من حق كل إنسان أن يبدي رأيه في شخصيّة مثل سميّة الغنوشي ارتأت أن تطرح نفسها في الفضاءات العامّة وتتناول الشأن العامّ وسمحت لقلمها أن يتحرك باتجاه الآخرين ويحاول التأثير في الأحداث وتوجيهها والتصدّي لأحداث أخرى وعرقلتها أو الحدّ من فاعليتها، وإذا ما كان الغنوشي الأب بثقله الديني والفكري والسياسي تحت ذمّة النقد والمراجعة، وإذا ما كان وزير الخارجيّة رفيق عبد السلام الزوج بعمقه الفكري وبمنصبه كوزير سيادة يعتبر وجبة دسمة للأقلام الناقدة الباحثة عن التصويب والترشيد فإنّه من باب أولى أن تكون السيّدة سميّة وقد اقتحمت الشأن العامّ على استعداد لقبول المغالبات الفكريّة والسياسيّة وإن أوجعتها، إلى هنا يبدو الأمر عاديّا فهذه الأسماء هي فواصل في مسيرة بلادنا سيطويها الزمن وتصبح في ذمّة التاريخ ويبقى أثرها شاهدا لها أو عليها، والأمر بديهي إذا ما تداول الناس أنّ سيّدة انتقدت أو حتى تهجّمت على سميّة الغنوشي عبر المواقع الاجتماعية، بل أكثر من بديهي لأنّ التدافع جزء من حالة ألاستقرار فما بالك ونحن في حالة الانتقال التي غالبا ما يرتقي فيها التدافع إلى مستوياته القصوى، إنّما الإشكال ينبت ويطلّ برأسه عندما نطرح السؤال المنغّص، من هي هذه السيّدة؟ أين أثرها قبل الثورة وماذا فعلت عندما كانت النار تشبّ في تونس والمطافي شحيحة، راس الأمر هل لهذه السيّدة قلم مقدام جريء يحمل حتفه في حبره، ينازل الطواغيت ولا يبيت على ضيم ، إن كان كذلك قلنا أيّها القلم تقدم بتعفف واقتحم ، دونك وآل الغنوشي وآل النهضة وآل الترويكا وآل الحكومة وأيّ الآل شئت ماعدا آل محمد ، أمّا إذا كان قلم مطيع، بريء من عرض السلطة الغاشمة، لم يمس سمعة الدكتاتوريّة بكلمة، يتصدّر مآدبهم ويزيّن محافلهم، قلم تثاءب مساء 14 جانفي وانقلب صبيحة 15 إلى وحش كاسر يعربد فوق الصفحات ألاجتماعية يتوعّد ويهدد ويسفّه ، يوزّع التزكيات على هذا ويوزع الإدانات على ذاك، فنحن إذا لسنا أمام أقلام بل أمام عُقد وأمراض نفسيّة مستفحلة وأمام مُخلّفات صدمة قويّة ناتجة عن تيتم مبكر داهم الضحيّة على حين غفلة ودون سابق إنذار. هذه السيّدة ليست إلا ألفة يوسف التي كانت تشتغل على محور النصوص الدينيّة، تبحث يومها وتنقّب ليلها عن توليفات فقهيّة صادمة وغير مألوفة تستجلب بها الأنظار، تسفّه الحجاب عندما كان يئن تحت منشور 108 وتهاجم الإسلاميّين عندما كانوا في بطون السجون ، وتستغل فراغ السّاحة أو تفريغها فتتصدر لفتاوي الفلكلور، وفي غفلة من أمرنا وجدنا أنفسنا أمام شيخة للجرح والتعديل أسقطت يحيى ابن معين وضعفت أحمد بن حنبل والثوري وبدعت ابن تيميّة واكتشفت أنّ روّاد التفسير قد غلبت عاداتهم عباداتهم، لقد أقدمت هذه السيّدة على الحقبة الممتدة من القرن الأول إلى القرن السابع هجري فنخّلتها وغربلتها وأخرجت سقيمها من صحيحها وما أفرد له الرجال أعمارها طوال عقود وضُربت له أكباد الإبل، حسمت أمره ألفة في بضع شهور عددا، ثم مرّت إلى "البروستريكا" الفقهيّة وشرّعت في تسويتها تنقد وتستبدل وتنسخ، حتى باغتتها الثورة وهي على ذلك ، وفي صباح الخامس عشر من جانفي فتشنا عنها في العصر العبّاسي، في العصر الأموي ، في عصر الصحابة ، في طبقة التابعين الأولى وفي طبقتهم الثانية، قلّبنا في ساحات الملل والنحل التمسناها حول الآيات والأحاديث التي كانت تقف أمامها بخشوغ فلم نجدها عند آيات الميراث ولا آيات الحجاب وآيات التحريم ولا أحاديث الحياء والورع، صعدنا نزلنا شرّقنا غرّبنا لا أثر.. ولما استيأسنا وعدنا لساحات الحدث واحتفالات الثورة وجدناها تتصدّر المشهد وتفصح عن قدرات ضخمة في النقد والسياسة والأحزاب والدولة، تتحدث في القمع وتتوسّع في الديمقراطية وتُبَسّط خصائص ومحاضن الدولة الشموليّة، ولم تكد الثورة تنهي يومها الأول حتى تخندقت واتخذت لها ولاية وخصوما، وازدان فراش الشبكات العنكبوتيّة وربيبتها الافتراضيّة بميلاد معارضة جديدة لكنّها مسنّة أصابتها الدكتاتوريّة بعنوسة طويلة وفرّجت الثورة كربتها فانطلق قلمها ينهش كل "اللي ماتوا فى المعارك ..واللي حضر واللي شارك.. واللي ساكنين الخنادق.. والماسكين على المبادئ.. " نحن أمام سيّدة تكره الأضواء حول غيرها، تريد احتكار كل الضوء لها وحدها هكذا بلا ثمن، سيّدة تكره الثبات والصمود، تكره ملاحم السجون، تكره العزيمة والجديّة، تكره سميّة وأبو سميّة وزوج سميّة وأهل سميّة ومن على شاكلة سمية ، تحبّ حليمة وأم حليمة وأبو حليمة وأخوال حليمة وأعمام حليمة وأصحاب حليمة وحلّاقة حليمة وخيّاطة حليمة، تثق في من أتى على دبابة ولا تثق في من أتى به الشعب، أغضبتها فتاة دوّنت بعض الكلمات على جدار موقعها ولم تقلقها فتيات ملكن الدولة باسرها ، لديهن أسهم في الشعب، يعتقن من يردن ويمسكن من يردن، ثمن الملابس والعطور والمساحيق يسحبنه مباشرة من البنك المركزي وبالعملة الصعبة وبقيّة متطلباتهن يتلقينه يدا بيد من إسماعيل خليل، محمد الباجي حمدة، محمد الدواس وتوفيق بكار عمال ال " Guichet " لدي السيّد الوالد. لا يمكن حصر المشكلة في كونها "نبزيات نساء"، فألفة يوسف عرفت بكرهها لجميع خصوم العهد البائد بعد وقبل الثورة، ولا ننسَ أنّها كانت قد حرّكت قضيّة ضدّ مغني الراب محمد الجندوبي "بسيكو آم" على خلفيّة أغنية لم توافق هواها واعتبرتها خارجة عن سياق الفنّ النبيل، وإن كانت الدكتاتوريّة لا تحتاج عادة إلى حشد الأسباب حتى تنفذ أجندتها إلا أنّها كانت تستحسن وجود تعلّات للإيقاف والسجن في محاور الثقافة والإعلام والفنّ، لمى تحظى به هذه القطاعات من وصاية وحماية غربيّة مشروطة، وبما أنّه لكل شيء سبب فقد تطوّعت السيّدة ألفة وجعلت من نفسها الكعكة السبب وتأهلت لتكون علّة أو تعلّة لجهاز قمع غاضب يريد تأديب شاب يبدو أنّه انخرط بشكل خاطئ في عام اقترحه الجنرال على أصدقائه الزعماء العرب أن يكون سنّة للشباب فشاءت الأقدار أن يثور عليه الشباب في سنة الشباب، بسيكو آم وبعض نظرائه شذّوا في فهمهم فشرعوا يقرعون طبول الحرب وينشدون التغيير عوض أن يشرعوا مع حاشية الحشو في قرع طبول الفرح ومناشدة صانع التغيير بالترشح ل 2014 ومن هناك إلى "الخلود"، ولا غرابة في أن "تنخص" السيّدة ألفة بوليس الطاغية و"تغمز" قضاء الدكتاتور فيختفي الفنان من على مسارح الإبداع ويندسّ في أحياء العاصمة الفقيرة ليحتمي فيها من مطاردات الأجهزة المختصّة، فالفنّ مقدّس والفنانون محصّنون طالما يجري فنّهم في قنوات الرئيس الدعي وحلفائه، أمّا إذا تملّص الفنّ من الاحتكار وتنحى بعيدا عن ثقافة"الشِيْخَاتْ والشَّيْخات" وذهب يخالط الحرمان والظلم والقهر ثم ألقى بنفسه إلى التهلكة وتطاول فتناول الهوية والمقدّس، هنا تكون براقش قد جنت على نفسها وحقّ لدماء الفنانين أن تسفك، وأجسادهم أن تستحل وانتهكت حرمات الفنّ وليذهب الإبداع إلى الجحيم، وليصلب هكذا فنانين أمام المسرح البلدي نكالا بما اقترفه فنّهم المتمرد. لقد دأبت هذه السيّدة ورفيقاتها ورفاقها على خلط الأوراق وقلب المفاهيم والعبث بالمُثل الساميّة والغمز في النضال وطمس المشرق وتسفيه الإنجازات والتلاعب بالوقائع.. وليتنا نخرج من هذه البوتقة الكريهة والتجاذب المُقيت وبدل التعميم والتعويم نعتمد طريقة ذكيّة وفعّالة في مقارعة الوقائع والحقائق فننتهج أسلوب السرد السياسي الذي يعتمد على بطاقة عدد 3 ونستعرض بالتفصيل الممل عقود وسنوات وأشهر وأيام ما قبل 14 جانفي، وكُلّ وصحيفته وكُلّ وبلائه خلال الربع قرن الأخير، والذي قعدت به أعماله ووضعه الخوف ، من الجبن والعار أن يرفعه لسانه الألكن. هناك ذكور "استرجلوا" بعد الدقيقة 90 وهؤلاء لا يختلف اثنان في أنّهم قد فاتهم قطار الزمن، وقطار الوطن وربما ، أقول ربما أسعفهم قطار علي عبد الله صالح، وهناك إناث "استمران" بعد سقوط الطاغية وقد كن قبله يستمرئن الذّل والهوان، ذكور وإناث يرمقون وجوها أرهقتها الزنازين والخنادق، يخرقون بأنظارهم أجساما نحيلة سقيمة تصارع هولاكو ومغوله منذ عشرين عاما، يتفرّسون، يحملقون، يسألونهم بحمق "من أنتم " ،؟ من نحن ! كيف من نحن؟ اسألوا عنّا سجون برج الرومي والهوارب وحربوب وبو شوشة و9 أفريل، اسألوا عنّا مقابر الجلاز والكراي والعين وأولاد عزيزة وقريش.. نحن الذين دَفنا شهداءنا "في الليالي السود على الشُّمَع"، نحن الذين مشت جنائزنا دون جنائز، في لحومنا تلقى طلاب مدارس الشرطة تربصاتهم، وبدمائنا يرتقي التجمّعي في سُلّمه التنظيمي، ينطلق نكرة مغمورا في لجان الأحياء يعبّ ويمتص من دمنا حتى يصبح عضو لجنة مركزيّة، كيفاش ما عرفتوناش؟ نحن الذين هُجَّرنا الى أكثر من 50 دولة حول العالم، ألم تسمعوا بزوّار الفجر الذين يتوافدون على البيوت ويتداولون على الأعراض منذ فجر السابع، أهو الرمد في العيون أم الجحود في القلوب؟؟، كي تبصرونا لا تحتاجوا الى معالجة أبصاركم لأنّ العطب في بصائركم، فتشوا عنّا في خبايا المحن وقلّبوا أرشيف ضحايا الدكتاتور ستجدوننا في كل صفحة وإن غمّ عليكم وفشلتم في العثور علينا وفقدتم أثرنا اسألوا الثقاة وانشدونا في دفاتر الطغاة ، "ولكان بعد هذا الكلّ وما عرفتوناش" ... ياسِيدي " goglouna" تو تلقونا".