ألهم الشعراء في قصائدهم وتغنى به الفنانون والمطربون في أغانيهم واستلهم الرواة والقصاصون من مملكته أحداثا وأبطالا في مخيلاتهم ، قيل عنه الكثير من أقوال وحكم تحمل مفارقات حتى غابت حقيقته ، حيّر الصغار والكبار والشيوخ ، رجالا ونساءا ، أغنياء وفقراء ، عظماء وبسطاء ، من دخل مملكته وتجرع من مائه العذب وحمل جنسية الانتماء له ، لقّب بالعاشق المحب الولهان ، بعد تذوقه وجده البعض نعيم الأشواق ، وألفاه آخرين جحيما لايطاق ، بدونه لا طعم للحياة ، والحياة به مرارة وعلقم ، إنه الحب ... يغمر كل مكان وزمان ، في الطبيعة والحيوانات والنباتات والأشجار ، نجده بألوان شتى تختلف حسب الدين والوطن وحتى العمل ، لكن جل ما يروى ويحكى هو حب النقيضين : الرجل والمرأة ... نظرات وكلمات وهمسات وأشواق وفراق ثم صلح ولقاء ثم جفاء وعتاب ، ومع ذلك نجد تسامحا وتواضعا وابتسامة ... لننظر نظرة متأمل لعالم العشاق ، في المقاهي ، أو في الحدائق أو في الجامعات أو الثانويات والمدارس أو في الشركات أو الأحياء ، سنجد ثنائيا متناغما يظهر عليهم التجانس من خلال مشيتهم وتشابك أيديهم حتى تغيب المسافة الفاصلة بينهما ... منظر جميل ورومانسي وأجمل مافي هذا المشهد هونهاية جميلة تكلل بالزواج بليلة صاخبة وعرس يحمل مالذ وطاب من الأكل والشرب ... لكن ... لماذا تتوقف المشاهد التي ألفناها فيما قبل الزواج ، نتحدث عن حرارة الحب ، إذ سرعان ماتخبو نار الأشواق والنظرات ، وتذبل الابتسامة ، أهي الحلقة الأخيرة كما هومألوف في المسلسلات العاطفية ، هل يمكن أن يكون الزواج نهاية الحب أم بداية نهايته ؟ لماذا لا تستمر الأحلام الوردية كما كان في الأمس القريب وتتغير إلى كوابيس تنتهي بشقاق وفراق ثم إلى طلاق ؟ هل ترجع أسباب الطلاق إلى خلل في الحب ؟ أم في أحد الطرفين " أقصد الرجل والمرأة " لأسباب نفسية ؟ أم توجد مشاكل اجتماعية ترجع في أصلها إلى التنشئة الاجتماعية ؟ ألا يمكن أن تكون بعض أسباب الهجر والطلاق ترجع إلى هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية ؟ أم يمكن الحديث عن غضب إلاهي لاستفحال ظاهرة العلاقات العاطفية العابرة التي لاترسم حدودا فاصلة بين الحلال والحرام ؟ كيف يمكن أن يكون الزواج نقطة تحول من الحب إلى اللاحب مع العلم أن الزواج مؤسسة وحكمة إلاهية ؟ نستغرب كلما سمعنا زوجين حديثي العهد بالزواج في منازعات شقاق في المحكمة يبذل كل طرف أقصى جهده للتخلص من الآخر رغم محاولات الصلح بين الطرفين ، ثم نتساءل هل ماكان بينهما حبا أم شيئا آخر ، لقد عبر عن ذلك الفيلسوف اليوناني أرسطو عندما قال ان الحب الذي ينتهي ليس حبا حقيقيا ... عندما نتأمل هذه المفارقة سنخلص إلى نتيجتين : إما أن الطرفين لا يعرفان معنى الحب أو لنقل ثقافة الحب أو أنهما لا يعرفان ثقافة الزواج وبالتالي سقطا في حالة فصامية ولم يستطيعا التأقلم مع الوضعية الجديدة لكن قبل الحديث عن مفهومي ثقافة الحب وثقافة الزواج علينا مناقشة بعض الأسباب التي تؤدي إلى عدم تقبل ومعرفة الحياة الجديدة ونجملها في : 1-أسباب نفسية – اجتماعية : ما يطرأ في الحياة الزوجية هومحاولة التسيد والقيادة من كلا الطرفين ، فتظهر صراعات بين أنا الرجل وأنا المرأة ، مع العلم انه توجد أنا واحدة لاتحتمل اثنين ويتمظهر هذا الصراع عند الرجل من خلال البرانويا أو ذهان العظام وعند المرأة بالهيستيريا ، ومع المدة يعتقد كل طرف انه الأفضل لقيادة السفينة وأن الآخر لايفقه شيئا وكلما كانت شخصية أحد الطرفين تطغى عليها العنجهية المفرطة كلما استفحل الأمر ، أو في بعض الأحيان قد نجد مفارقة الحب المرضي الذي تطغى عليه الأنانية وحب التملك والغيرة الزائدة حتى قيل عن الحب أنه أنانية اثنين كما قيل عن الغيرة بأنها الطاغية في مملكة الحب لكنها عندما تتحول إلى وسواس قهري عند المرأة قبيل وأثناء الدورة الشهرية وعند الرجل إذا كان ماضيه مليء بالمغامرات العاطفية العابرة مما يجعل الشك المهيمن على كل كلمة أو حرة أو همسة . 2- أسباب سوسيو ثقافية : إن الثقافة المكتسبة من التنشئة الاجتماعية ومن الواقع المعاش خاصة إذا كان هذا الواقع فيه خلل بين الأبوين وبينهما نزاعات يومية ولاتحمل المعاشرة بينهما أدنى معنى للإنسانية قد تتحول إلى ترسيخ أفكار خاطئة عن كيفية التعامل مع الجنس الآخر ويكتفي الرجل والمرأة بالتبرير : حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، كما ان الأمثال السائدة في الثقافة الشعبية قد تكرس معنى الصراع ومحاولة التسيد كما شائع في المثل المغربي " النهار الأول يموت المش " / القط / بمعنى الحزم والظفر بكرسي القيادة في اليوم الأول ... مفارقة ... في اليوم الأول من شهر العسل ... كما يمكن أن نضيف المسلسلات والأفلام المستوردة وحتى المحلية التي تحمل أفكارا تحمل أدلوجات قد تشوش على ذهنية المتلقي وخاصة النساء اللواتي تصبحن فصاميات ويتقن إلى حياة مماثلة وزوج يحمل مواصفات بطل المسلسل . 3-أسباب بنيوية : تتعدد أسباب الشقاق التي تشكل بنيته أو وحدته الأساسية ، وأول مشكل يطرح بهذا الأساس هو مشكل العلاقات الجنسية التي تبقى ضمن الطابوهات التي يصعب التصريح بها وفي بعض الحيان حتى مجرد التفكير فيها وإن تعلق المر بالدول الأكثر تفتحا فكيف الحال بالنسبة للدول العربية ؟ فالتمتع والتلذذ شرعه الله لكلا الطرفين ولولا المتعة الجنسية لما فكلر أحد في الزواج والارتباط لكن ضغوطات الحياة المادية والنفسية والاجتماعية قد تحرف مسار التلركيز في حالة النكاح مما ينتج عنه فتور في المشاعر والأحاسيس ، ناهيك عن ظهور متغير آخر هو تربية الأبناء وكاهل المسؤوليات التي تنبثق عن هذا المتغير فجسم المرأة لم يعد ذلك الجسم قبل الولادة ، والتفاحة عندما تقضم لاتصبح تفاحة بلونها ورائحتها الزكية ومنظرها الجميل ، لذلك تلجأ بعض النساء إلى بعض عمليات التجميل تداركا للأمر ، ومع ذلك رغم اجتهادات المختصين النفسانيين في هذا المجال يبقى الأمر مستعصيا على الأزواج. 4-أسباب مادية : مصاريف التجوال في الحدائق والمقاهي ليست هي مصاريف اقتناء سكن وشراء مستلزمات الأثاث ومصاريف التنقل والأكل والشرب واللباس ... فتحمل المسؤوليات وخاصة في هذه الظرفيات التي نعيشها من غلاء الأسعار قد تؤثر سلبا على نفسية الطرفين وقد يستفحل الأمر عند المقارنة مع أحد الأقارب من السكن واللباس والكماليات . 5-أسباب عائلية : في بعض الأحيان قد تكون نصائح أحد أطراف العائلتين عبارة عن محاولات إحداث هوة بين الزوجين سواء كان المر بحسن نية أو سوء نية وغالبا ما تكون تلك النصائح مرتبطة بعدم وضع الثقة اكثر من اللازم أو وضع احتياطات مادية تحسبا لكل طارئ يصدر من الزوج فتكثر الطلبات التي لايستطيع الزوج تلبيتها كلية ومن ثمة تتسع الهوة بين الطرفين وعوض التفكير في إيجاد استمرارية الحب نجد تفكيرا ساذجا حول من سيترأس كرسي قبطان السفينة . إن الأنانية والتكبر والعناد والعصبية المفرطة هي أحد أسباب عدم استمرارية الحب وتحوله إلى العداء والصراع ، لذلك قد نفهم لم لجأت المرأة للشعوذة عبر التاريخ ، لقد كانت محاولة لكسر هيمنة الرجل وجعله خادما مطيعا عوض ذلك الرجل المسيطر وأصبحت العقدة التي يعاني منها الطرفين بعد الزواج هي : كيف أجعله " ها " ملكا لي ؟ ... قد يتحول الحب إلى صراع ، وقد صدق وليام شكسبير حينما قال : ما أروع الحب ، فهو يجعل من الوحش إنسانا ، وحينا يجعل من الإنسان وحشا . هل سينتهي بنا التحليل إلى الخوف من لفظة الزواج ؟ فأغلبية قصص العشاق التي بقيت راسخة لم يكتب لنهايتها الزواج ، وهل سيبقى العشاق بدون زواج حتى يحافظوا على استمرارية مشاعرهم ؟ بطبيعة الحال الجواب لا ، لأن العيب ليس في الحب وليس في الزواج ولكن العيب ممن لا يفهم معنى الحب ، فالحب عطاء وحرمان وتضحية وقد أفصح عنه " بلزاك بأنه رجل وامرأة وحرمان والزواج ثقافة وتكملة لمشاعر الحب والتواضع أساسه وكل من قال أنا في الحب أوفي الزواج فهو لا يعرف معنى الحب والأناني والمتكبر لا يعرفان معاني الحب والزواج لأنهما لا يمكن معاشرتهما ، بل يريدان سرقة مشاعر الآخر وسرقة ابتسامته بينما الحب دمعة وابتسامة كما قال جبران ، وليست الأسباب التي ذكرناها الوحيدة في عدم استمرارية الحب قبل او بعد الزواج فهناك أسباب مباشرة وغير مباشرة ، لكن الأهم هو وضع مقاربة شمولية والأخذ بعين الاعتبار أنا الآخر عوض كلمة أنا لتكسير الملل والروتين المهيمنان في الزواج ، ولمحاولة البحث عن طرق جديدة كالسفر بين الفينة والأخرى وتقديم الهدايا .