فضيحة ابن الصديق أو "ابن الصديق غيت" على غرار "إيران غيت" و"ووتر غيت"، ليس هذا العنوان مبالغة من كاتب يتقصد الإثارة والتشويق، ولكنه للأسف العنوان الأصدق في التعبير عن حقيقة الفضيحة التي فجرها المهندس أحمد بن الصديق الموظف والإطار السابق بمؤسسة "صندوق الإيداع والتدبير" حين خرج بها إلى فضاء الإعلام، فكل الوقائع والأحداث والتفاصيل تفيد أننا أمام فضيحة فساد كبرى، كبرى بقدر معاناة صاحبها، كبرى بحجم الفساد المعشش في جنبات المؤسسة الملكية، كبرى بما تحمله من مفاجآت وحقائق. وهذه الفضيحة كالشجرة التي تخفي غابة الفساد في المغرب الضاربة بأطنابها في الإدارة المغربية وفي قطاعات المال والأعمال وفي بلاط الملك وحاشيته، والفرق الذي أحدثه هذا الرجل الشجاع أنه: 1- نقل معركته مع الفساد من مناطق الضلال الرمادية إلى موقع تحت الشمس، فالقضية أكبر من ابن الصديق وأكبر من المؤسسة التي كان ينتمي إليها، هي قضية بلد ينخره الفساد بشكل سرطاني من قمته إلى قاعدته. 2- وأنه لم يكن ممن آثروا السلامة فهاجر إلى كندا كأترابه من الأطر، تاركا للمفسدين الجمل بما حمل. 3- أنه لم يختر الحل الأسهل الذي هو الصمت واللامبالاة والمهادنة والتملق أو استخدام العلاقات والقرابات والوساطات ليحل المشكل، لأنه اعتبر القضية أهم من شخصه وأكبر منه، فحولها من قضية موظف مع مؤسسته إلى قضية مواطن من أجل وطنه، وحينها استحق من كل الشرفاء الدعم والمساندة والثناء. ومما يحسب لهذا الرجل أنه حينما اكتشف حقيقة أن المؤسسة الملكية راعية للفساد إما بصمتها أو مشاركتها جهر بالحقيقة الكاملة وجأر بها، رافضا أن يخادع نفسه أو يخادع الناس. فصارت قضيته قضية المغاربة عموما ضد الفساد والمفسدين، ضد أعداء المغرب الذين يكرهون النجاح والناجحين، ضد كل من يئدون روح المبادرة ويقتلون الإبداع ويتفنون في إقبار كل إرادة شابة للتغيير والتطوير. والقصة –لمن لا يعلم- بدأت بلقاء مع الملك وانتهت برسالة إلى الملك، بدأت من رسالة سطر المهندس في طغرتها "مولاي أمير المؤمنين، أتوجه إليكم لأعبر عن مرارة الظلم والإهانة بعد اللامبالاة التي قوبِلَت بها كل صرخاتي ومراسلاتي إلى الجهات الرسمية وإليكم 1" وانتهت برسالة دبجها بقوله:" أيها الملك، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، إذا بقي بعد 20 فبراير بقية من معنى أو أثارة من جدوى لمفهوم البيعة التي تربط الملك بالمواطنين، فإنه يؤسفني أن أخبرك أني قد خلعت بيعتك من عنقي، بعدما يئستُ من عدلك، ألا يصبح لاغيا كل عقد لا يلتزم أحد أطرافه بواجباته ويصر على تجاهلها؟2". بين البداية والنهاية قصة مريرة من الأسى والألم والمعاناة والتهديد والوعيد، ومسلسل طويل من النضال بدأ بمراسلات متتالية إلى ديوان الملك ومر بالإضراب عن الطعام والاعتصام، وانتهى بإعلان خلع البيعة في رسالة شهيرة مثيرة. بداية ساذجة هي ككل البدايات وآمال عراض وأمان معسولة كما اعترف المهندس ابن الصديق، فقد كان يظن المسكين -ككل البسطاء المبسطين- أن الملك يدير الأمور ويدبرها ويسيطر على الزمام ولكنه بعد التجربة، وسل مجربا، خلص إلى القول أن :"صمتَك أجابني فأدركتُ أن الخلل يكمن في تصوري الساذج وذهني المغفَّل، نعم لقد زكيتَ الجبن والخبثَ وحميتَ اللصوص والقراصنة أيها الملك، تماما كما خذلت قبلي القبطان مصطفى أديب عقابا على نزاهته، ثم رئيس البنك خالد الودغيري إرضاء لرغبة انتقام لدى منيرك الماجيدي في استغلال بشع للقضاء والعدالة". درس كبير يتعلمه البسطاء الحالمون، لعلهم يفيقون على حقيقة أننا أمام "مؤسسة للفساد" برجالها وقوانينها وحماتها وأسرارها، التي تكشف لابن الصديق بعضا من جوانبها، وإلا ما خفي كان أعظم وأظلم، وقد ساق لنا شهادات بعض من التقاهم في محنته من رجال البلاط وحوارييه :"فرغم التفسير الرهيب لحاجبك السيد فرج أن تعيينك للسيد سعد الكتاني مكافأة على رضوخه في صفقة بيعه بنك الوفاء لشركتك، ورغم التصريح المدوي لمستشارك السيد الجراري حول مسامير مائدتك والطغاة المحيطين بك الذين يصعب عليك القيام بواجب الإنصاف إن ظلموا أحدا، ورغم إقرار السيد أبو درار رئيس هيأة محاربة الرشوة أن الديوان الملكي نهاه عن تناول ملف مولاي يعقوب، ورغم سؤال البرلمان للوزير الأول... لا حياة لمن تنادي، لم يُفتح تحقيق ولا تمت إعادة اعتبار ولا محاسبة، على عادتك في تكريس الإفلات من العقاب للمستبدين العابثين بالقانون وبالبلاد و بالعباد بعد أن تجاهلتَ وصية ابن خلدون حول مساوئ الجمع بين الإمارة والتجارة وتركتَ الفساد ينخر الدولة والمجتمع". الآن وقد وصلت حكومة ابن كيران إلى السلطة وجعلت من أول أولوياتها محاربة الفساد، هل سيتم إنصاف المهندس وقد وجه إليها رسالة مفتوحة؟ وهل ستتساقط تباعا رؤوس الفساد كما وعدنا مناضلوا العدالة والتنمية أم سيخذلوننا كما خذل السابقون ابن الصديق؟ وحينها كم ستكون الخيبة مضاعفة لنا وله، عندما نكتشف أننا كنا سذجا من جديد لما صدقنا وعلقنا الأمل على خط الإصلاح، "فالمغاربة يقفون عند الأعمال وليس عند الأقوال" كما قال السيد الوزير نجيب بوليف، نتمنى أن لا نكتشف أن الفساد أكبر من الاستبداد وأكبر من الحكومة وأكبر من الدستور وأكبر من كل المؤسسات، وأنه سرطان ينبغي أن يستأصل، كم أتمنى صادقا أن يخيب ظني، وينصف أحمد ابن الصديق وأمثاله ويكون لإصراره ولإلحاحه معنى "وإلا فلا معنى لدستور فاتح يوليوز ولا معنى للكلام المعسول الذي يقدم للمغاربة". 1 من رسالة الكرامة والمسؤولية والوضوح المفتوحة بتاريخ 05 07 2010 2- من رسالة لمن لا يهمه الأمر بتاريخ 25 يوليوز 2011