قاعة صفية يزيد عدد الطالبات فيها على 40 طالبة، ومعلمة تقود ناصيته إلى بر الحياة متوسطة الغرفة الصفية بقامتها المتوسطة الطول، وحديث بالأرقام يتدفق بتفاعل بين الطالبات ومعلمتهن، مرة بصخب ومرات أخرى بإصغاء. لمادة الحساب رونقها عن غيرها من المباحث الدراسية، خاصة في حال استخدامنا مفاهيم الزيادة والنقصان والقسمة، كم نحتاج الزيادة في إطالة عمر السعادة والعمر، وكم نحتاج أن نطرح من حياتنا كل ما يعكرها من مشاكل وانفعالات تؤثر على حالتنا الصحية، وكم نكون سعداء لو أننا نقتسم بذار الخير مع غيرنا ممن يسكنون حولنا. في هذا العالم الذي نعيش ثمة انتكاسات لا حصر لها، انتكاسات على شكل الربيع الذي لطالما انتظرناه بصبر أوشك على النفاذ، يلح سؤال تكاد بدائل الإجابة عليه أن تكون متساوية في الاختيار، في وسط اختلط فيه الحابل بالنابل، وواقعنا هذا مثال على هذه الفوضى غير الخلاقة. لا ادري إن كنا ما زلنا نملك محاولة النهوض بحافز اللحاق بالوقت المناسب قبل فوات الأوان وقبل ترسيخ مبادئ الكراهية والاضطهاد بشكلها الديمقراطي الذي بدأت ملامحه ترتسم بوصول السلفيين لدفة الحكم ومحاولتهم تغيير وجهة الواقع. على ارض الواقع شيء ما يشبه غرفنا الصفية ولكن بفائض الصخب على الإصغاء،وبفارق أن المعلمة تقلص دورها لصالح طباخين عددهم فاق العدد، أصبحنا نحتكم لإعلام مأجور برأي الغالبية، فيما أصبحت مراكبنا لا ترسو في ميناء، كثير ما تجد الكثيرين منا، يتنقل بين جهة وأخرى لا قاسم مشترك فيها، في الصباح نهلل للثورات التي أطاحت برؤوس طال أمدها على كرسي الحكم، وأمل بالوصول إلى رؤوس أخرى، وفي المساء لا ندري كيف ينقلب حالنا ونطرح فكرة الربيع العربي لصالح نظرية المؤامرة التي يستشعرها الكثيرون متمثلة بحسب الغالبية، بدنو خطر سايكس بيكو جديدة، وإنعاش فكرة تقسيم الدولة إلى دويلات عدة بهدف إشاعة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد. كان وزير الدعاية بول جوزيف غوبلز احد اخطر الشخصيات التي قامت عليها عظمة العهد النازي يقول " اكذبوا وكرروا الكذب إلى أن يخيل للناس جميعا انه الصدق ". وعصرنا هذا مثال صارخ على زيف الواقع الذي نعيش، وكأننا أصبحنا جميعا تلاميذ غوبلز، لا سبيل لنا إلا أن نكذب ونتحرى الكذب، احد المرشحين للانتخابات المصرية الأخيرة، استخدم صورتين في دعايته الانتخابية حيث وضع صورا له وهو مرسل اللحية وصورا أخرى من دون لحية، فكان يلقب بالشيخ في الأحياء الفقيرة، والأستاذ في المناطق المتقدمة حضاريا. كأفراد ما الذي يساعدنا على العيش بسلام إذا كنا لا نستطيع أن نميز بين الكذب والصدق، ربما يكون الحل بالعلانية من جانب كافة الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام كضمان وشرط أساسي لامتثال الشعوب، وخضوعهم للقانون العام، وليس استسلامهم خوفا من البطش والاستبداد. يقول الفيلسوف ايمانويل كانت : أن العلانية تعني توافق الأخلاق والسياسة معا، ولبلوغ هذه الغاية لا بد أن يكون هناك انسجام وتوافق بينهما. هناك عبارة جذبتني وكانت استفسارا من طبيب لمريض تجاوز عمره الثمانين، إذ قال الطبيب : "إن قلبك فذ في قوته " فأجابه: لا عجب فأنا لا استعمل قلبي قط، ولكن في خضم ما يجري على ارض الواقع ورواج تجارة الأكفان هل نستطيع أن نتجاوز بالعمر ولدينا ذلك القلب السليم. نحتاج إلى العلانية لأننا أصبحنا لا نعرف إن كنا نميل إلى هذا أو إلى ذاك، في ظل تناحر إعلامي وشطط من جهتنا نحن الأفراد في تمييز الغث من السمين، معظم هذه الأفكار سيطرت علي وأنا اقرأ بحث بعنوان، كل الطرق تؤدي إلى الصحة، مع أن الواقع يقول إن كل الطرق تؤذي في الصحة.