تزهر النفوس بالحكايا وتنبت على جنبات الروح ما هو اقوى من الذكرى. بيدا ان الدروب تبقى مرهونة بما هو اكبر من امتداد الافق وعبث القدر، حتى نترجى فرصا لا تبدو ظاهرة او سانحة في هذا الخريف الذي ابتعد كثيرا عن ضحكات كانت لا تعرف الوجع او القلق، ابان كانت الاحلام ما تزال وردية والعمر مديدا ومكدس بالاماني الطيعة، بينذاك كان الغد رقراقا كجدول سائب لا تكدره الدموع ولا تغلف دروبه الا المودة ودفئ الاحلام حتى يكون اقرب ما يكون الى سماء شمسها ليست مستورة بسحب قاتمة، فالاحلام واضحة والغد فاتحا ذراعيه بكل المحبة التي تسكن القلب من غير سوء البطالة في الحب او العمل. نغادر مقاعد الدراسة والامل بالوظيفة يحدونا بانه سيأتي بسرعة الرعد بعد البرق حتى يمر الوقت بطيئا بعد التخرج وتخاله جامدا كالثلج. الخريج لا يدخر وسيلة الا ويجربها من اجل وظيفة تليق بمشوار الدراسة المليء بالتعب والسهر، اما بارسال الطلبات الى اصحاب العمل او غيرها من الاساليب المتاحة التي تمكنه من تطوير نفسه الى الافضل. كل هذا عاديا ومتبع عند معظم الخريجين، غير العادي هو: ما اخبرتني به صديقتي حتى لم استطع ان اخفي دهشتي عنها وكأنها نقلت الي عدوى الدهشة التي كانت تصيبها بخصوص المكالمة التلفونية الغريبة من احدهم: يخبرها فيها انه يتصل معها بناء على السيرة الذاتية التي ارسلت بها اليهم، صديقتي تابعت معه وعلى بالها خاطر ان وقت طويل قد مرّ على اخر مرة راسلت فيها احدى المؤسسات لطلب وظيفة ولكنها استمرت والامل يحدوها بالحصول على وظيفة حتى انها لم تستطع ان تخفي اسارير الفرح على ملامح وجهها وصوتها يستقبل بعض الامل من خلال هذا الاتصال الذي يدلل على قبول اولي بوظيفة لم تكن منتظرة، تخبرني صديقتي ان بداية المكالمة كان حول تفاصيل عادية ومتوقعة مثل قيمة الراتب او مسمى الوظيفة المطلوب الى ان سار الحديث بها، فتصمت قليلا قبل ان تتابع معي بعض التفاصيل التي لم تكن عادية، اذ لم يكن يخطر على بالها او حتى على بالي وهي تقص علي ما حصل معها وهي تتسائل ما علاقة التناسق بين طولها ووزنها، وفي حال كانت محجبة، هل لباسها ملتزم، وهل ترى بنفسها امرأة ذات انوثة طاغية، تقول: أي وظيفة تلك! التي تسأل عن قوام وليس عن شهادة، تخبرني انها طوال وقت اجراء المكالمة وهي تضحك ساخرة، وان من يدعي انه صاحب العمل كان ينتقد سلوكها اذ كان عليها ان تأخذ الامور بجدية اكثر، خاصة وان الراتب الموعود عالي، تقول انها كانت تجيب باقتضاب واستنكار، الى ان انهت المكالمة حين وصلت الامور الى اسئلة في غاية الحساسية، حتى تنتهي فرحتها التي لم تكد تتغلغل بنفسها عميقا، فيتحول حلم الوظيفة الى كابوس اغلقت على اثره الهاتف لتنأى بنفسها عن سماع تفاصيل لا تشبه الا المعاكسات الفاشلة التي ما عادت الا في تفكير العاجزين. صديقتي تقول بأتها انهت المكالمة وهي في غاية الانشغال على اخريات قد يستغلوا ويذهبن الى الهاوية لانها لا تريد ان تقول بأنهن سيذهبن الى الدعارة باسم الوظيفة، بدافع الحاجة والملل. الامنية الحقيقية ونحن نعبر الى العام الجديد ان ينظر الى المرأة كونها كيان حقيقي يحمل عقل وفكر وثقافة وليس مجرد غانية وكأنها لا زالت تحيا امتياز عصر الف ليلة وليلة.