تصوير للوحشية الصهيونية، ودعوة لإنقاذ مهد الديانات من الخصائص التي تسم الشعر الأمازيغي، أنه شعر إسلامي بامتياز، ففيه تنعكس شخصية الإنسان الأمازيغي المتشبع بقيم المحجة البيضاء، وفيه تتلألأ صورة المؤمن الأمازيغي الذي يعلم أنه لن يحشر في زمرة المسلمين إلا إذا اهتم بشؤونهم وعانق قضاياهم، وفرح لأفراحهم وحزن لأحزانهم، وتقطع قلبه إذا ساءت أحوالهم وكثرت نكباتهم. والشعر الأمازيغي بهذا شعر القضايا الإسلامية بامتياز، فقد تناغمت ألحانه وأوزانه مع آلام الثكالى وعبرات الأيتام أيام إبادة الصرب المتوحشين لمسلمي البوسنة والهرسك، وصبت قصائده والآلات الموسيقية لمغنيه جام غضبها على العدوان الأمريكي ضد العراق في حرب الخليج الثانية، وبكت ورثت قوافيه ومقاطعه شهداء الانتفاضةالأولى منذ انطلاقتها في دجنبر سنة 1987، وذرفت أعين الشعراء الأمازيغ ومحبيهم وجمهورهم، وما تزال، دموع الحزن والكمد على مهزلة العجز العربي في صد العدوان الصهيوني. ونحن مازلنا نعيش أنسام الذكرى الثانية لانتفاضة الأقصى، أحببنا أن نقدم للقارئ الكريم قراءة في قصائد شعرية أمازيغية تناولت أحداث هذه الانتفاضة المباركة، وبكت شهداءها، وتألمت لآلام ثكالاها وأيتامها، ونعت النخوة والشجاعة العربية والإسلامية. هذا مع العلم أن ترجمة معاني هذه القصائد لاشك ستضيع معها الكثير من معانيها ومؤثراتها، كما ضاع الكثير من هذه المعاني والمؤثرات مع طريقة أدائها وألحانها بعد إنزالها جافة على الأوراق.
وحشية الصهاينة على مرآة القصيدة الأمازيغية برع الشعراء الأمازيغ في تصوير وحشية اليهود وحيوانيتهم، وأبان العديد منهم في قصائدهم عن متابعة دقيقة لتفاصيل القضية الفلسطينية ومستجداتها، وعن تجاوب كبير مع أحداثها ومجرياتها. فقد جاء في إحدى القصائد التي أبدعتها مجموعة "إنشادن" (الشيخ البوغلي ومجموعته)(الشيخ: كلمة أمازيغية تعني الشاعر المنشد)
ترجمة: مصيبة فلسطين لا عزاء لها إلا بنصر من الله كيف يواجه ذو الحجارة الأسلحة المتطورة ألم تروا اليهود قتلوا الرجال وقتلوا النساء من كان في صدره حرقة فلا شك أنه سيصاب بالاكتئاب
ونجد في مقطع آخر من نفس القصيدة تصويرا بليغا ومؤثرا لجرائم حفدة القردة والخنازير في حق الشعب الفلسطيني:
ترجمة: تابعنا على القنوات كلها المجازر في فلسطين قتلوا الشيوخ وكم من الصبيان رحلوا إلى القبور وكم من الثكالى جنن من شدة البكاء رب أم مكلومة لم تلق ولو نظرة أخيرة على ابنها
وفي قصيدة أخرى لشاعر آخر، وهو "الشيخ الزهراوي"، جادت قريحته بنقل بارع لمشاهد الرعب والخوف في فلسطين، ممزوجة بحنق بالغ على المسلمين وموقفهم المتفرج:
ترجمة: أيها المسلمون أصبحتم أضحوكة اليهود انظروا إلى غمة ومحنة إخوانكم غزاهم الأنذال وشردوهم منهم من آوى إلى الجبال واختبأ في الكهوف ومنهم من أحرقوا عليه منزله ومنهم من مات وخلف الأيتام صيروهم أشلاء ودفنوهم بملابسهم لم يعد الأطفال يرون آباءهم على قيد الحياة كم زوجة خطفوها تاركة أبناءها وزوجها لا يملك إلا النظرات والحسرات أيها المسلمون أصبحتم أضحوكة اليهود من لا تهزه الغيرة عندما يقتل إخوانه فذاك قلبه أصم من الحديد
ولأن المجال لا يتسع، فلن نستطيع استعراض مشاهد وصور أخرى لها دلالات عميقة ومؤثرة، وحسبنا من هذه الأمثلة أن الشاعر الأمازيغي برع في تصوير وحشية الصهاينة، ونقل مأساة إخوانه الفلسطينيين.
قتل جمال الذرة: من أبشع صور الوحشية أجمع كل المتتبعين لجرائم الصهاينة في فلسطين أن منظر الطفل الشهيد محمد جمال الذرة وهو يستعطف الجنود الصهاينة الذين اخترقت رصاصاتهم جسده البريء، هو من أبشع ما وصم تاريخ الصهيونية، وكما تناقلت وسائل الإعلام الدولية صور هذه الجريمة، تناقلتها ألسن الشعراء الأمازيغ. ولنتأمل الأبيات التالية "للشيخ البوغلي" ومجموعة، وهي تستعيد شريط الجريمة البشعة:
ترجمة: لن أنسى منظر قتل محمد جمال الذرة تلك الليلة أقسم إن موته أشعل في قلبي نارا لن تخمد أبدا وحرقة، مصيبته لن ينساها من كان مسلما حقا لن أنسى منظر قتل محمد جمال الذرة تلك الليلة هذه الجريمة تبكي حتى الجبال لتذوب دموعا لن أنسى منظر قتل محمد جمال الذرة تلك الليلة كان يسير إلى جنب أبيه ولم يتوقع شيئا كانا يسيران معا، فإذا بالرصاص ينهمر عليهما ولما هاجمهما اليهود صار يصرخ ويبكي لم ينفع المسكين احتماؤه بأبيه ونال منه الرصاص اغتصبوا منه فلذة كبده بلا رحمة ولا شفقة صبرا أم جمال فقد غادر نحو القبور
ولاحظ أيها القارئ الكريم أن تكرار المشهد ووصفه الدقيق ينم عن صدق في التعبيروتأثر حقيقي غير مصطنع ولا مزيف، وإنما هو ترجمة لحزن شديد وتفاعل إلى حد التماهي، تفاعل وتعاطف يصوره مقطع من قصيدة أخرى لنفس المجموعة، بعبارات لا تقل شاعرية وبراعة في التجسيد:
ترجمة: فما بي اليوم إذ أبكي طفل جاء في الطريق فاعترضوه كان يمشي مع أبيه جنبا إلى جنب فصاح أنقذني يا أبي هؤلاء لن يتركوني واحتمى به لكنهم قتلوه غير مكترثين هذا الطفل أحرق قلبي كان مارا في الطريق لا يدري شيئا عائدا إلى بيته كي يعانق إخوانه ولم يكن يتوقع أن يعانق القبور
أحفاد القردة: من الذلة إلى الاستئساد بنو إسرائيل قوم خبثاء وجبناء، ملعونون، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله، هكذا وصفهم القرآن، وعلى هذا المنوال سار الشعراء الأمازيغ، فاليهودي في الثقافة الأمازيغية التي تمتح من الإسلام، يتصف بالمكر والخداع والجبن والضعف والذلة والصغار. غير أن يهود عصرنا استأسدوا واستولوا على مقدسات الأمة الإسلامية وقتلوا أبناء المسلمين وسبوا نساءهم واغتصبوا أراضيهم، وها هو الشاعر "الزهراوي" يترجم هذه المعاني في أبيات بديعة حزينة:
ترجمة: أرجوكم لا تسألوا عن حالي فلست على ما يرام قلبي يكاد ينفجر من الهم والغم لم يعد يحلو لي أكل ولا لهو ولا ضحك عندما أشاهد التلفاز أموت من الكمد أأصبح لليهود شأن وأصبحت لهم طائرات؟ ها هم غزوا أرض العرب واغتصبوها!!! أنظر إلى أولئك الكلاب الأنذال الذين عاشوا على الفتات أنظر إلى أولئك الذين كانوا مجرد إسكافيين كيف أصبحت لهم دبابات تطلق النيران؟
وفي مقابل هذا "العلو" الصهيوني اليهودي، يبسط "الشيخ الزهراوي" مذلة العرب والمسلمين وهوانهم وخورهم، ويستغرب كيف انقلبت الآية واختلطت الأوراق وظهرت المفارقة:
ترجمة: سبحان الله كيف انقلبت الموازين؟!! أصبح الفأر مستأسدا على القط!! وأصبح النسر يرتعد خوفا من الديك!! والأسد طرده الحمار من غابته ومملكته!! من يتأمل هذا الوضع المريب فلا شك سينتهي به الأمر إلى الحمق
أما "الشيخ البوغلي" ومجموعته، فقد ارتأى في إحدى قصائده حول نفس الموضوع أن يترك جانبا لغة الإيحاء والتشبيه، ليهاجم العرب والمسلمين، ويغضب من ضعفهم وسكوتهم بأسلوب مباشر وصريح:
ترجمة: أود أن ألوم كل العرب واحدا وحدا ما هذا السكوت؟ هل أقبرتم شجاعتكم وجرأتكم؟ من منكم يغير منكر اليهود يا مسلمين! ألا أطفئوا هذا اللهيب قبل أن ينتقل إليكم
وفي موضع آخر من نفس القصيدة نجد الشاعر يدعو العرب والمسلمين إلى الوحدة والتكتل من أجل مواجهة العدو:
ترجمة: لو توحدتم أيها العرب لمحونا عنا هذا العار ولو اتفقتم أيها المسلمون لانتهى أمر الملاعين لو تعاونتم لكنتم أنتم الأعلون أما وأنتم تتفرجون فها هم الأعداء يرتعون
واإسلاماه..!! واعلياه!!
وبقدر ما وعى الشاعر الأمازيغي خطورة الوضع في فلسطين، وبقدر ما وعى وحشية الصهاينة واستئسادهم واستعلاءهم، وبقدر ما وعى خور المسلمين وجبنهم، بقدر ما وعى أيضا أن هذا الجبن والضعف مرده إلى البعد عن دين الإسلام والتفريط في جنب الله، والتفريط أيضا في إرث الأجداد والصحابة وجيل الجهاد. يقول "الشيخ الزهراوي":
ترجمة: أما وقد ضعف إيمان العرب مثل المريض أما وقد أقصي القرآن وأسقط الدين حتى أصبح إسلامنا قشورا جوفاء فاستأسد أيها اليهودي علينا وانتقم ممن هم بجوارك ولا تخف، فليس هناك من يستطيع أن يواجهك أو يقاتلك فقد انقرض رجال الجهاد في هذا الزمان أما أولئك الذين كانوا يقطعونكم أشلاءا فقد واراهم التراب
ولا يملك "الزهراوي" في خضم هذا الجبن والهوان والوهن إلا أن يستنجد بأمجاد الإسلام، ويذكر اليهود بمعارك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
ترجمة: لا شك أنكم تذكرون عليا أيها الأنذال ذلك الذي جاهد فيكم وكسر شوكتكم ذلك الذي اجتث شجرتكم يا ليت الله أحياك يا سيدي علي يا ليتك تعود إلى الحياة ولو لأيام أريد أن تزيل عني هذه الغمة يا فارس الأدهم
وبدورها تذكر "مجموعة إنشادن" (الشيخ البوغلي ومجموعته)، بني قينقاع بجهاد علي وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وتتحسر على الأيام التي دانت فيها رقاب اليهود للمسلمين:
ترجمة: يا سيدي عليا لو تركت لحدك كي ترى يا ابن الخطاب اخرج من قبرك كي ترى أهل الذمة أصبحوا أسيادا على ذريتكم إنقلبت الآي ونسأل الله أن يرفع عنا هذا الظلم
ونختم للقارئ الكريم هذه الوقفات الشعرية الأمازيغية بنداء يوجهه "الشيخ الزهراوي" على لسان فلسطين إلى كل من له غيرة على الإسلام ومقدسات المسلمين، من أجل مساندة شعب مسلم يشرد ويباد، ومن أجل إنقاذ مقدسات إسلامية تدنس، إن كان في العرب والمسلمين بقية نخوة وعز:
ترجمة: فلسطين تبكي وتناديكم بالدماء أينكم أيها العرب، أم قد غلبتم؟!! لماذا انفضضتم عني وتركتموني؟ أيروقكم أن يعيث اليهود فسادا على أرضي؟ يضربون بالرصاص وأضرب أنا بالتراب أنى للجحارة أن تواجه الطائرات الموتى على أرضي كل يوم وشغلي الشاغل دفن الموتى وحفر القبور لا سلاح ولاقوة أجاهد بها العدو كأني شجرة تين وارفة مثمرة واليهود يقطفون ثماري بسهولة إلاهي أنت أعلم بحالي!! أيها المسلمون إني ألوذ بحماكم!! أليس نبينا واحدا وأعراقنا واحدة ؟ من لم ينجدني في هذه المصيبة فليس من الإسلام في شيء.