لعل أمنيته تحققت ..وهل ما بعد أمنية "المدير" أمنية أخرى أجل وأعظم !! الكثيرون يتمنون وظائف أقل بكثير من وظيفة "المدير" .. أما هو فقد احس أن مفاتيح الدنيا كلها ، قد منحت له ليرتع وينعم كيفما شاء وأنى شاء.. أموال طائلة ستدر عليه من خزينة الدولة ، لم يكن يحسب لها حسابا .. أناس كثيرون سينحنون له إجلالا وإكبارا ، في ذهابه وإيابه ، في غدوه ورواحه... أهلا بالسيد المدير .. مرحبا بالسيد المدير .. !! سيغير من حاله رأسا على عقب .. سيرتدي أفخر الثياب وأغلاها ثمنا.. سيدخن أغلى السجائر ، حتى يزداد مهابة ووقارا بين الناس .. أما السيارة فيترك الاختيار لأصدقائه العارفين بنوع السيارت الفارهة .. سيتدرب منذ الآن أن يحسن من مشيته حتى تتلاءم ومشية المدير .. أما رأسه المطأطأ دوما من كثرة ماعانى أيام العسر فسيرفعه عاليا حتى يعطي لسمعة "المدير" وهيبته ما تستحق . .. أما حليلته ، فستزداد فتنة بين النساء من كثرة ما سيغدق عليها من الذهب والألبسة الحريرية .. ستغادر حليلته أحلامها البالية ، إلى أحلام وردية تتحقق على أرض الواقع بفعل الجاه والثروة .. كم ستتحسر صديقاتها ويعضضن على أناملهن من الغيظ والحسد والكمد !! حين سيلمحن ما تغير من حياتها جذريا .. آه لو كان كل أزوجهن مدراء !! يا ألله ما أسعد زوجة المدير !! ذهب إلى عمله باكرا على غير عادته وهو جذلان من الفرح الغامر . "مبارك ومسعود السي المير " .. "فرحنا ليك بزاف".. " تستاهل..." تلقى التهاني بقلب طافح بالأمل .. فليذهب ماضيه الأسيف .. ولينس ما كابده في الفصل الدراسي مدة لايستهان بها من الزمن .. سيحقق مستقبلا زاهرا لنفسه وأمته .. لكن سعادته الحقيقية لن تكتمل إلا حين يتلقى تعويضاته الإدارية ، خلال سنة أو سنتين وربما أكثر.. أما الآن فليمثل دوره بإتقان إلى حين الفرج.. سينفذ التعليمات بشكل آلي ، حتى يحظى لدى رؤسائه بالسمعة الطيبة .. ما من مذكرة إلا وسيحفظ رقمها عن ظهر قلب ، سيحصي كل شيء ويعده عدا ، من البشر إلى الحجر ، من تلاميذ ، وموظفين ، وأعوان ، وممتلكات وحجرات ، ومراحيض .. سيجعل من نفسه نموذجا يحتدى به في تتبع دقائق الأمور ، وأدق التفاصيل .. سيصير مضرب الأمثال في الإحصاء والعد.. ولكن مابال هذه التعويضات الإدارية تأخرت !!. سحقا لوضعيته الحالية !!.أما آن الآوان لتحقيق الأحلام !! ولكن صبرا يا مدير صبرا .. فالسيارة تنتظرك طال الأمد أو قصر .. واصبري ياخليلتي صبرا جميلا !! فعما قريب ستعض صويحباتك على أناملهن من الغيظ .. أما أنت أيتها الأثواب فتماسكي ولا تنخرقي حتى يأتي الله بأمره.. ولأحافظ على الحداء من التآكل إلى حين .. ولكن مابال الهيبة تلاشت !! وأين الانحناء والإجلال والتقدير من الناس ؟ ولماذا لا تطن كلمة "المدير" في آدان الناس طنا ، ليركعوا لها قليلا ؟ سحقا للوضعية الحالية سحقا !! ما أكثر الأوراق وأقل الأرزاق !! الأرشيف يتكاثر والتعليمات لاتنتهي .. ولباس المدير يعاد تصبينه مرارا حتى بهت معظمه .. أما الحذاء فلن يستطيع صبرا إلى حين قدوم السيارة الفارهة من كثرة الذهاب والإياب ، والصعود والهبوط .. والزوجة سئمت من الوعود العرقوبية حتى داخلها الشك في جلال الوظيفة وهيبتها .. والديون تراكمت حتى تقزمت هيبة " المدير" في نظر البقالة ، وبائعي الخضر واللحوم ، وبائعي الألبسة والآواني .. تماسكوا كلكم فالفرج آت عما قريب .. وسأغدق عليكم من نعمي وخيراتي ما به تفرحون .. تعرف " المديرالجديد " على مديرين زملاء .. غير أن ما أثار دهشته ، أن حياة اغلبهم لم تنقلب راسا على عقب .. ظن في قرارات نفسه أن أغلبهم ما زالوا لم يعوضوا مثله .. ولكن فيهم من هو أقدم منه بسنوات طوال .. ربما اعتقد أنهم أقاموا مشاريع في مدنهم الأصلية ، أو خارج البلد .. هل يسأل أحدهم عن مقدار هذه التعويضات الإدارية حتى يعد لها العدة ؟؟ إلا أنه أحجم عن ذلك ، مخافة الاستهانة به ، أو ر بما يظن بعضهم أنه يوحي لهم بالاستيدان والسلف .. فليأتفف وليتعفف .. هو الآن "مدير" وعليه أن يبدو أمام الأصدقاء والآعداء على حد سواء جديرا بهذا اللقب. [email protected]