في زمن تتصاعد فيه النقاشات حول العلاقة بين الدين والسياسة في المجتمعات الإسلامية، يبرز تصريح الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: "لا يمكن للمسلم أن يكون علمانيًا" كواحد من المواقف الحاسمة التي تؤطر النقاش في المغرب. هذا التصريح، الذي يُنظر إليه باعتباره مرجعية فكرية وسياسية، يعكس تعقيد العلاقة بين الهوية الدينية والسياسية في بلد يجمع بين العمق الإسلامي والتطلعات الحداثية. الحسن الثاني، بصفته ملكًا وأميرًا للمؤمنين، لم يكن مجرد حاكم سياسي، بل كان رمزًا للسلطة الدينية التي تجمع بين الشرعية الدينية والتقليد التاريخي في المغرب. تصريحه هذا جاء في سياق مواجهة التيارات الفكرية التي قد تُفهم على أنها محاولة لفصل الدين عن الدولة. بالنسبة للحسن الثاني، الإسلام لم يكن مجرد دين فردي، بل هو منظومة شاملة تُنظم حياة الإنسان، وتوجه السياسة، وتحمي الهوية الثقافية للمجتمع. العلمانية، بمعناها الغربي الكلاسيكي الذي يفصل بين الدين والدولة، كانت دومًا محل نقاش في العالم الإسلامي. إلا أن هذا النموذج لا يمكن نقله كما هو إلى السياقات الإسلامية التي ترتكز على مرجعية دينية قوية. بالنسبة للحسن الثاني، أي دعوة للفصل التام بين الدين والدولة تُعتبر ضربًا للهوية المغربية التي ترتكز على الإسلام كمرجعية أخلاقية وتشريعية. في ضوء تصريح الحسن الثاني، تُثار تساؤلات حول الخطاب الديني الرسمي اليوم، خاصةً إذا شابته ملامح ديماغوجية تسعى للتوفيق بين متناقضات، كالحديث عن علمانية ناعمة أو توجيه رسائل تغازل الخطابات الغربية على حساب الثوابت الإسلامية. وزير الأوقاف، كجزء من المؤسسة الدينية، يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على ثوابت الأمة، وعدم الانجرار إلى مفاهيم قد تُضعف الهوية الدينية أو تفتح المجال لتأويلات مضللة. التاريخ المغربي زاخر بالأمثلة التي تُظهر توازنًا دقيقًا بين الانفتاح على العالم الحديث والحفاظ على الثوابت الدينية. إلا أن هذا التوازن يمكن أن يختل إذا ما تم استخدام الدين كأداة خطابية بدلاً من كونه مرجعية ثابتة. تصريح الحسن الثاني يمكن قراءته اليوم كتنبيه مستمر بضرورة الحذر من السقوط في فخ الخطابات المتناقضة التي قد تُضعف شرعية المؤسسات الدينية والسياسية في آنٍ واحد. ما قاله الحسن الثاني بأن المسلم لا يمكن أن يكون علمانيًا ليس مجرد مقولة عابرة، بل هو دعوة لفهم الإسلام كمنظومة حياة لا يمكن فصلها عن المجال العام. على المسؤولين الدينيين اليوم، وخاصة في ظل التحديات الفكرية والثقافية المعاصرة، أن يتبنوا خطابًا واضحًا وصادقًا يعزز الهوية الإسلامية للمجتمع، ويحافظ على التوازن الذي لطالما كان ميزة فريدة للمغرب.