لاشك أن بداخل كل إنسان مشاعر حب من الماضي القريب او البعيد، مشاعر قد تكون انتهت بنهاية سعيدة وكللت بزواج سعيد، او مشاعر لازالت تبحر في المجهول والضياع تبحث عن نقطة بداية. لكن هل كل ما نشعر به من مشاعر رقيقة هو ما يسميه البعض "الحب"؟ هل هذا "الحب" له بداية ونهاية؟ وهل هناك "حب أول" و"حب أخير" و "حب متعدد الشركاء"؟ هل تستمر معنا ذكريات "الحب الأول" حتى بعد الزواج؟ هذه الأسئلة وغيرها تجيب عليها قصص عدد من المغاربة مع "الحب الأول". لا وجود لحب أول (محمد.ح) شاب مغربي –27 سنة- متزوج من سنتين يقول أنه لاوجود للحب الأول " لأن الحب شيء غير محسوس وليس له مقياس يقاس به" ويضيف:" لذلك لا يمكن ان تقول هذا هو الحب الاول لانه من الممكن يكون سبق ان احببت انسانة ما ولكن لا تدري اهو حب ام مجرد وهم او تخيل أو شبه لك انه حب وهو في الحقيقة مجرد انجداب ليس عاطفي حتى". وتضيف بسمة –30 سنة- وهي سيدة متزوجة برجل يكبرها بعشر سنوات:"الحب الأول غالبا ما يكون طيش مراهقة وحلم فتاة غير واقعية، وقليلا ما يكلل هذا الحب الأول بالزواج" وتستدرك:" لذلك أنا لااعتبر ما عشته من قصص حب هي حب أول بما المفروض أن تحمله هاته الكلمة وإنما هو طيش مشاعر في فترة نكون فيها متسرعين جدا". "الحب الأول" ليس للزواج !! من جهته يعتبر يوسف –31سنة- أن "الحب شعور نبيل مادام في إطاره الشرعي والمعقول، لكن كثير من الشباب فهموا هذا الكلمة (أي الحب) فهما سيئا، وصار ليل حبهم كنهارنا بل كله مجون وفسق وفجور" ويضيف:"أذكر صديق لي كان يقول لي في فترة الدراسة الثانوية : اعقد علاقات حب مع زميلاتك فيستحيل أن يعيش الإنسان دون التمتع بحواسه في نعيم الدنيا، وعندما تكبر اختر غيرهن للزواج !!" "الحب الأول" والتجارب الفاشلة حنان 32 سنة طالبة بمؤسسة خصوصية بفاس:" أول حب ليس بالضرورة أول تجربة عاطفية، لكن قد يكون في غالب الأحيان أول تجربة في حياة الإنسان خاصة عندما يكون المرء بدون تجارب. إلا أننا يمكن أن نعتقد أننا بالفعل أحببنا من قبل مرة أو اثنين وثلاثة ويمكن أن يصادفنا الحب الحقيقي في المرة الرابعة او الخامسة. ونتبين أن كل التجارب التي مضت لم تكن حبا وإنما هي تجارب فاشلة مع أناس لم يقدروا المعنى الحقيقي للحب. وبالتالي فإن الحب الأول هو كعاصفة هوجاء يمكن أن تأتي دون سابق إنذار لما يمكنها أن تضرب القلب في أي مرحلة من مراحل العمر إن في وقت مبكر او متأخر" حب و عيون عمياء تحكي جميلة قصتها مع الحب الاول وكيف كان يقودها ذاك الشعور بعينين مغمضين :"في يوم من الأيام تعرفت على شاب يسكن بجوارنا، كنت حينها أدرس في الإعدادي، وهو لم يكن يشتغل، كانت تعلم أمي وأختي بعلاقتي به، قضيت معه 7سنوات كان فيها الحب والأماني الحلوة، وايضا كانت هناك خصامات ونقاشات لكن سرعان ما تنتهي بالمصالحة" وتضيف:"كنت أعيش معه بعينين مغمضتين أثق فيه ثقة عمياء، إلى أن صدمت بأنه سافر إلى دولة خارج المغرب ليكمل عمله هناك دون أن يخبرني، ومع ذلك بقيت أنتظره وأصبر نفسي بتلك الذكريات الجميلة التي قضيتها معه، وبعد أن عاد لم يتصل بي أو يأتي عندي بل صادفته في الطريق وكنت حينها التزمت بالحجاب، فلم اكلمه، فجاءني أمام المنزل بعدها وحاججني فيما وقع منه واقتنعت بكلامه" وتكمل جميلة التي تشتغل اليوم في مكتب للمعلوميات:"المصيبة أني كنت مغفلة كبيرة وكنت أحكي لصديقتي كل ما يقع بيننا، لتستغل هي ثقتي بها ايضا وتطور علاقتها به، وقد كانت فجيعتي كبيرة لم انساها لحد الساعة عندما تزوجها". تحكي جميلة أن ذلك كان أول حبها لكنها صدمت فيه ولم تتغلب على انهيارها إلا بالتقرب إلى الله تعالى. الاشباح المتمردة اذا كان البعض مقتنع أنه لا يوجد "حب أول"، فإن آخرين لازالت أشباح ذكريات حبهم الأول تطاردهم حتى بعد زواجهم، فهذا خالد –45 سنة موظف- يحكي أنه رغم زواجه منذ 12 سنة ، لازال يتذكر أيام حبه الأول مع زميلته في الجامعة، والتي لم يكتب لها الاستمرار لعدم توفره على عمل يفتح به بيت، ويقول:"نعم اليوم أعيش مع زوجتي وابنائي الأربعة بسعادة وحب، ولكن مع ذلك لم ينسيني الحب الأول وخاصة وأن نهايته لم تكن بأيدينا". الخيوط التي نسجت الحب الأول (م) شاب في مقتبل عمره، منتسب لجمعية ثقافية شمال المغرب تسعى إلى تنشئة الأطفال وتكوينهم، مرة كل أسبوع يلتقي مع أقرانه في مقر الجمعية. عادة ما تضم الفقرة الرئيسة من النشاط توجيها تربويا أو علميا يختم بمشاركة اليافعين في نقاش حول مضمونه. لفتت انتباهه الفتاة (خ) في مثل سنه، تنافسه في جذب الأنظار لمستواها التربوي والثقافي.. فاختلطت بصدره مشاعر الإعجاب والمنافسة.. لكنه لم يكن ليدري أن الخيوط قد بدأت تتشابك لتعلن ميلاد حبه الأول. في كل أسبوع عمل قلبه على تقوية مشاعره.. لكنه – بالفطرة، أو بإحساس داخلي بالخطإ – قاوم مشاعره وحاول تفادي لقائها.. فقد علموه أن الأحاسيس في سنه الصغير لا تعدو أن تكون انطلاقة لمراهقة فتية عمياء، ستنتهي أعراضها بانتهاء مرحلة إنضاجه. ويضيف (م):"من عجائب القدر أن تتقاطع اهتماماتنا، فانضممنا معا – دون تنسيق ولا ترصد – إلى الفرقة المسرحية التابعة للجمعية. تفجرت هناك مواهبنا في التمثيل، فشاركنا معا في أول مسرحية. كانت تجربة رائعة لنا، يملأها الحذر والحيطة، فلا تقرب ولا تودد!! غير أن المستقبل كان يخبئ لنا مفاجأة!". تمر الأيام والسنوات ومعها كانت تتجدد الاهتمامات و اللقاءات بالفتاة (خ) على قلتها ومحدوديتها، وشاءت الأقدار أن يسافر (م) إلى مدينة أخرى ليتابع دراسته، واضعا بذلك – على غير رغبة قلبه – نهاية لحلم عذري بالزواج من فتاة أحلامه. غاب (م) ليتيه بين الكتب والدفاتر، فهذه المرحلة يعتبرها بعض القريبين منه الأصعب في مشواره الدراسي. بعد سنتين من الكد والتعب، نجح صاحبنا في الوصول إلى الكلية التي تاق إليها، فحمد الله على توفيقه لتجاوز واحدة من محطات طموحه. في الصيف كانت الفرحة – بالنجاح – تغمر محياه، لكنه لم يكن يدري أن الأقدار خبأت له فرحة أكبر.. فبعد عامين من الابتعاد عن الأنشطة الثقافية والفكرية، عاد ليزور الجمعية في مخيم نظمته لأطفالها، في هذه الأثناء كانت (خ) قد صارت مربية لنادي الأطفال، فانضمت إلى المخيم لتجود ببعض مما اعتبرته "زكاة " واجبة عليها. ولم يكن هناك بد من أن يلتقيها مرة أخرى ليلعب الأثير – كما تعود – لعبته الأزلية. مشاعر بدون كلمات يحكي (م) أنه لم يكن ليجرؤ على التحدث إليها، إلا إذا وجدت ضرورة حقيقية لذلك، ولم يكن الحديث ليتجاوز كلمات معدودات تنجح بالكاد في إتمام التنسيق حول إحدى فقرات المخيم. استمر الأمر كذلك، حتى انقضت أيام المخيم ولياليه. في اليوم الأخير وجد نفسه تقوده معصوب العينين لكي يقترح على (خ) المشاركة في مشروع كبير كان قد بدأ ينتشر بين شباب الدول العربية و الإسلامية، عقله يقول إنها "أخت" متميزة ستساهم دفعتها في تقوية إطلاق المشروع، في حين كان قلبه يضحك بخبث بعد أن أحكم قبضته على فؤاده. بعد أقل من شهر كان مجموعة من الشباب مجتمعين من أجل التخطيط للمشروع، لم يكن بطلانا ليغيبا عن لقاء كهذا، فهذا المشروع كان يمثل لهما الومضة التي ستشعل محرك النهضة. توالت اللقاءات الجماعية تباعا بين ملتقيات على الأنترنت ولقاءات على أرض الواقع، وفي كل مرة كان يأسره رجاحة عقلها وثقل أفكارها، فلم يزل يمن نفسه بالاقتران بها. الحب الأول والأخير لم يمر الكثير من الوقت حتى بادرت إحداهن بسؤال (م) عن رغبته في الزواج، واقترحت عليه – كما تمنى هو في سره – خطبة (خ). كان وقع المفاجأة عليه في نفس الوقت شديدا وسعيدا، وتذكر إلحاحه في الدعاء لسنوات أن يرزقه الله زواج حبيبته. وها هو الله اليوم قد استجاب لرجائه. مرت الشهور بسرعة، وتفهم والداه رغبته، فلم يبخلا عليه بمساعدته بكل ما يملكان، والداها أيضا لم يدخرا جهدا لإعانتهما على بناء عشهما الصغير، وها هما اليوم يتوجان قصة "حبهما الأول والأخير" بزواج سعيد يكاد يكمل سنته الأولى. حب زمان .. وحب إلكتروني يرجع عدد من المغاربة عدم نجاح عدد من قصص الحب الأول في هذا الزمن، إلى التغيرات التي طرأت في آليات التواصل بين الناس، يقول أسامة –أستاذ:"اليوم اصبحت العلاقات جامدة وكأنها موصولة بسلك كهربائي، فما بين عشية وضحاها يخرج لك شاب من شباب اليوم بقصة حب، ولما تسأله كيف تعرف إلى من يسميها حبيبته يجيبك بكل صراحة : تعرفت عليها ليلة أمس بواسطة الشات !! " ويضيف:"أما في ايام زمان فقد كان لكي تفوز بحب عليك ان تقطع اشواط وسنوات وفي أحسن الحالات شهور". ومهما كان ما قيل حول الحب الأول، فإن قيمته لا تكمن في رقمه أهو الأول أو الثاني أو الأخير ؟؟ بقدر ما تكمن في كيفية الحفاظ على هذا الحب نقيا بعيدا عن كل ما يمكن ان يضرب به في أخماس الأرض، فالحب كشعور هو قيمة إنسانية، لكنه يفقد براءته عندما يتحول إلى وسيلة لاستفراغ الغرائز أو عندما يصبح الحب سفينة عمياء لايُعلم قبلتها. ------------------