طارق فرحات صحفي خبير في الجماعات الإسلامية الجهادية وعضو في المركز الدولي للأبحاث والدراسات حول الإرهاب، له خمسة كتب عن هذه الجماعات، وهو يعد حاليا كتابا عن تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، الكتاب سيصدر في شتنبر المقبل..خاصة وأنه سبق له وأن أجرى مقابلتين صحفيتين مع بن لادن في منتصف التسعينات.. الزميلة رشيدة حراك التقته بباريس وأجرت معه هذا الحوار الخاص لأون مغاربية.. كان لك لقاءين مع أسامة بن لادن زعيم القاعة المتوفى، حدثنا عن هاذين اللقاءين؟ كان لي مع أسامة بن لادن لقاءين، اللقاء الأول كان في السودان سنة 1995 على هامش المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، حين ذاك لم يكن أسامة بن لادن الإرهابي المطلوب دوليا. والمرة الثانية سنة 1996، أيضا في نطاق مؤتمر يتعلق بالإسلام والحركات الإسلامية بشكل عام حضرته كل الأحزاب الإسلامية من كل العالم بما فيهم جماعة العدل والإحسان المحظورة في شخص زعيمها الشيخ ياسين، وبعض الجماعات من الذين ألفوا فيما بعد الجماعة الإسلامية المقاتلة التي كانت في المغرب وانتقلت إلى ليبيا والجزائر. في تلك الفترة كان أسامة بن لادن معروفا بالجهاد في أفغانستان والجهاد ضد السوفيات والولايات المتحدةالأمريكية وزرع المشاكل في الدول المغاربية، وبالأخص في الجزائر، حيث كانت علاقته بهذه الأخيرة جد سيئة، وكان يعمل على تأسيس الجماعات الإسلامية آنذاك في الجزائر. كانت سنة 1996، سنة فاصلة بالنسبة لأسامة بن لادن، كان إرهابيا في مصطلح وقوائم الدول، لكن لم يكن ذلك الإرهابي المعروف من قبل الشارع العام، أي المواطن البسيط. كيف وجدت شخصية بن لادن من خلال لقائك به؟ أسامة بن لادن كشخص كان منفتحا على الحديث بشكل عام مع الكل، صحيح أنه لم يتم التركيز عليه آنذاك من قبل الصحافيين لأنه لم يكن معروفا لذى العديد منهم، لكن الصحافيين الخبراء في مواضيع الإرهاب الدولي، والحركات الإسلامية الجهادية، كانوا يعرفون من هو أسامة بن لادن. في المؤتمر الإسلامي لسنة 1996 كانا هناك صحافيين اثنين فقط يعرفان أسامة بن لادن وتحدثنا إليه، أنا وجمال خاشقجي صحفي سعودي، وذلك بحكم تتبعنا للحركات الجهادية الإسلامية والجماعات الإسلامية بشكل عام. بالعودة إلى شخصية أسامة بن لادن فالذي عاش معه هو من يمكن أن يعرف خبايا شخصيته وكيف هو تحديدا، لكن ما لاحظته من خلال لقائي به أنه كان ظريفا، وهادئا، وبسيطا، لم يكن ذلك الشخص المتوتر. بن لادن كان يجيد الحديث مع الآخرين، وله أسلوب خاص في الحديث مع الصحافة. لكن ما يمكن القول عن هذا الشخص أنه كان شديد الحذر، ولم يكن يأتمن أحدا، والدليل على ذلك الطريقة التي عاش بها، طريقة تخفيه، وطريقة تنقله وغير ذلك. حتى أنه في الفترة التي التقيته فيها، وحينها لم يكن مطاردا كإرهابي أو كزعيم لتنظيم إرهابي، كان الوصول إلى أسامة بن لادن يتطلب 10 أو 15 يوما. فهو لم يكن من السهل الوصول له أو الحديث معه. قلت أن أسامة بن لادن لم يكن يأتمن أحدا، هل تقصد بكلامك أنه كان حريصا حتى مع المقربين إليه ؟ لم يكن من السهل أو المسموح بالدخول على بن لادن وأنت تحمل حقيبة يد مثلا، حتى الساعات اليدوية والخواتم كان محظور الدخول بها عليه، كما أن مرافقيه وحراسه الشخصيين كانت مهمة كل واحد منهم مراقبة الآخر. ذكرت في إحدى حواراتك الأخيرة مع الصحافة الفرنسية أن أحد اللقاءين مع أسامة بن لادن أستغرق ثماني ساعات، كيف عشت هذه المدة في ضيافته؟ الثماني ساعات لم تكن متواصلة، حيث كان أسامة بن لادن يتحدث إلي بعض الشيء ثم يتركني ويذهب لقضاء حاجة أو إجراء مهمة، ثم يعود لنكمل حديثنا. فهو في تلك الفترة كان مشغولا جدا بلقاءات مختلفة مع قادة الحركات الإسلامية التي حضرت المؤتمر، حيث كان هناك 860 مدعوا. كان الموضوع الذي ركز عليه أسامة بن لادن في حديثي معه آنذاك هو كيفية إجراء وتشكيل ما سمي في ما بعد "الإسلامية العالمية"، وهي تشكيل لنواة ما عرف من بعد ب"الجبهة ضد اليهود والصليبيين" ومحاربتهم. خلال هذا المؤتمر تم تأسيس ما سمي "الأممية الإسلامية"، وهي موضوع مؤتمر السودان لسنة 1996. قلت أن شخصية أسامة بن لادن شخصية ظريفة؟ هل كان صاحب نكتة؟ لا لم أقصد أنه صاحب نكتة، لكن كانت له طريقة عجيبة في الرد على محاوريه، فهو لم يكن يعطي إجابات مباشرة، فقد كان يترك للآخر المجال للتفكير في أجوبته وتحليلها بطريقته. بمعنى أن تأخذ ما تريد من كلامه وتترك ما لا تريد. وكانت له طريقة جد لبقة في التخلص من سؤال لا يريد الإجابة عنه. بصفتك خبير في الجماعات الإسلامية المقاتلة وتحديدا تنظيم القاعدة، هل مقتل أسامة بن لادن كان بسبب خيانة من المحيطين به أم بسبب ضعف في التنظيم، أم ماذا بالضبط؟ بخصوص الأكاذيب الأمريكية وكل ما سيق حول كون أيمن الظواهري هو ما كان خلف تصفية أسامة بن لادن، أو أن مسؤول القاعدة في الجزيرة العربية هو من كان وراء ذلك، أو الباكستاني، أو أو... كلها أكاذيب أمريكية. فكما شاهد العالم وعلى مدار 24 ساعة كان هناك كم هائل من التصريحات المتناقضة من مسؤولين أمريكيين بخصوص عملية تصفية بن لادن. الموضوع أن كشف مخبئ أسامة بن لادن وقتله تم بتعاون بين المخابرات الباكستانيةوالأمريكية لا غير. هناك معلومة لم تنشر لحد الآن وهي أن أسامة بن لادن كان موجودا في باكستان من تاريخ يونيو(حزيران) 2002 . كيف إذن لم يكشف عليه طيلة هذه المدة، وكيف سمح له أن يشتري عقارات بباكستان، وأن يلقي خطابات وتصريحات من خلال أشرطة تقول المخابرات الأمريكية أنها تتوصل بها من وقت للآخر. المنطق يقول أنه من المستحيل الوصول إلى بن لادن في مدة 24 ساعة. والحقيقة أن عملية تصفية أسامة بن لادن كانت منتهية منذ مدة، حيث أن تحليل حمضه النووي لا يمكن إجراءه خلال مدة 6 ساعات، وأمريكا تقول أن عملية الكشف عن مخبئ بن لادن وتصفيته وتحليل حمضه النووي كلها تمت خلال 24 ساعة, كما أن الصور التي نشرت عن ما سموه مرافقي أسامة بن لادن الذين تم قتلهم في العملية هي لقتلى باكستانيين. كلها أدلة تكشف الكذب الأمريكي. معنى هذا أنك تشكك في مقتل بن لادن؟ أسامة بن لادن قتل والدليل على ذلك شهادة ابنته وزوجته، لكن لم يكشفوا عن تاريخ مقتله، بل قالوا أن أسامة بن لادن تمت تصفيته، وزوجته قالت لقد أصيب إصابة بليغة في رأسه. كما أن المخابرات الباكستانية أكدت بشكل غير مباشر على أن أسامة بن لادن لم يقتل في بداية شهر مايو الحالي، وقالت زوجة أسامة بن لادن قريبة من أن تشفى، وهي التي أصيبت صبية ذلك اليوم بطلقة نارية في رجلها حسب ما صرحت به أمريكا. هل الإعلان عن مقتل بن لادن في هذه الفترة له علاقة بما يحدث الآن في الدول العربية من انتفاضات شعبية؟ الحقيقة هو أن أمريكا اختارت هذه الفترة الزمنية تحديدا للإعلان عن مقتل أسامة بن لادن لكي يمر مقتله مرور الكرام كما نقول، وحتى لا يصبح بن لادن تشي غيفارا للشعوب العربية الإسلامية. ويشكل بذلك خطورة على أمريكا وحلفائها. كما أنه لم يعلن عن المكان الذي دفن فيه لكي لا يصبح محج لكل أتباعه ومؤيديه. الخطأ الفادح الذي ارتكبته أمريكا ولم تحسب له حساب في هذا الموضوع التنكيل بجثة أسامة بن لادن ونشر صوره. نفس الخطأ الذي ارتكبته في مقتل صدام حسين، حيث أرادوا من خلال مقتله توحيد المعارضة العراقية حول حكومة المالكي لكنهم فشلوا. برأي أن التنكيل بحثة بن لادن ونشر صوره سيساهم في توحيد الجماعات الجهادية في المنطقة. حيث أن هناك جماعات لم تكن مع تنظيم القاعدة مثل الكشمير الذين انظموا فور الإعلان عن مقتل بن لادن إلى تنظيم القاعدة، واصبحوا يطالبون بالانتقام لأسامة بن لادن. أعود لسؤالك، الإعلان عن مقتل بن لادن في هذه الفترة تحديدا، هي استراتيجية امريكية الغاية منها الفصل بين الحركات الثورية الشعبوية في مصر وتونس مع بعض التشكيلات السياسية في حال وصول الإسلاميين إلى السلطة، بحيث ألا يكون هناك امتداد للجماعات الجهادية أو الجمعات الإسلامية التي يمكن أن تصل إلى السلطة في تونس ومصر.