تابعنا من خلال الحلقة السالفة كيف أن في تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم المرأةَ بالضِّلَع ، إضافة إلى إبراز بعض خصائصها ، إرشادا وتوجيها لك أخي الزوج ، ونفسي أعني ، إلى حسن معاشرة زوجتك ومداراتها بما يلزم من رفق ولطف ولباقة ولياقة وسياسة كيِّسة ، مع التزام الحكمة والحزم والحسم حالَ توجيهها فيما شذَّ من سلوكها . لاتبخس محاسنها حتى تصغر في عينيك مساوءها . مسترشدا في ذلك بنصيحة حبيبك صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " لا يفرَك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها آخر ". ولله در القائل : هي الضِّلَع العوجاء لست تقيمُها ألا إن تقويم الضُّلوع انكسارها فيجمعن ضَعفا واقتدارا على الفتى أليس عجيبا ضعفها واقتدارها ؟! ولئن كان هذا واجبا مرعيا في حالتها العادية ، فإن الأمر يزداد إلحاحا في فترات حيضها وحملها ووحمها ونفاسها ، حينها تشهد تغيرات بيولوجية مؤثرة على مزاجها وانفعالها وجهازها العصبي . وأخص الكلام عن فترة الوحم ، فرُبَّ زوج أبغض امرأته ، أو استسلم لوساوس الشيطان فسوِّلت له نفسه تطليقها ، لا لشيء إلا أن وحمها أفرز كراهية رؤيته ، أو نفورا من سماع حديثه ، أو تقزز هو من شم رائحة طعامها ! إن من الأزواج ، ولا أعمم ، من يمارس العنف والخشونة ، و الفظاظة والغِلظة تجاه زوجته، يمارس هذا كله وبجميع أشكاله المادية والمعنوية وكأنه حق من حقوقه ، بل إنه ليشعر أن سلوكه هذا عنوان قوامته ومعيار رجولته ومقياس فحولته . وكأني به يتمثل قول القائل : حَكِّم العنف يا إنسان ما اللِّين إلا ذلٌّ وهوان ! عنف قد يخيل إلى ممارسه أن منفعته عاجلة ، غير أن مفسدته على المدى الطويل فادحة، إذ يقوِّض الأمن النفسي في المحيط الأسري ، هذا علاوة على ما يترك من بصمات سيئة على نفسية الأبناء ، تتجلى في الشجار والصراخ وضعف التحصيل الدراسي ، وحينها يزداد التوتر والاحتقان والنكد ، فيصبح الزوجان ويمسيان على الصراع ليل نهار ، فتنتفي بذلك الرحمة والمودة لتصبح سفينتهما في مهب الريح تتلاطمها الأمواج يَمنة ويسرة. نعم إذا كان من النساء من تُسلِس القياد فتستجيب لعنف زوجها ، وأخرى تفرغ ذلك في إحكام السيطرة على أبناءها وتأليبهم ضد أبيهم ، فإن منهن من تواجه عنفه بعنف مضاد ، مادي ومعنوي ، ضربا وسبا وشتما وتجريحا وقدحا ، تروم من وراء ذلك استهداف كيانه الرجولي بشكل يفقده توازنه النفسي ، مما قد يجعله أسير الخنوع والانعزال ، يتوارى من القوم تحاشيا للإهانة إلى أن يتعايش معها وكأنها جزء من قدره المحتوم . وقد يبقى غضبه مكتوما يتربص اللحظة المواتية والفرصة المناسبة لينفجر الوضع يوما ما فيفرز ما لا تحمد عقباه . إذا ما رأيت في زوجتك عيبا فساعدها على التخلص منه والإقلاع عنه ، ولا تنس أنها إنسان خلق مجبولا على الخطأ . من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط ترفَّع عن سلوك الشدة و العنف و الشطط في استعمال القوامة التي تتطلب رحمة وحكمة . احرص أن ترى فيك زوجتُك الرعايةَ الحانية والركن القوي والملاذ الآمن والدِّرع المتين . تراك أبا شفيقا ، وأخا رقيقا، وزوجا صديقا . هينا لينا في موضع اللِّين ، حازما صُلبا في موضع الشدة ، على حد قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي ، فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا " . كلام تلميذ خِرِّيج مدرسة الحبيب العطوف صلى الله عليه وسلم الذي أعطانا مقياسا به نزن رجولتنا حيث قال:" إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، و ألطفهم بأهله " . 9 قول لم يبق في خانة الشعارات ، بل جسده ليكون لنا مثالا يُحتذى . لنستمع إلى شهادة أقرب الناس إليه و أعرفهم بسجاياه ، زوجه الفاضلة أمُّنا عائشة رضي الله عنها قالت : " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله . وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل " . قرائي الكرام ، في الحلقة القادمة نلامس جانب له الأهمية القصوى لتحقيق تواصل أفضل في العلاقة الزوجية، إنه المصارحة الوجدانية والمكاشفة العاطفية . إلى ذلكم الحين دمتم في حفظ الله ورعايته ..