بينما كنت مع أمي ننتظر دورنا في العيادة الطبية الخاصة، تناولت صحيفة يومية تبديدا مني لملل الانتظار وأخذت اقرأ فيها، فكان الخبر الذي يكاد يتكرر وكأنه أصبح حالة عادية عن قتل شقيق لشقيقته بدافع غسيل الشرف، والتفاصيل لا تختلف عن سابقتها، في كل مرة الشقيق الأصغر والأقل تعليما هو من يتبرع بالدفاع عن شرف العائلة. ولم اتمالك نفسي وبدأت أتمتم بكلمات ظهرت تصطرخ ملامحها على وجهي، فظاهرة جرائم غسيل الشرف إلى ازدياد في الأردن عاما بعد عام. وكأنني كنت على موعد مع صبية كانت تجلس بجواري وبرفقتها شقيقتها، وكنت في حالة صدمة وأنا أرى الصبية التي بجانبي تبكي بصمت، فقلت بنفسي لا يهم حالي الأهم تلك الصغيرة وحالها وقبل أن أبادرها بالسؤال فهمت منها إنها تعاني من الأمراض منذ نكبت بصديقتها الصدوق على يد شقيقها، فصرخت فيها ماذا تقولين؟ قالت إن صديقتها انتهت حياتها نتيجة عدد من المكالمات التلفونية من تلفونها المحمول، وأخبرتني أن صديقتها المجني عليها لم تكمل تعليمها الأساسي وأنها كانت مثال الأدب والخجل. وانتهى اللقاء بيننا وأنا ارثي حال تلك الصبية التي ما فتئت تتأرجح بين دكتور وآخر والعلة تكاد تكون معروفة، النفسية منهكة. فهل بات الأمل عسيرا حتى في نفوس الشباب ومن هم في عمر الورد؟ أين ذهبت الحكمة والتربية ورعاية الأم وحنانها؟ أين هي الأمانة والمسؤولية التي حملها الله للآباء لرعاية أبناءهم؟ وبأي ذنب قتلت تلك الفتاة التي وصلت لعمر السادسة عشر بصعوبة؟ لا أنسى سيدة تسكن بالقرب من بيت جدي نكبت بحادثة غسيل شرف ولكن من نوع آخر، فالشقيق هو الذي قتل شقيقه لأنه تحرش بالشقيقة الصغرى التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، مع إن ذلك الشاب الجاني وبحسب تقرير الطب الشرعي ما زال يتمتع ببراءة الطفولة. ولهذه العائلة طريقة مبتكرة للتخفيف عن ضميرها المثقل بالهموم، بعد أن تكشف لها سوء ما صنعت، أصبحت تعمل يوم لله من كل أسبوع تستضيف فيه سيدة لقراءة دروس بالدين، وبالرغم من كل ذلك لا تنفك النساء بالحي إلا ويتلاومون عليها بالعبارات الجارحة كونها برأيهم غير جديرة بالرعاية الإلهية بما صنعت بنفسها وبفلذة كبدها. توصف جرائم الشرف بأنها جريمة قتل تُرتكب ضد فتاة أو امرأة متهمه بتلطيخ سمعة العائلة، ولكن أين هي هذه السمعة التي تتلطخ؟ ألا يسمى ارتكاب مثل هذه الجريمة تلطيخ حقيقي للسمعة وعار حتى نهاية العمر على الأسرة التي ترتكب مثل هذا الذنب؟ ألا تعتبر هذه العقوبات تعديا على حدود الله؟ ألا تعتبر شهرة الأردن بقضايا الشرف تناقضا وهو البلد الذي يعتبر الأكثر حرية في الشرق الأوسط، حيث تتمتع النساء فيه بحق الانتخاب والتمثيل البرلماني والوظائف المرموقة؟ ألا نستطيع نستصرخ مجلس النواب للخروج بتعديل حقيقي على بعض المواد في قانون العقوبات كالمادتين، 440 و 98 والتي تُعاقب من تثبت إدانتهم بأحكام مخففة، متذرعة بصورة الغضب التي انتابت الجاني عند الشروع بالجريمة. آن الأوان أن نعلق الجرس في وجه من يرون بأن تعديل القوانين التي تمنح الأعذار بالقتل بأنها ليست مجرد دعوات غربية، ولا هي استقواء بالمؤسسات الدولية، بل هي في صميم استقرارنا وأماننا، وفي صميم واجبنا الإنساني المتمثل في إنقاذ العذارى من السوق إلى الموت. فإلى متى يستمر مثل هذا المسلسل الإرهابي الذي لا يبشر إلا بحالة متردية من التقهقر إلى الخلف؟؟