اللغة العربية من خلال اختلال وضعها
يميز الفاسي بين ثلاث مستويات لاختلال وضع اللغة العربية في المغرب، مستوى لغة التعليم وتعليم اللغة، ومستوى وضع اللغة العربية في الحياة العامة، ومستوى المؤسسات.
فعلى المستوى الأول: يصف الفاسي وضع اللغة العربية في المنظومة التربوية بأنه مزر رغم اختيار التعريب. ويرى أن التعريب خ رغم ما عانى من تسرع وارتجال وما أحدثه من اختلال - فإنه ساهم في تقوية عناصر البينية اللغوية بالمغرب كما مكن من تقوية كفاية الاستقلال الذاتي عند المغربي اتجاه المشرق والمغرب على السواء. غير أن خيار التعريب- بحسب المؤلف- لم يقترن بإتقان المتعلم للغة العربية وتنمية قدراته المعرفية والتواصلية بما يكفي، واقترن في المقابل بضعف في تكوين المدرسين وغياب مخططات ناجعة للتكوين المستمر، مما جعل حصيلته غير مرضية لاسيما وأن مسار التعريب لم يتعد التعليم الثانوي إلى الجامعي مما تسبب في إنتاج مصاعب تتعلق باندماج التلميذ المكون باللغة العربية في الشعب العلمية والتقنية والمهنية بالتعليم العالي، ثم ما صاحب التعريب من سياسة تعليمية تضعف آفاق خريجي الشعب المعربة الذين لا تتوفر لهم إلا حظوظ هزيلة في الحصول على عمل في مقاولات القطاع الخاص. ويجمل الفاسي أعطاب اللغة العربية ضمن هذا المستوى في خمس اختلالات رئيسة:
1 ضعف إتقان اللغة العربية لدى المتعلم وضعف نوعية تعليمها وضعف الوسائط الموظفة في الأنشطة التربوية المرتبطة بها مما يؤدي إلى ضعف اكتساب المهارات والمعارف وضعف مردودية التعليم بصفة أعم.
2 تعثر المتعلم في المراحل الأولى من التمدرس بسبب صعوبة الانتقال من لغة البيت (الدارجة أو المازيغية) إلى اللغة العربية الفصيحة.
3 عدم توفر المدرس اللائق للغة العربية الملم بالجديد من طرق التعلم والتعليم الجذابة.
4 عدم توفر الكتاب المدرسي والوسائط التربوية الملائمة.
أما على المستوى الثاني المتعلق بأعطاب وضع اللغة العربية في الحياة العامة، فيحملها الفاسي في أربعة اختلالات أساسية:
1 ضعف وظيفيات اللغة الوطنية الرسمية في الاستعمال نتيجة المواقف السلبية منها، وهيمنة اللغات ذات القوة الاقتصادية والإنتاجية، ووجود فجوة بين لغة المدرسة ولغة التواصل اليومي في الحياة.
2 هيمنة اللغة الأجنبية كلغة عمل وتواصل في الاقتصاد وفي جل المعاملات الإدارية.
3 المواقف السلبية لكثير من المشغلين من المكون باللغة العربية وإضعاف حظوظه في للشغل والرفاه.
4 ضعف لغة الإعلام والإدارة وشيوع الخطاء اللغوية فيها وعدم استقرار المصطلح.
أما على المستوى الثالث، فيرى الفاسي أنه خلافا لما عليه الحال في كثير من البلدان العربية، فإن المغرب يعاني من عدم وجود مؤسسة ذات سلطة مرجعية عالية ترعاها السلطة العليا في البلاد تبت بصفة رسمية وجماعية في سلامة اللغة العربية وإمكانات تطورها وتقرر التوجهات العامة لتعليمها والتعلم بها وتعزيزها في الحياة العامة واقتراح التشريعات اللسانية الضرورية. كما تبرز على هذا المستوى اختلالات أخرى ترتبط بعدم توفر الإطار القانوني الملائم للعناية بالطاقات الوطنية ذات الجودة والامتياز وتحفيزها معنويا وماديا للتفرغ للبحث العلمي والعمل من أجل النهوض بالمشروع التعليمي والثقافي والعلمي بلغة وطنية رسمية متجددة وفاعلة، وعدم توفر مراكز بحث فاعلة تقوم بدور تحقيق الجودة في إنتاج الأبحاث والأدوات الضرورية قياسا على ما يجري في مراكز البحث الدولية، ناهيك عن عدم قيام تخطيط لغوي هادف ودائم يحد من الاختلالات اللغوية الأساسية.
ولا ينسى الفاسي أن يذكر، بعد استعراضه لهذه الأعطاب على المستويات الثلاثة، بأن هذه الاختلالات لا تعني عدم القدرة على تجاوزها، وأن بداية الطريق ينبغي أن تمر ضرورة عبر التصريح الموضوعي والدقيق بوجودها، والبحث عن السبل الناجعة لإعادة تأهيل اللغة باستمرار.
أين هي أكاديمية محمد السادس للغة العربية؟
بعد استعراض هذه الأعطاب، يلح الفاسي على ضرورة قيام مؤسسة رافعة ذات جودة في شكل أكاديمية موضوعة تحت الرعاية المباشرة لجلالة الملك ومتصفة بالاعتبار المعنوي والاستقلال المالي والإداري لوضح حد لكثير من الاختلالات اللغوية والثقافية والمعرفية والتعليمية بصفة تدريجية وتراكمية.
وبعد أن يذكر الفاسي ببعض المهام والهداف التي أنيطت بأكاديمية محمد السادس للغة العربية، يقف المؤلف على المفارقة بين التشريع والواقع يعكسها اعتماد سياسية ''ازدواجية متمثلة في خطاب معلن ومدون في تشريعات يقر رسمية اللغة العربية وأولويتها، وممارسة معاكسة مدعومة تشكك في ما هو مشرع وقانوني''.
وفي التفاتة نقدية دقيقة، يرى الفاسي أن هذه السياسة التي يبدو في ظاهرها أنها تخدم اللغة الأجنبية ''المرغوب فيها'' على حساب اللغة العربية إلا أنها في الواقع لا تخدم أي لغة، لأن هذا الميز، بتعبير الفاسي، لا يخدم المتعلم أو المواطن في شيء، فالمواطن لا يستفيد من وضع غير مستقر ومشحون بالنزاعات اللغوية جاحد للحق في هوية لغوية، وللحق في الإفادة من ثقافة تحترم القانون، توائم بين القانون والواقع.
أزمة المعجم العربي العصري
ثم يستعرض الفاسي الوجه الآخر لأزمة اللغة العربية والمتمثل في الصناعة المعجمية، فبعد أن يذكر بالكفايات الثلاث الضرورية لبلورة الأهداف من وضع المعجم (الكفاية اللغوية المعجمية، والكفاية التعلمية، والكفاية الوسائطية) يرى الفاسي أنه رغم كل الجهود التي بذلتها دور النشر والمؤسسات اللغوية العربية، فإن القصور لا يزال يمثل السمة العامة للمعجم العربي العصري وإخفاقه عن القيام بهذه الوظائف.
ويعتبر الفاسي أن هذا القصور والإخفاق يعكس بالملموس أزمة المؤسسة اللغوية والخبرة اللغوية في المغرب والبلاد العربية، إذ يتطلب هذا العمل الحيوي ذي الأبعاد التربوية والحضارية والفكرية والمعرفية، في نظر المؤلف، تحقيق شرطين:
1 قيام بحث وتحليل دقيق معجمي عربي طويل النفس وبحث علمي كاف وشامل يستفيد من الدراسات اللسانية المقارنة والحاسوبية الحديثة، وكذلك ترجمة هذه البحوث الأساسية بالوسائط التقنية والعلمية المتاحة.
2 قيام المؤسسات السياسية واللغوية والثقافية بالتعاون مع مؤسسات النشر والتجارة والصناعة من أجل النهوض بهذا العمل الضخم وخلق البيئة لإنتاجه والاتفاق عليه والتنسيق بين المجهودات.
اللغة العربية رأسمال هوية وحضارة
يرى الفاسي أن اللغة العربية ليست فقط مسألة هوية وتماسك مجتمعي وتراث حضاري فحسب، وليست فقط رمز سيادة تاريخية وحضارية وتحرر من اللغات المهينة، ولكنها أيضا مسألة تنموية وفكرية واقتصادية وتنافسية راهنية، اعتبارا لكونها رافعة النمو المعرفي المبكر وأداة نقل المعرفة والمعلومات إلى عموم القوى المنتجة ولسان الإنتاج والإبداع والتواصل المعرفي، بل ولسان التنافس في مجتمع الاقتصاد.
ويرى الفاسي أن اللغة العربية تمثل أيضا لغة حقوقية قانونية، إذ من حق المواطن على الدولة أن تضمن حقوقه اللغوية وحقوق لغته وتحميها وتؤهلا، وهي أيضا مسألة ديمقراطية، للمواطن أن يختار فيها ويستفتى، وهي إلى جانب ذلك كله، مسألة سويو نفسية تمثل الاستقرار النفسي والطمأنينية والاعتزاز بالذات علاوة على اللحام المجتمعي المؤتمن على الجماعة.
ويعتبر الفاسي أن مشروع المجتمع الديمقراطي العصري لا يمكن أن يتم من غير إدارة موفقة لشؤون اللغة في المغرب تأخذ بعين الاعتبار أهمية اللغة العربية في خدمة متكلميها.
وبناء على هذه الاعتبارات، يرى الفاسي أن اللغة العربية الرسمية يجب أن تتاح لها حقوقها وفرصها، كما أن من حقها ألا تعاني من الحملة الدعائية المستمرة والمتعددة التي تهدف إلى إضعاف فرص تأهيلها ونبذها تدريجيا.
ويعيد الفاسي التأكيد على أن الحملة العدائية ضد اللغة العربية تذكيها وتغذيها نخبة نفوذ لا تعير اللغة الرسمية حقوقها وفرصها، ولا تريد أن تفيد من فرص التعدد اللغوي المتزن، المقترن بإتقان اللغات الأجنبية، بل تسعى إلى محاولة إخلال اللغة الأجنبية نحل اللغة الرسمية وتوظيف الأحادية الأجنبية للاحتكار والميز وسلب لغة الهوية إمكانات تحديث متنها ووظائفها.
ويخلص الفاسي إلى أن الإدارة الجيدة للشأن اللغوي في المغرب تتطلب قرار سياسيا واضحا يترجم في خطط وتشريعات تؤول إلى النهوض باللغة العربية.
ويستعرض عبد القادر الفاسي اثني عشر موطن قوة للغة العربية تجعلها قادرة على الوفاء بالأهداف اللغوية والتواصلية والثقافية والتنموية:
1 القوة الرمزية، فهي اللغة الرمزية والقدسية لما يقرب من مليار وربع من المسلمين، وتكتسب هذه الرمزية والقدسية من كون القرآن نزل بها.
2 القوة العددية: فما يقرب من 300 مليون يتكلمون باللغة العربية في الوطن العربي ناهيك عن من ينطق بها في المناطق الأخرى من العالم الإسلامي وغيره.
3 رسمية اللغة: فهي اللغة الرسمية لاثنتين وعشرين دولة عربية، إذ تأتي في المرتبة الثانية بعد اللغة الإنجليزية (48 دولة).
4 لغة المؤسسات الدولية الإقليمية، إد توجد ضمن إخدى ست لغات رسمية تعتمدها المؤسسات الدولية بما فيها منظمة الأمم المتحدة.
5 لغة بينية وحيدة: فهي تمثل اللغة البينية الوحيدة التي تمكن من التواصل الشامل في كافة الأقطار العربية. فالأمة العربية ليست وحدة دينية وإن كان الغالب عليها الإسلام، لوجود ديانات مسيحية ويهودية وغيرها، وليست وحدة عرقفية ولا وحدة اقتصادية أو سياسية أو أمنية، بل هي وحدة لغوية قبل كل شيء.
6 لغة التعليم والتعلم في العالم العربي بل حتى في بعض بلدان العالم الإسلامي.
7 لغة التكامل الاقتصادي والسياسي الحتميين.
8 لغة النجاعة العلمية والثقافية والإنسانية الكونية تاريخا ومستقبلا.
9 لغة الإعلام النافذة.
10 لغة شبكة الملعومات والتقانة المعلوماتية.
11 لغة الحق والقانون والأمن اللغوي ، فالدساتير التي تمثل أسمى النصوص القانونية تنص على رسميتها (الوحيدة في غالبية البلدان).
12 أقوى لغة سامية.
وبعد استعراضه لمواطن قوة اللغة العربية، وقف الفاسي في المقابل على بعض مواطن الضعف الفني في اللغة العربية والمتمثلة في الحاجة إلى معاجم عصرية ومتنوعة المواد والأهداف والأساليب، والحاجة إلى كتب قواعد عصرية، وغياب الشكل، والتعليم أو التعلم غير الجذاب،نقص في الترجمة والتأليف باللغة العربية، بالإضافة إلى نقص واضطراب في المصطلح.
ضعف المؤسسة اللغوية وضعف الإنفاق عليها
يشير عبد القادر الفاسي إلى أن البلدان العربية أقامت عددا من المجامع والمراكز والمعاهد وأناطت بها مهمة النهوض باللغة العربية إلا أنها لم تستطيع أن نقوم بمهامها على الشكل الأنسب نتيجة الضعف الحاصل على مستوى مواردها البشرية والإمكانات المالية المرصودة لها.
ويرجع الفاسي سبب الإخفاق في عدم وجود إرادة سياسية كافية، وعدم تمثل الساسة للاختلالات اللغوية وكلفتها التعليمية والاقتصادية والتنموية إعطائها مت تستحقه من عناية.
ويرى الفاسي أن الأمر غير مقصور فقط على الساسة، بل حتى داخل المجتمع، لم تقم جمعيات وهيئات بدور حماية لغتها من هيمنة اللغات الأخرى ومقاضاة من يعتدي عليها. ومع إقراره بوجود بعض الجهود الأولى في هذا الاتجاه في العالم العربي إلا أن المؤلف يعتبرها نادرة وغير مدعومة من قبل السلطة.
ويعزو الفاسي ضعف المؤسسة اللغوية والتباطؤ في المأسسة إلى هيمنة اللغة الأجنبية، وما أسماه ''إتاحة الفرصة لانتشار العداء للغة العربية والمواقف السلبية من استعمالها في مجالات حيوية متعددة''. ويرى أن التحامل على اللغة العربية يعود تاريخيا إلى فكر الاحتلال ومواقف عدد من الباحثين الأجانب الذي ربطوا اللغة العربية بالتخلف وعدوا في المقابل لغتهم لغة العلم والتقدم، فدعوا إلى قرن العامية بالحياة، واللغة العربية الفصيحة بالضعف والموت.
وبعد أن يؤكد على نجاعة ومعقولية سياسة التعدد اللغوي، يعتبر الفاسي أنه لا يمكن الاستعاضة عنها بسياسات لغوية احتكارية تفيد منها نخب معينة بدعوى أنها المدافعة عن اللغة الأجنبية وثقافتها وقيمها. ويرى الفاسي أن هذه الاحتكارية تتنافي طبعا ومبدأ قيام لغة وطنية قوية ومدعومة باللغات الأجنبية تنفي الميز اللغوي وتضمن تكافؤ الفرص في الإفادة من الأدوات اللغوية، وتعمم الحقوق والواجبات اللغوية على جميع الفئات.
وضمن هذا السياق، يستعرض الفاسي خمس اختلالات أساسية تعرفها الاختيارات السياسية في المسألة اللغوية، تتمثل في مسؤولية الدولة ومسؤولية المجتمع ومسؤولية النخب في تأهيل اللغة العربية، والفصل الواضح في مسألة ألا بديل للغة العربية لغة وطنية ورسمية للبلاد لا في اللغات الأجنبية ولا في العاميات، ووضع حد للسياسات المزدوجة القائمة على سياسة صريحة رسمية معلنة على مستوى التشريعات، وسياسة ممارسة في الواقع لا تدعم اللغة الرسمية، وضرورة الوعي بأن اللغة العربية في تنوعاتها ومستوياتها الفصيحة والوسيطة والدارجة هي كل يمثل الهوية اللغوية للمواطن المغربي ولغته الأم والكف عن تعميق الفجوة بين الفصيح والعامي بغية تبني سياسة تلهيجية تخلق ازدواجية مضعفة للغة الرسمية، وضرورة تنمية اللغة العربية في ارتباط بالتنمية الاقتصادية وتنمية مجتمع المعرفة.
الترجمة كحل لإشكال التذبذب إزاء التعدد اللغوي
يستحضر الفاسي العديد من التجارب التي مرت بها الإنسانية والتي تؤكد على أن دور الترجمة كحل لإشكال التذبذب في المواقف تجاه التعدد اللغوي والثقافي الداخلي والخارجي،يسوق في هذا الإطار كلا من التجربة العربية الإسلامية التي نجحت في توطين المعارف والعلوم دون تحويل اللغات الأجنبية إلى لغات تدريس، والتجربة اليابانية التي قدمت المثال الناصع لنجاح الترجمة في تحويل ثقافة أمة ومصيرها عبر مراحل متباينة، وعبر التثاقف الذي يحافظ على الهوية ويطورها دون الرحلة إلى لغة الغير، والتجربة الإسبانية التي تمثل في نظر الكاتب نموذجا للتخطيط اللغوي عبر الترجمة.
في أولوية الأمن اللغوي
يخلص الفاسي في كتابه إلى أن الانشغال بالاقتصاد والسياسة والقانون والمن لا ينبغي أن يتناسى اللغة وأمنها باعتبارها رافعة اقتصادية وتنموية علاوة على كونها وعاء ثقافيا للخصوصيات الفاعلة.
ويرى الفاسي أن اللغة العربية أضحت اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى، وأن خصومها أرادوا لها الإضعاف والموت البطيء، وأنه لذلك، أصبحت الحاجة محلة ليس إلى لغة عربية عصرية فحسب، بل إلى تدبير عصري للتخطيط اللغوي، فاللغة خ حسب الفاسي خ قد تكون عصرية علمية، عالمية حية، فيقتلها التدبير الضعيف لشؤونها، وقد تكون ميتة فيحييها من يحسن التخطيط للإحياء اللغوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.