اختتم أول أمس في المدينة الاسبانية "برشلونة" منتدى العدالة الدولية الثالث والذي انطلقت فعالياته، برعاية الملك جوان كارلوس، مساء الاثنين 20 يونيو 2011 في قصر المؤتمرات بحضور أكثر من 450 شخصية قيادية من مختلف دول العالم توّزعت بين حقوق العلوم والتكنولوجيا والإعلام والسياسة والمجتمع المدني والاقتصاد والقانون. وشهد حفل الافتتاح حضور كبير للصحافة الاسبانية والعالمية وكلمات ترحيب بالمشاركين من قبل مؤسس ورئيس منتدى العدالة الدولية ويليام نيكوم من الولاياتالمتحدة الأميركية إضافة إلى شخصيات أخرى من أعضاء الشرف في مجلس أمانة المنتدى وسط كلمة ترحيبية من سفير الولاياتالمتحدة الأميركية في اسبانيا "ألان سولمونت" ومداخلات لرئيسة ايرلندا السابقة ماري روبينسون و ويليام غيتس (والد بيل غيتس) مدير مؤسسة "بيل وميليندا غايتس" إضافة إلى حضور د.شيخة عبد لله المسند مديرة جامعة قطر. وناقش المشاركون على مدى أربعة أيام متتالية ضمن ورشات عمل وجلسات نقاش سيادة القانون حول العالم في مختلف حقول التكنولوجيا والهندسة والفنون والثقافة والمال والأعمال والتعليم والبيئة والدين والسياسة وحقوق الإنسان والعمل الإعلام والقانون... وقد أدار كل جلسة شخصية بارزة عالمية في مجالها بحضور ومشاركة بقية المشاركين من نفس القطاع المهني. وشهدت جلسة النقاش التي تناولت "موضوع الاتجار بالبشر وسيادة القانون" نقاشات هامة وحسّاسة من حيث خطورة وتداعيات الموضوع المثار على مسيرة حقوق الإنسان في العالم وانتهاك سيادة القانون الوطني والدولي على السّواء في العديد من دول العالم بسبب تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر عبر السنين. وخلص المشاركون في هذه الجلسة والتي استمرت لعدّة أيام ناقش خلالها الحضور آليات الحدّ من هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها وكيفية وضع وصياغة مشاريع تحدّ من هذه الظاهرة وتكافحها عالميا. واعتبر المشاركون في هذه الجلسة أنّ الاتجار بالبشر من أكثر الجرائم الدولية التي تشهد انتهاكا لحقوق الإنسان في حين أنّها تحتل المرتبة الثالثة عالميا أيضا من حيث عائداتها الربحية بعد الاتجار بالمخدرات والأسلحة... ولعلّ البارز في هذه الظاهرة والذي يثير الرعب في نفوس العاملين في الشأن العام لمكافحة هذه الظاهرة، لا بل الجريمة، هو انتقالها من الشكل التقليدي القديم أيّ "العبودية والرّق" إلى الشكل الجديد "المقنّع" أي استغلال الأطفال النساء عبر فرص عمل "كاذبة" و"أهداف غير واضحة" لينتهي بهم الأمر في أعمال الدعارة والاستغلال الجنسي واللأخلاقي. وخلص المشاركون أيضا إلى أن تفشّي هذه الظاهرة يعود لعدّة لأسباب أبرزها، غياب سيادة القانون وغياب آليات تنفيذ القوانين و وجود قوانين عمل مجحفة لا سيّما في دول العالم الثالث. وتدخلت مديرة "المركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات"، رويدا مروّة، في هذه الجلسة معلّقة على حصر أسباب ظاهرة الاتجار بالبشر بأسباب غير كافية كقوانين العمل وآليات سيادة القانون معتبرة أن نموذج دول شمال إفريقيا، حيث ميدان عمل المركز الذي تشرف عليه، يثبت أن وجود نزاعات دولية وداخلية من ابرز أسباب استغلال النساء والأطفال وقد استشهدت بنموذج وضع النساء والأطفال منذ العام 1975 في مخيمات تندوف، جنوب غرب الجزائر. وذكرت أن الفيلم الوثائقي الجديد الذي قام بإنتاجه وتصويره المركز يناقش بالبراهين والأدّلة وشهادات العائدين من مخيمات تندوف، من رجال ونساء، وضعية الاتجار بالبشر في هذه المخيمات من قبل ميليشيات البوليساريو منذ أكثر من 36 عاما... وذكرت أن ظاهرة أخذ الأطفال بحجة الدراسة إلى كوبا (وهو ما يناقشه الفيلم بصورة خاصة) منذ بدء النزاع على الصحراء خير شاهد على ذلك، حيث تمّ ترحيل هؤلاء بحجة إكمال دراستهم في كوبا لينتهي بهم الأمر يعملون في الليل في أعمال شاقة لا تناسب عمرهم وأوضاعهم الصحية والنفسية إضافة إلى تعريضهم لعمليات "غسيل مخ" إيديولوجيا ومنعهم من رؤية ذويهم داخل المخيمات... وأضافت مرّوه في مداخلتها أن استغلال النساء داخل المخيمات يتّم بطريقة "لا تخطر على بال أحد" وهي إجبار النساء لا سيّما الأرامل منهم على الزواج بأي رجل تختاره قيادة البوليساريو وذلك فقط بهدف زيادة نسبة الإنجاب داخل المخيمات وربط النساء "معنويا" بالمخيمات والحدّ من هروبهم من المخيمات والعودة إلى الوطن "المغرب". وفي حديث خاص لموقع "ميديل ايست اونلاين" ذكرت مرّوة أن الفيلم الوثائقي الجديد والذي يحمل عنوان "المخلوع" The Terrifiedوالذي يتناول قصص وشهادات حيّة لعائدين من نساء ورجال من المخيمات يروي معاناة النساء والأطفال ومساجين الرأي في مخيمات البوليساريو في تندوف وقد تمّ تصويره داخل مدينة العيون في الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية بالاستعانة بأرشيف ضخم حول قضية الصحراء لاسيّما تصريحات مسجّلة سابقا لشخصيات سياسية عربية لها علاقة بالنزاع أبرزها العقيد معمر القذافي. وذكرت مروّه أن العرض الأول للفيلم سيكون من داخل المغرب يليه عرض آخر في العاصمة اللبنانية بيروت إضافة إلى عروض أخرى في دول عربية و أوروبية قريبا للتعريف بانتهاكات حقوق النساء والأطفال داخل المخيمات. وفي هذه المناسبة أهدت مرّوه الفيلم إلى كل امرأة وطفل محتجز داخل المخيمات والذين يعانون منذ 36 عاما وسط آذان "غير صاغية" بل "متجاهلة" عربيا وإفريقيا ودوليا لأوضاع المحتجزين في مخيمات تندوف وأشارت في سياق حديثها إلى أنّ قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الموجود جبريا في نواكشوط حاليا تجعل هذا النوع من الأعمال الوثائقية والتصويرية الأقدر على إيصال رسالة كلمة الحق والحرية إلى العالم حول قضية الصحراء ومعاناة الصحراويين في مخيمات تندوف بسبب تصلّب جبهة البوليساريو حول مطلب "الانفصال" ورفض مقترح الحكم الذاتي... وترأست الجلسة جوي ايزييلو، مقرر الأممالمتحدة حول الاتجار بالبشر من نيجيريا، وتحدث في الجلسة كل من شارون كوهين نائبة مدير البعثة الأميركية للعدالة و داون كونواي نائبة رئيسة برنامج المسؤولية الاجتماعية في شركة ليكسنيكس و باما نير مدير قسم البوليس المركزي في الهند. وفي الجلسة الثانية حول قضية الاتجار بالبشر نفسها تحدّثت باندانا باتاناك المنسّقة الدولية للتحالف الدولي ضد الاتجار بالنساء في الهند. يذكر أن منتدى العدالة الدولية تمّ تنظيمه في المرة الأولى في العاصمة النمساوية فيينا وبعدها في جامعة الأخوين في مدينة افران المغربية ليحلّ في سنته الثالثة في مدينة برشلونة الاسبانية.