انتهى القذافي كما عاش بصورة دموية ووحشية. مات القذافي مقتولا غارقا في دمائه يشمت به الثوار وبجثته الهامدة. عاش حياة مليئة بالاستعراضات وحب الذات ومات في استعراض استثنائي مثير. اثنان وأربعون عاما قضاها معمر القذافي حاكما لليبيا، كان حاكما لها بدون لقب ولا منصب رسمي، ولكنه حول ليبيا إلى حالة بائسة ومشوهة تعكس نفسه وأهواءه الغريبة. ليبيا في زمن القذافي لم تعد دولة بالمعنى المتعارف عليه، ولكنها باتت أشبه بالسيرك الكبير المليء بالاستعراضات المثيرة والمجنونة على مشاهد من الرجل والخطر والخيال، وكذلك من الكوميديا والهزل، وإذا كانت ليبيا السيرك الكبير، فمعمر القذافي كان مهرجها الأول ولكنه كان مجرما بامتياز؛ حكم بالحديد والنار ولم يرحم ولم يعدل، أفرغ بلاده من المواهب والأمل ودمر الكرامة فيها وبات الليبي يخجل من ذكر موطنه لأنه حتما بات ذلك مرتبطا بذكر معمر القذافي. حكم بالطاغوت والطغيان وبدد ثروة بلاده، لعب بدجل القومية العربية وتحول إلى القومية الأفريقية، كان يتسلى بالسياسة لأجل إرضاء غروره ونرجسيته المجنونة. كل المواهب الليبية «هربت» للخارج لأن بلادها لن تسمح لها بالبقاء فيها.. الروائي أحمد الفقيه خرج، والمفكر الصادق النيهوم خرج، والمصرفي عبد الله السعودي خرج، والإعلامي محمود شمام خرج، والموسيقار ناصر المزداوي خرج، والرياضي طارق التائب خرج، كلهم وغيرهم هربوا لأن بلادهم تحولت إلى جهنم بحراسة القذافي. وكانت نهاية القذافي الدموية مناسبة لحياته المجنونة، فالعبث الذي كان يمارسه وهو أشبه بحقل تجارب لأهوائه دفع ثمنه جيل وراء جيل من الأبرياء في ليبيا. فكان «الكتاب الأخضر» الذي تحول إلى سحر أسود على الناس، ولم يفهم حقيقة القذافي إلا أناس مثل أنور السادات الذي كان يصفه ب«الواد المجنون بتاع ليبيا»، ورونالد ريغان الذي وصفه ب«كلب الشرق الأوسط المجنون»، على عكس شخصية نرجسية أخرى مثل جمال عبد الناصر الذي زرع بذرة الدمار في رأس معمر القذافي حين وصفه قائلا «إني أرى فيك شبابي.. وأنت أمين القومية العربية»، وهو الكلام الذي أسكر القذافي لعقود من الزمن. ليبيا تخلصت من كابوس القذافي وأولاده وزمرته المضللة لتتحول اهتمامات الناس اليوم إلى بناء الدولة وترتيب أوضاعها بعد سنوات الضياع القذافية، وهو تحد غير بسيط ودقيق ولكنه مهم ومطلوب. بوصلة الأحداث ستتحول إلى دمشق حيث يقبع نظام دموي متسلط آخر يترنح تحت أقدام شعبه الثائر على ظلمات النظام الذي اعترفت ليبيا الجديدة بالمجلس الوطني السوري كنظام شرعي بديل له، سوريا الأسد التي أرسلت 29 طيارا كمساعدة للقذافي في ضرب شعبه بالطائرات تستعد للتحرر من نظام قمعي دموي لا يرحم. القذافي بدأ بعثيا في أول حياته لينتهي مطاردا في جحر ماسورة المجاري مثل البعثي صدام حسين، وقد يكون ذلك نبوءة للبعثي بشار الأسد الذي لا يزال يقتل ويدمر في شعبه المطالب بالحرية والكرامة. وما حدث في ليبيا عبرة جديدة وآية من آيات الله في نزع الملك، والثأر للمظلوم من كل جبار وطاغية، وما حدث لصدام وبن علي ومبارك والقذافي حتما سيحدث لبشار الأسد ونظامه، فتلك سنة الله في الكون ولن تجد لسنة الله تبديلا. رقص المؤيدون مجبورين للقذافي في الساحة الخضراء بطرابلس قبل هروبه، وكذلك اليوم يفعلون في دمشق وحلب.. إنها رقصات الوداع لنظام دخل الحشرجة. هنيئا للحرية بليبيا، وكل الأماني والدعاء لسوريا بأن تنال ما تستحق من كرامة وحرية وعزة بلا نظام يهين أهلها. ليبيا والقذافي فصل انتهى من الهزل.. وفصل جديد من الأمل.