عندما اطلعت على رسالة أحمد بن الصديق رسالة لمن لا يهمه الأمر، تيقنت بأن الرجل تحركه قضية قد تبدو شخصية و لكنها أكبر مما قد نتصوره! لأنها تعيد فتح نقاش عميق حول البيعة و فسخها و موقعها في الدولة الديمقراطية الحديثة، و الأهم من ذلك حق المواطن في فسخ أي عقد من العقود سيما إذا كان شفهيا ضبابيا لا يحدد الحقوق و الواجبات بصفة واضحة و مدققة لكل طرف من الأطراف، و كذا سؤال من يملك القرار في المغرب؟ السؤال الذي بدأ يفرض نفسه فرضا في مغرب ضاق فيه الشعب من صيغ المبني للمجهول و المكوث الطويل في غرف الانتظار القاتلة! بن الصديق اخترق حاجز الصمت و مارس حقه في المواطنة بوصفه مواطنا لا رعية ومن دون استجداء أو منة من أحد معلنا فسخه للعقد المخزني الموروث غير الدستوري المسمى "بيعة"! أحمد بن الصديق أو ليث شبيلات المغرب قواسم مشتركة تلك التي تجمع بين المهندسين أحمد بن الصديق و الأردني ليث شبيلات 1، فعلاوة على كونهما مهندسين خريجي معاهد الهندسة و الإنشاء، فالرجلان لم يكونا في يوم من الأيام من مناهضي الملكية، بل العكس! دافعا عنها و عملا جاهدين على خدمة بلديهما ككل مع حفظ تقدير و احترام خاص للمك، بيد أنهما وصلا في آخر المطاف إلى خلاصة مفادها أن المؤسسة الملكية طرف فعلي و مسؤول حقيقي ضالع في الأزمة سيما المحيط الملكي الذي تغول و أصبحت المغامرات السياسية يُختَم عليها بطابع صديق الملك أو قريب من الملك، أو ما يمكن تسميتهم بالحاملين للفرمان الملكي حيث يؤسسون حزبا فيسمى حزب الملك، و ينشؤون مقاولات فترفع نظرا لقربها من المحيط المقدس، و الأخطر من ذلك أنها تعربد يمينا و شمالا من دون حسيب و لا رقيب، و إذا كان ليث شبيلات نقابيا مخضرما قد تمكن من افتكاك رئاسة نقابة المهندسين من القوميين سنة 1982 في خطوة تاريخية، ليلج بعدها البرلمان الأردني مرتين و بفوز كاسح على منافسيه، فإن ليث المغرب على النقيض من ذلك،لم يلج برلمانا و لم يتربع على رأس نقابة و لا حتى يمكن نعته بالمنتمي لتيار فكري أو إيديولوجي معين.إلا أنه وجد نفسه عبر المشاريع الكبرى التي أشرف عليها قبل الانقلاب عليه، في دائرة نواة دار المخزن وحساباتها المعقدة، وفي احتكاك مباشر مما يحدث من داخل الدار من دسائس! المهندس أحمد آمن بالإصلاح من الداخل كما آمن به المهندس ليث شبيلات، فراسل الملك بعدما التقى به مباشرة كما التقى بعدد من مستشاريه و معاونيه، و كله أمل في الغد المشرق! بيد أنه اصطدم بجدارين سميكين، الأول جدار البرامكة الجدد المتنفذين بشكل غير مسبوق، و الثاني جدار صمت من يهمه الأمر أو كان يهمه الأمر، قبل أن يغسل بن الصديق يديه "بالما و الصابون البلدي" متيقنا بأن الصمت الرهيب و المطبق عن مظاهر الفساد السياسي و المالي دليل قاطع على أن صاحب الأمر لم يعد يهمه الأمر! لذا رأى أنه لا معنى لبيعة لا ترفع الظلم عن المظلومين و تضرب على يدي الظالمين و لو كانوا من شلة الصبا. تقريبا الخلاصة نفسها وصل إليها ليث شبيلات، حيث اعتبر أن الملكية في الأردن تجني على الملكية نفسها و الأردن معا، و أنها أضحت مظلة للفساد يستظل بها المفسدون! بل حتى المضايقات تكاد تتشابه، فليث محاصر هناك مهدور الدم، إذ أصبح الاعتداء عليه بالضرب شيئا دوريا، بينما بن الصديق محاصر بدوريات تتناوب على مقر سكناه تراقب حركاته و سكناته و ذهابه للمسجد لصلاة التراويح و الأهم من ذلك اتصالاته ! فمن يدري؟ ربما قد يكون بن الصديق عميلا لمحمد بن عرفة أو الباشا لكلاوي؟ المهندس بن الصديق و سؤال البيعة؟ طرحت الرسالة سؤالين جوهريين، الأول يتعلق بالبيعة، والثاني من يحكم البلد؟ و إذا كان سؤال البيعة قد تم تغيير مساره في الماضي و وأدت أي محاولة نقاش جادة، إلى درجة التأميم المطلق لهذه القضية بحيث أصبح كل من يحاول الفهم خارج السرب، أو معارضا كلاسيكيا يحال على جماعة العدل و الإحسان المكون السياسي تقريبا الوحيد في المغرب الذي رفض فعل بايع يبايع بيعة بدون تعاقد و عقد واضح المعالم و الدلالة مطالبا صراحة و بلغة النص حتى لا يتهم بالعلمنة و اللادينية، بالوقوف عند البيعة و تنزيلها و عن عقد البيعة وشروطه و الأهم من ذلك حق الأمة في فسخه كأي عقد بشري آخر قابل للفسخ. إلا أن خروج بن الصديق و إعلانه فسخ البيعة شيء جديد و قيمة مضافة لعدد من الاعتبارات: - أن الأستاذ أحمد مستقل و ليس له انتماء سياسي أو إيديولوجي معارض. - ثم أنه كان من الناس الذين حظوا بثقة من يهمه الأمر قبل أن يتم الانقلاب عليه. - أنه ربط البيعة بالعقد التشاركي الذي يجمع بين طرفيين، و لأن الطرف الذي لا يهمه الأمر قد أخل بشروط العقد، و منها عدم الاكتراث لملف محاربة المفسدين و الضرب على أيديهم، سيما بعد الرسائل المباشرة و غير المباشرة التي بعث بها المهندس أحمد و التي لم تجد لها جوابا إلى حدود اللحظة، جعلت العقد لاغيا. - ارتباط توقيت فسخ العقد بالمرحلة الجديدة التي يبشر بها المخزن، وهي مرحلة سيادة القانون و غيره من الشعارات القديمة الجديدة، فإذا كان المغاربة أحرارا فمن حقهم فسخ أي عقد متى ما شاءوا و كيفما شاءوا طالما لم يتم احترام العقد . إن إثارة الرسالة لمسألة فسخ البيعة، يفتح النقاش عن البيعة نفسها و موقعها من الدستور و القانون، و شروطها و شروط فسخها و ما يترتب عنه و من يحدد مضمون العقد، و أين هو العقد نفسه؟ إن من حق أي مواطن أن يفسخ أي عقد رأى فيه إجحافا بحقوقه و هضما لها، فلا توجد عقود مقدسة مؤبدة سرمدية في الإسلام! كما لا يوجد زواج مؤبد –كاثوليكي- في الإسلام، فحتى الزواج الذي سماه الله تعالى بالميثاق الغليظ قابل للفسخ و الطلاق، و إن يتفرقا يغن الله كلا من سعته.فإذا كان لا إكراه في الدين فمن باب أولى أن يكون لا إكراه في التعاقد! بيد أن الثقافة المخزنية لا تعمل بمنطق التعاقد و العقد المدني البشري القابل للمراجعة و الفسخ، و لكنها تتعامل بمنطق الأسطورة التاريخية و المسلمات البديهية غير القابلة للنقاش ! إذ الرواية المخزنية لا تتعامل مع الحاضر إلا كصورة للماضي لا غير، قائلة بايع المغاربة، موظفة الزمن الماضي! و تقصي الحاضر و هو يبايع أي الحاضر و كذا المستقبل القابل للتغير؟ لذا، و نحن نعيش الحاضر لا الماضي لا بد أن نعرف هذا العقد و شروطه و الحق في فسخه و الأهم من ذلك من وضعه و يضع بنوده؟ ثم إن البيعة نفسها لا وجود لها في الدستور الذي هو القانون المنظم للحكم، و هو ما يعني أن الدساتير في المغرب اثنان، دستور ظاهر و هو الذي تم ترميمه يوم فاتح يوليوز، و آخر عرفي شفوي و غير قابل للتغيير و هو الذي يحوي مسألة البيعة وطقوسها، بل هو المهيمن على الأول، و عليه فابن الصديق لم يقترف بخلعه للبيعة أي جرم قد يعاقب عليه القانون الجنائي المغربي لأنه ناقش البيعة و خلعها، بينما في حكم العرف المخزني هو بمثابة رعية آبقة. بمعنى أنه تحول من رعية تعيش تحت سقف البيعة و الماضي إلى مواطن لا يؤمن إلا بالمكتوب و العقد و التعاقد و شروطه و الحق في فسخه متى ظهر إجحاف طرف أو عدم التزام ببنود العقد، دون أن يتنازل عن حقه في الإنصاف و رد الاعتبار و كشف المسؤولين عن الفضائح التي كشف عنها، لأنها أولا وقبل كل شيء تهم الصالح العام والمال العام، بل من دون تنازل المجتمعُ عن محاسبة الجميع بما فيهم بن الصديق نفسه لمعرفة الحقيقة كاملة.2 بيد أن أهم سؤال هو أين هو العقد نفسه ؟و ما مضمونه و من الذي صاغه و يصوغه؟ سيما و أن عددا من المنابر السياسية و الإعلامية تلوك عبارات و جملا رنانة لا تعرف مغزاها من قبيل التعاقد الجديد ؟ إن رجال القانون الدستوري و الباحثين في العلوم السياسية و معهم محترفي السياسة من أحزاب وهيآت و فاعلين و مفعولين بهم في الشأن العام، علاوة على العلماء سواء الموظفين في السلك الرسمي أو المستقلين، مطالبون بالإجابة لنا عن إشكالية بن الصديق بجرأة أكاديمية و نزاهة علمية، ما هي البيعة بلغة العصر الحاضر لا لغة عصر الحركات و المحلات المخزنية؟ وما موقعها من الدستور؟ و أين هو العقد؟ و ما تفاصيله؟ و من صاغه و يصوغه؟ و متى يفسخ؟ ثم إذا كانت الدولة مدنية فمن حق المواطنين المتعاقدين فسخ أي عقد، اللهم إذا كانت الدولة دينية ثيوقراطية، الأفراد فيها رعايا لا مواطنين،و الحاكم يحكم باسم الإله و نيابة عنهم و لاحق للرعايا في فك ارتباط عقد في السماء! فما عليكم إلا أن تعلنونها صريحة و ترشدوننا حتى لا نقع في فعل من أفعال الجاهلية! و الأكيد انه لا جدوى من الاستحضار القسري للتراث السياسي التبريري المنتمي للآداب السلطانية التراثية التي ولدت نتيجة ظروف تلاشي الدولة القائمة حينئذ و إكراهات سيطرة أمراء الاستيلاء على الحكم كالبويهين و السلاجقة...،فلا داعي لتحميل الفقيه الماوردي(974-1058 ميلادية) رحمه الله ما لا يطيق، فهو لا يعيش بين ظهرانينا حيث التويتر الفايس بوك و البلوثوث و الانتخاب الرقمي و الرقمنة المجتمعية و الدولة الحديثة بكل تعقيداتها و تركيباتها. من مسامير الميدة إلى البرامكة الجدد مسامير الميدة هو النعت الذي صور به المستشار الملكي عباس الجيراري لابن الصديق نفوذ الشلة المحيطة بالملك من أصدقاء و مقربين، و هذه صورة نمطية قديمة بل و شماعة أقدم كانت دائما تعلق عليها العثرات من أيام الملك الحسن الثاني، هو زين بصح اللي معاه، و كأن مشكلتنا في " اللي معاه"؟ بن الصديق في الأول كان يعتقد بنظرية "مسامير الميدة" لذلك في رسالته السابقة أي قبل" أن يغسل يديه"،خاطب من كان يهمه الأمر ب:"وأنتم حسب تصوري ملكُ البلاد أكبر من الرضوخ للضغوطات"! بيد أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه و استفحالها أكثر من الأول جعل الرجل يقتنع بأن القضية أكبر من مسامير الميدة! بل هي دليل على وجود حقيقي و من خلف الستار للبرامكة 3 الجدد، سيما عقب اهتراء المشهد السياسي المهترئ أصلا و الردة السياسية ل2002،و بعد أن تم الإعلان الرسمي عن وفاة تجربة التناوب الديمقراطي، و عودة الشيخ الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي إلى منفاه، لقد خلت الساحة تماما من أي مشروع سياسي يمكنه إحداث التوازن السياسي المطلوب، لذا تضخم دور المسامير أكثر من أي وقت سابق، فهذا يؤسس حزبا يولد من أول يوم بشنبات طويلة و يأتي على الأخضر و اليابس و يروج له أنه حزب الملك ! و الآخر يعربد في الاقتصاد المغربي باسم اليافطة نفسها! و ثالثة الأثافي عندما زج المعتصم بالمؤسسة الملكية و أصبحت في صلب الاستفتاء بحيث تخلت عن مهمتها الحيادية التحكيمية و أصبح يروج و بالمباشر أنه من يصوت بنعم يصوت على الملك! و قد شهدنا كيف سئم ومل الناس يوم جمعة الصناديق الفارغة او يوم العزوف الأكبر! فقد بات من الصعب الفصل بين المؤسسة الملكية و المؤسسة المخزنية صاحبة السطوة، اللهم في حالة الملكية البرلمانية على الصيغة الأوربية و ليست على الصيغة المخزنية، بمعنى أن الملك يسود و لا يحكم، هنا فقط من الممكن الحديث عن إمكانية إصلاح حقيقي في المغرب. بيد أن الأحداث أظهرت أن مؤسسة المخزن قد ورطت المؤسسة الملكية في المغرب و جعلت مصيرهما مشتركا، حيث تخلت المؤسسة الملكية عن دورها التحكيمي لتدخل غمار الاستفتاء في مغامرة غير مسبوقة. و من الواضح أن القضية أكبر من مسامير الميدة، بل المسامير أصبحوا هم المائدة نفسها و طبعا من خلف الستار بل في الكثير من الأحيان من دون ستار .و هي القناعة التي أدركها فيما بعد بن الصديق و عبر عنها مخاطبا الملك في رسالته": و لكن صمتَك أجابني فأدركتُ أن الخلل يكمن في تصوري الساذج و ذهني المغفَّل، نعم لقد زكيتَ الجبن والخبثَ و حميتَ اللصوص والقراصنة أيها الملك" ! كما عبر عنها بصيغة شعرية جميلة و معبرة يختزل فيها كل بيت شعري العشرات من المقالات، عندما قال مذكرا قضية المسامير: ولقد سمعتُ المستشار مفسِّرا ***** أن الأمير لجُنده قد يُهرعُ فإذا استقرَّ على التآمر أمرُهم ***** طبخوا القرار فسوَّدوا أو رصَّعوا يأتونه بعد التداول خلسة ***** فيداعب الصفحات ثم يوقِّعُ ولئن تعاظمتِ المظالم منهمُ ***** لزمَ السكوتَ كأنه لا يسمعُ كانت مسامره ترُصُّ موائدا ***** فإذا الموائدُ للمسامرِ تخضعُ غابت موازين العقول و أصبحتْ ***** أسسُ الحكامة كلها تتصدَّعُ وأتتْ موازين الرباط كأنها ***** تلد الدراهم والمنير مدلَّعُ فسخ العقد في الميزان إن رسالة المهندس بن الصديق تضع الأصبع على الجرح و في اللحظة الحاسمة، في الوقت الذي تتنافس فيه المنابر الإعلامية الرسمية و المقاولات الحزبية على الحديث عن الملكية الثانية والتعاقد الجديد ؟ فمن حق أي مواطن أن يراجع هذا التعاقد طالما لم ينله منه غير الكلام المعسول و الجمل الرنانة، و حقيق بأي متعاقد قبل تجديد العقد أن يناقش حصيلة الشراكة القديمة للعقد القديم الذي أعلن تصريحا أو تلميحا و بلغة حواري المخزن أصحاب فكرة الملكية الثانية و التعاقد الجديد أنه انتهى. من حقه أن يقَيِّم هذه الشراكة ما جناه منها و ما جناه الطرف الآخر؟ و هو "و هو الفعل الجاهلي الشنيع بتعبير علماء الجاهيلوجيا، الذي أقدم عليه المهندس بن الصديق حيث أقبل و أدبر ليظهر له أن العقد لا يعطيه حقوقه و لا ينصفه من ظُلاَّمِه و خصومه و أنه عقد ينفع طرفا واحد ففسخ العقد في موقف حضاري رجولي نبيل و صريح من دون أن يشهر سيفه في وجه السلطان بلغة أهل البيعة أو رشاشا أوتوماتيكيا بلغتنا الحالية، و بذلك طرح لنا إشكالية كالتالي: ما محل من فسخ العقد من الإعراب السياسي؟و طبعا لا يمكن اعتبار لغو رائد غرائب النوازل و الفتاوى الفونتاستيكية الهاري بوترتية، و صاحب فتوى جواز مضاجعة الأموات برد فقهي ، و لا حتى ثرثرة سياسية فوق واد أبي رقراق، لأن النصوص الشرعية و الأحاديث النبوية الشريفة التي حشدها حشدا في واد، و مسألة التعاقد السياسي المشروط في واد آخر!و هو دليل على إصابة عمِّي الحاج مسكين بالزهايمر السياسي! لأنه نسي أن يجيبنا جوابا سياسيا دستوريا من موقعه كبرلماني مؤتمن على التشريع السياسي و القانوني، و لا أعتقد أن عمَّي الحاج يوم قام بحملته الانتخابية في شتنبر2007 بالدارالبيضاء كان يقول للمواطنين بايعوني على السمع و الطاعة العمياء من أجل الوصول إلى البرلمان، بل كان يستعمل لغة بن الصديق: انتخبوني على برنامجي الانتخابي و حاسبوني إذا أخللت بالبرنامج، هذا إن حدث و كان لعمِّي الحاج برنامج يذكر؟ و الأكيد أن الذين لم يبايعوا أو يصوتوا على عمِّي الحاج قد ارتكبوا فعلا جاهليا يتطلب تجديدا للتوبة مع الاغتسال الأكبر. كلنا أحمد الصديق كلنا أحمد بن الصديق في الدفاع عن حريته الكاملة في إبداء اختياراته،سيما إذا كانت نابعة عن قناعة شخصية تآزرها حجج دامغة لا تترك الفرصة للتلكؤ ولي النصوص و القفز على الواقع بعبارات دبلوماسية فضفاضة، فإما أن الرجل مخطئ أجرم في حق الوطن، و من ثمة ضرورة أن يحال على المحكمة للنظر فيما أعلن و نشر، و إما أن الرجل على صواب، و عليه لا معنى للسكوت والتواطؤ بالصمت المريب تارة! و تارات أخرى عبر اعتبار المسالة شخصية لا تخص إلا المهندس المكلوم المظلوم تملصا من تبعات الموضوع! لقد كان بودي أن ألتحق بابن الصديق و أخلع بيعتي كذلك، لكنني عندما بحثت عن بيعة لم أجد إلا واحدة، و هي بيعة لله ولرسوله، بيعة الإسلام تطوق عنقي وحدها ،" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى" ، و أما ما سواها فلا بيعة سياسية إلا عبر الصناديق الزجاجية و عقد وبرنامج واضحين وضوح الشمس في ضحاها، يحدد لكل طرف ما له وما عليه، و أعتقد يقينا أنه لو أدرك الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم زمننا هذا لما ارتضوا بغير الصناديق الزجاجية بديلا، بل إن رجلا مثل سيدنا لفاروق عمر بن الخطاب وقاف عند الحق ديمقراطي إلى النخاع بلغة أهل العصر كان حتما سيقوم بانتخابات على شخصه الكريم كل 6 أشهر مقتفيا أثر الصديق رضي الله عنه، الذي كان كلما اعتلى المنبر كرر مقولته: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم فإن اعوججت فلا طاعة لكم، و أكيد أن طاعة الله ورسوله هي العدل و الشورى الملزمة لا المعلِمة، و الحكم بما أنزل الله، و عدم الجمع ما بين التجارة و السياسة، ثم الضرب على أيدي و أرجل و ألسنة المفسدين و لو كانوا من أولي القربى. و في الأخير شكرا لابن الصديق لأنه نصح للوطن من موقعين: موقع المسؤولية، ثم من موقع المواطنة الكاملة. فكان له الطرد و التهميش في الأولى، ثم الترصد و التضييق في الثانية. و الله حسبك يا بن الصديق و هو نعم الوكيل. هوامش 1- ليث فرحان شبيلات ولد بعمان 28 أكتوبر 1942، سياسي و مهندس و نقابي أردني ،تخرج من كلية الهندسة في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1964 وحصل على الماجستير في هندسة الإنشاءات من جامعة جورج واشنطن عام 1968.دخل ليث شبيلات مجلس النواب مرتين، في الانتخابات التكميلية 1984 والعامة 1989 محققاً أعلى الأصوات في الدائرة الثالثة : دائرة الحيتان.سجن خلال دورة 1989 وهو نائب بالبرلمان، كما سجن بعد ذلك عدة مرات بتهمة "إطالة اللسان" وأفرج عنه بعفو ملكي. حصل مرتين على منصب نقيب المهندسين بالانتخاب، إحداهما وهو في السجن، يرأس حالياً جمعية مكافحة العنصرية والصهيونية.ترك وصيته بعد تعرضه لمضايقات و تهديدات بالقتل: 2- يشير الفصل 27 من دستور 2011 :للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات،الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة،و الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور،وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة. 3- البرامكة: عائلة من أصول فارسية استحوذت على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد، حتى أن الفضل بن يحيى البرمكي او هو أخ لهارون الرشيد من الرضاعة كان يعد الحاكم الفعلي للدولة العباسية. [email protected]