في مقالين سابقين، حول الثورة الليبية وموقف النظام الجزائري، حاولت تعزيز ما أثرته في مقالات سابقة، من أن النظام الجزائري أكثر الأنظمة العربية عداء للشعوب، وأكثرها خدمة لمافيا الغرب وقد كشفت الثورة الليبية مستور هذا النظام، وأضاءت تناقضاته وتفاصيل مخططه المعادي للديمقراطية. وإن كان أكثر المتابعين لمقالاتي يلتزمون الصمت، و بعضهم يخالفني أو يقف موقف المتحفظ، فإن جزء مهما يشاطرني الرأي. إن الشرعية التاريخية ومعاداة إسرائيل وقوى الهيمنة ومساندة الشعوب في حق تقرير مصيرها، لايمكن وصفها إلا بالأساطير المؤسسة لهذا النظام الذي ظهر إلى الوجود قبل ظهور الدولة، مع بروز جهازه الاستخباراتي سنة 1956 على يد عبد الحفيظ بوصوف، ثم وزارة "المالغ" التي ابتلعت كل وزارات الحكومة المؤقتة. منذ البدء، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ارتبط آباء هذا النظام بالأجهزة الاستخباراتية العالمية، وبشكل خاص السي أي آيه والدي آي إيه، وبالدوائر المالية وبقي المؤسسون لهذا النظام، منذ الاستقلال إلى اليوم مرتبطين بكل ما هو سري، ومنغلقين في وجه المؤسسات الديمقراطية الغربية. لقد أدخلوا الجزائر في دوامة جهنمية حتى يتسنى لمافيا الغرب العبث بثروات الشعب. وما يحدث اليوم ليس سوى استمرار لسياسة استنزاف الشعب ومحيطه المغاربي. خدع هذا النظام ساكنة الصحراء المغربية، واحتال على الشعب الجزائري بقضية ادعى أنها عادلة، ولم ينجح من خلالها سوى في صفقات التسلح وعزل الجزائر عن محيطها، ولم يجن الشعب الجزائري والبسطاء الصحراويون سوى المآسي، وبعدها أظهر كفاءة عالية في تأثيث الجزائر بالخوف، وخاض معارك ضارية في مكافحة الإرهاب بعد أن نجح في زرعه بهدف تعطيل العجلة الديمقراطية والتنموية، ولأن عائدات النفط والغاز لاتخضع للشفافية، ولاحق للجزائريين فيها، فقد أوعزت له دوائره السرية أن يغدق في العطاء وأن يبسط يده في التبذير بدعوى التوسع في مكافحة الأشباح في بلدان الساحل والصحراء، ولأن ميكانزمات الحظ كانت في مصلحته، فهي تعمل لتجعله ينسى كل المطالب التافهة التي يحلم بها الشعب، مثل الكرامة والحقوق والحريات، فهذا النظام المبجل لاوقت لديه سوى محاربة الطواحين وفتح جبهات حروب وهمية، هي اللعبة الوحيدة التي يتقنها، أما بناء دولة ينعم فيها المواطنون بالكرامة، فإن أجندته السرية لاتتسع لها. إن هذا النظام وهو الخيط الأقوى في خيوط شبكة الفساد المغاربية، منذور ليضطلع بدوره الريادي في قرصنة الثورات، خاصة وأن حليفه الليبي يوشك على السقوط؛ إنه يهيء الشروط لقوى الهيمنة كي تعيد هيكلة شبكتها المعادية للديمقراطية، وأن تفخخ المنطقة بعصابات إرهابية وأخرى مكافحة للإرهاب وعصابات إنفصالية وأخرى مناهضة للانفصال؛ مثلما هو حال باكستان وأفغانستان والعراق والصومال والسودان... لهذا الهدف لا لغيره، شرع النظام في: - تعزيز وحدات الدرك الوطني، على مستوى الناحية الجهوية الرابعة للدرك بالحدود الجنوبيةالشرقية، مع نهاية الشهر الجاري، بألفي دركي وفي هذا السياق، أعلن قائد سلاح الدرك عن 138 مشروع لإنجاز هياكل جديدة وتحديث أخرى على مستوى ولايات الناحية الجهوية الرابعة للدرك، وموازاة مع ذلك سيتم رفع التغطية الأمنية إلى 40 بالمائة في آجال لم يعلن عنها، وهو ما يعني مضاعفة التواجد الأمني لقوات الدرك إلى أكثر من 3 مرات عن الحالات العادية. - اللواء بوسطيلة، يكثف من زياراته الميدانية، إلى ولايات جنوب شرق البلاد، لمعاينة جاهزية أداء الوحدات الإقليمية ووحدات التدخل ووحدات حرس الحدود، في الناحية الجهوية الرابعة للدرك الوطني بورفلة وتشمل ولايات إيليزي وعدة مناطق حدودية في ولايات الحدود الشرقية المحاذية لليبيا. - حصول المديرية العامة للأمن الوطني على حصة الأسد من مخصصات الحكومة الموجهة لتنمية قطاع الجماعات المحلية الذي استفاد في إطار برنامج الاستثمارات العمومية 2009 /2014 من ميزانية قابلة لمراجعة تقارب ال900 مليار دينار أو ما بين 9 و10 مليار دولار تقريبا. - مباحثات أمنيين جزائريين مع مسؤولين أمريكيين كبار بقيادة مارك أدامز يمثلون كتابة الخارجية وجهاز الأمن الداخلي؛ في موضوع ''انتشار الأسلحة بجميع أنواعها في الساحل الإفريقي وعلاقته بالأزمة الليبية''. - مشروع أمريكي، من أموال الشعب الجزائري، لمنع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب من استثمار الفوضى في ليبيا والتغيير الذي شهدته تونس، تتحمل، فيه الجزائر 60 بالمائة من تكاليف مكافحة الإرهاب في المنطقة المغاربية والساحل. - الدعاية الممنهجة لتبرئة النظام الجزائري من دعم المرتزقة، بهدف التغطية على مخططه الرامي إلى قرصنة الحراك المغاربي (تصريحات كبير أفريكوم الفريق كارتر هام ثم مارتن روبرت، السفير البريطاني في الجزائر). - مفاوضات بين الجزائر وبريطانيا حول صفقة شراء بوارج بحرية حربية من طرف القوات البحرية الجزائرية. - انعقاد اجتماع أمني عال المستوى بين الطرفين الجزائري والبريطاني بالجزائر شهر أكتوبر القادم، حول التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. - اقتناء وزارة الدفاع الوطني 15 ألف سيارة دفع رباعي لصالح الجيش والدرك وحرس الحدود والشرطة، تخصص للعمل في مكافحة الإرهاب والجريمة ومراقبة الحدود في أقصى الجنوب. كل هذه المعطيات تؤكد أن النظام الجزائري يقود، ضد الحراك الديمقراطي المغاربي، حراكا مضادا، وهذا ما صرح به المجلس الانتقالي الليبي، وما لمح له الرئيس التونسي المؤقت، فؤاد لمبزع، معبرا عن وجود ''قلق جزائري من ثورة تونس''. بموازاة حربه القذرة على شعوب المنطقة، يعترف النظام الجزائري بفشله في المجال التنموي والاقتصادي وفي بناء علاقات ندية مع الغرب العلني، حيث المفاوضات بين المنظمة العالمية للتجارة والجزائر لم تعرف أي تقدم منذ يناير 2008، وحيث اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقع العام 2004، لم تجن منه الجزائر شيئا رغم الملايير التي ضختها في بنوك الاتحاد. في ضوء هذه المعطيات؛ فإن مصير المنطقة المغاربية تتصارع على رسمه قوتان: قوة تؤمن بالديمقراطية وكرامة الشعوب وحقوق الإنسان، وأخرى معادية للديمقراطية، فمن يمثل هاتين القوتين؟ هذا ماسنحاول مقاربته في المقال القادم. ----------------------