رئيس برلمان أمريكا الوسطى يؤكد بالعيون أن المغرب شريك استراتيجي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    أسعار الذهب تبلغ أعلى مستوى لها على الإطلاق    هل هي عزلة أم إقامة إجبارية دولية: هكذا تخلت القوى الكبرى ‮ والدول الصغرى أيضا عن دولة العسكر في الجزائر!    شرطي يُطلق رصاصة تحذيرية لإحباط محاولة فرار سجين من داخل مستشفى    المتصرفون التربويون يحتجون يومه الخميس ويهددون بالاستقالات الجماعية من جمعية دعم مدرسة النجاح    المكتب الوطني للمطارات: منطقة مغادرة جديدة بمطاري مراكش- المنارة وأكادير- المسيرة    فرنسا توسع خدماتها القنصلية في الأقاليم الجنوبية: مركز جديد لمعالجة التأشيرات بمدينة العيون    نبيل باها يعتبر بلوغ نهائي كأس إفريقيا للفتيان فخرا كبيرا    بلقشور: إصلاحات "دونور" غير مسبوقة والمركب في أفضل حالاته    ثمانية أشهر فقط تفصلنا عن الطي النهائي لنزاع الصحراء؟    تساهم في تفشي معدلاته المخدرات، التفكك الأسري، الألعاب الإلكترونية وغيرها .. تلاميذ وأطر إدارية وتربوية تحت رحمة العنف في مؤسسات تعليمية    والدة بودريقة أمام الوكيل العام بتهمة سرقة 700 مليون من خزانة شقيقها المتوفى    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    ملاحظات عامة عن المهرجانات السينمائية المستفيدة من دعم الدورة الأولى لسنة 2025    أنشطة سينمائية بعدد من المدن المغربية خلال ما تبقى من شهر أبريل    «أجساد في ملكوت الفن».. عبد العزيز عبدوس يفتح نوافذ الذاكرة والحلم بطنجة    كرواتيا تشيد بريادة الملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس    الركراكي: "الكان" يحدد مستقبلي    أوراق مؤتمر "بيجيدي" تتمسك بالمرجعية الإسلامية والصحراء وفلسطين    الأرصاد: رياح قوية وزوابع رملية تجتاح مناطق واسعة من المغرب    طعنة في قلب السياسة : لماذا اعتدى شاب على نائب عمدة سلا؟    عمال الجماعات المحلية يعلنون إضرابا واحتجاجا أمام البرلمان بسبب تجاهل مطالبهم    المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة ينظم يومًا مفتوحًا لفائدة تلاميذ وطلبة جهة الشمال    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    حادثة سير خطيرة تودي بحياة شاب بأكادير    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو لتعزيز الطلب المحلي في مواجهة التوترات التجارية مع واشنطن    "Prev Invest SA" تنهي مساهمتها في رأسمال CFG Bank ببيع جميع أسهمها    بين وهم الإنجازات وواقع المعاناة: الحكومة أمام امتحان المحاسبة السياسية.    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    حكيمي: "الحقيقة أننا لا نهتم بهوية منافسنا.. لأنه للفوز بدوري أبطال أوروبا عليك أن تواجه الأفضل"    المنتخب الوطني المغربي للمواي طاي يشارك ضمن فعاليات البطولة الإفريقية بطرابلس    شهادة مؤثرة من ابنة مارادونا: "خدعونا .. وكان يمكن إنقاذ والدي"    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب أستراليا    وقفات احتجاجية في مدن مغربية ضد التطبيع واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    مطالب متجددة بوقف استخدام موانئ المغرب لرسو "سفن الإبادة"    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    "جيتيكس إفريقيا".. توقيع شراكات بمراكش لإحداث مراكز كفاءات رقمية ومالية    وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة وشركة "نوكيا" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الابتكار المحلي    أسعار المحروقات تواصل الارتفاع رغم تراجع أسعار النفط عالميا    أسعار صرف العملات اليوم الأربعاء    المغرب يعزز درعه الجوي بنظام "سبايدر".. رسالة واضحة بأن أمن الوطن خط أحمر    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرعية الشعبيّة صمّام أماننا ..
نشر في أون مغاربية يوم 04 - 03 - 2012

زغلول النجار، عمرو خالد، صفوت حجازي، وجدي غنيم والبقيّة في الطريق.. كوكبة من الدعاة تتوافد تباعا على تونس، ومع ارتفاع حدّة الخطاب وصرامة المُحاجّة لدى الداعية ترتفع الأعداد التي ترتاد خطبه ومحاضراته، والمتابع للمشهد سيكتشف سريعا بأنّه ليس أمام جماهير عطشى للرقائق والمواعظ تتوق إلى نفحات الإيمان النديّة ومجالس العلم الغضّة التي طمستها جائحة تجفيف المنابع، بل هو أمام جماهير منهمكة في المغالبة ، ذلك لأنّ جلّ الجموع المتدفقة حينا والمتدافعة أحيانا نحو أفنية القاعات وأبهاء المساجد.. لا تطلب المعلومة الدينيّة والكلمة النافذة إلى القلب بقدر طلبها لألفاظ قويّة وشهب من الجمل الناريّة التي يمكن أن تغالب بها حالة من الاستفزاز أوجدها صائلا مخالفا بل مناقضا لها، هذه الجحافل التي يُشكّل الشباب سوادها الأعظم سوف تمضي بعيدا في بحثها عن دعاة حناجرهم أقوى وألسنتهم أطول وكلماتهم أحدّ حتى يتمكّنوا من ترجيح الكفّة أمام مشاهد سينمائيّة لا تعترف بالله ولا بسيدي وأمام مقاطع تلفزيّة عمدت إلى صورة "الربّ" فجسّدتها، وأمام صحف متحررة اتسع صدرها إلى صدور الشقراوات وتفسّحت صفحاتها في نشر اللحم الأحمر في الأكشاك وعلى قارعة الطريق وأمام حالة إعلاميّة ما فتأت تقرع طبول الفشل متطوعة لخدمة نخبة تسعى جاهدة لإتلاف أيّ محصول تنمويّ أو سياسيّ، وإن كانت هذه النخبة تعي جيدا ما هي بصدده الآن فإنّها لا تملك قطمير وعي بنتاجه وتداعياته على مستقبل بلادنا.
إنّ ما يحدث اليوم في تونس هو أمر في غاية الخطورة، فنحن أمام ثلّة من المراهقين السّياسيّين استهوتهم لعبة الأزرار القاتلة وتملّكهم سراب من الغرور فصوّر لهم اعتقادهم القاصر أنّه مثلما يمكنهم إشعال النّار يمكنهم كذلك التحكم في مساحة الحريق والتحرّك به في الاتجاهات التي يريدونها وكذا تحديد إقامته وإخضاعه للتوقيت الذي يتماشى ونزواتهم السّياسيّة، ولو أطفأوا نار الحقد وأضاءوا نور بصيرتهم لاقتنعوا بأنّ ما تسببه أعقاب السجائر قد تفشل في السيطرة عليه فرق مدججة من رجال الإطفاء المَهَرة ، لهذا ومن أجل أن نتجنّب الأسوأ، على بعض المبادئ الدنيا التي لا غنى لنا عنها أن تسود داخل المجتمع وتُعمّم على مكوّناته ونسيجه ، ولعلّ أهمّ ما يجب التوافق عليه أنّ الاختلاف والخلاف والتبيان والتنافر وحتى الكره والتباغض كل هذه المعاني وإن اجتمعت وتعاضدت لا يجب بحال أن تكون مؤهلة لسحب الشرعيّة والعبث بتركيبتها وإعادة إنتاجها بأشكال مشوّهة تغلب عليها الانتهازيّة ومبدأ "أنا أو الطوفان".
لقد أنفقت البشريّة قرونا ، وقدّمت ملايين القرابين من أجل أن تصل إلى صيغة سلسة ليّنة تفرز بموجبها الجماهير طبقتها الحاكمة ، وقد ترقّبت تونس طويلا دورها من هذا المنتوج البشري الفعال حتى أدركت محطة الرابع عشر من أكتوبر فمن الصنهاجيّين إلى الموحّدين ومن الحفصيّين إلى الحسيّنيين وصولا إلى البايات والمراقبين والزعيم والجنرال ..وأهل هذه البلاد يحلمون بلحظة رحلوا ولم يدركوها ، وأدركناها نحن اليوم، اختُزلت أحلامهم في حلمنا لكن بعض قومنا يصرّون على تبذير هذه اللحظة وطمس مزاياها وإخبات بريقها.
إنّ كل المحاولات المشبوهة لإيجاد بدائل لخيارات الجماهير ولتمييع دور الصناديق ستكون عواقبها جدّ وخيمة، وكل الذين يجهّزون خلطات ومستحضرات بديلة للشرعيّة يجب عليهم أن يتيقنوا أنّهم بفعلتهم تلك يكونوا قد دفعوا أطرافا أخرى لتسرع بدورها في إعداد خلطاتها ومستحضراتها وإن كانت بعض النخب اعتلت منصّات الإعلام والفضاءات النقابيّة والثقافيّة وشرعت في قصف الشرعية فإنّ نخبا من نوع آخر اعتلت منصّات المنابر وشرعت في قصفهم وقصف الشرعيّة معهم، والذين سيطروا على منابع المجتمع المدني ولوّوا عنقه ثم استعملوه من أجل خلق شرعيّة بديلة مشوّهة سيواجَهون بمن يسيطر على منابع المقدّس ويلوي عنقه من أجل خلق شرعيّة تحشد لنفسها كوكبة من النصوص الموجّهة وتستعمل المقدّس لتضفي القداسة على فعلها.
كل تلك الجماعات والأفراد والهياكل المسكونة بهاجس إعادة التأسيس وتحييد ثقافة وتركيب أخرى واجتثاث سلوك وزرع آخر وتقليم الهوية والتخفف من ركائزها وتأهيلها لاستقبال الغريب والشاذّ أو شحنها بجرعات ثقيلة ومركزة.. كل هؤلاء وأولئك لم يقدّروا هذا الشعب حق قدره وأسرهم الغرور حين اعتقدوا أنّ الشعب الذي شكّل ثقافته وهويته من عمق التاريخ وجمعها بهدوء عبر حقب طوال بإمكانهم اليوم تفكيك ما أنتجته القرون واستبداله بما أنتجته أذهانهم في لحظة خمره أيديولوجيّة ذات جرعات عالية وفي غفلة من أبسط أبجديات المنطق والمعقول.
وحده احترام هذا الشعب سيمكّننا من إنجاز العبور وليس من بديل أمام الجميع إلا المزيد من تثمين واحترام وتبجيل إرادة الجماهير وعلى كل مكوّنات المجتمع أن تتدافع برفق من أجل الصالح العامّ وأن لا تقدّم نفسها على أنّها سفينة النجاة الوحيدة راكبها ناج وتاركها هالك ولابد من التأكيد على ثقافة الاحتكام إلى الشعب وتثبيت ذلك في العقول والقلوب والقطع النهائي مع البدائل الإلتفافيّة، فالذين أسّسوا لداء النسخ ويتسابقون اليوم لنسخ شرعية الجماهير بشرعيّة الحداثة والتنوير هم بذلك يقدّمون الذرائع على طبق من ذهب للآخر كي يستعمل فهمه للمُقدّس في نسخ الجميع.
إنّ الرايات الحمراء التي تجتهد اليوم في إسقاط رايات الشعب هي من حيث لا تشعرتستفز وتستدرج وتُهيّيج راياتا خضراء داكنة تلك التي تُجمل ولا تُفصّل،
تتحرك فلا تقف إلا إذا أتت على الأخضر واليابس.. يا أنتم هنا في تونسنا فتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.