غير مفهومة، بالمرة، الغشاوة التي ألف أكثر المسؤولين المغاربة وضعها عوضا عن النظارات على أعينهم كلما تعلق الأمر بما يسمونه «تحرشَ وانحيازَ» الإعلام الإسباني ومجاراته للطرح الانفصالي واتكاءه على عصا الاستخبارات الجزائرية، الأمر ببساطة يتعلق بحرب إعلامية تستعمل الصورة والكلمة مع الكذب والافتراء عوضا عن الرصاص والمدرعات،... وفي كل الحروب، ليست هناك أخلاق، حيث تُؤتى أبشع الممارسات ولو اقتضى الأمر قصف العدو من الظهر أو تصويب الرصاص نحو الحاجبين حتى لو كان المستهدف طفلا كما وقع مع الشهيد الفلسطيني محمد جمال الذرة. المغرب لم يتعود بعد على حروب الإعلام والاتصال وفنون «البروباغاندا» كما أسسها جوزيف غوبلز، مؤسس فن الدعاية السياسية ووزير الدعاية الألمانية على عهد النظام النازي، الذي استعمل وسائل الإعلام بشكل شيطاني وصور للشعب الألماني أن هتلر هو المنقذ من الضلال، هو الذي اشتهر بقولته: «إكذبوا وأحسنوا الكذب حتى يصدقكم الناس»، تماما كما اشتهر بقوله: «كلما سمعت كلمة مثقف إلا وتحسست مسدسي»،... فظل يستعمل وسائل الإعلام في حرب حقيقية على الحقيقة، واكتسح باستراتيجيته عقول العوام والخواص. ورغم أن التاريخ طوى صفحة عهد النازية، فإن كبار المراكز الاستخبارية في أوربا لا زالت تشتغل بوصفة غوبلز بعد أن غيروا مصطلح «البروباغاندا» بعبارة فنون وعلوم التواصل والاتصال. اليوم، سقطت ورقة التوت عن عورة الإعلام الإسباني الذي استعمل، في حربه الإعلامية، أكاذيب بمثابة الغازات السامة التي أسقط بها جثث جيوش المجاهدين الريفيين بداية القرن العشرين،... وفي الحروب، لا تعتذر العساكر والجيوش كما توقع ذلك وزيرنا في الاتصال، فالإعلام الإسباني، الذي افتضح أمره باستعماله صورا لعدوان غزة ولجريمة عائلية وقعت في حي سيدي مومن، عاد، بوجه «مقزدر»، وقال إن ذلك راجع إلى كون المغرب يغلق حدوده في وجه الصحافة الإسبانية التي، بالمناسبة، لا تأتي إلى صحرائنا لكتابة التقارير الإخبارية بل لتنظيم المليشيات الإجرامية وتنسيق الفيالق الانفصالية. لاحظوا أنه ليس بغريب، بالمطلق، كيف أن جهابذة «البروباغاندا» الإسبانية استعملوا وجها نسائيا فاتنا على قناة «آنتينا تريس» حتى يمرروا رصاصهم نحونا ويشاهده العالم بأسره وحتى يسهل، نفسيا، تصديق الكذب ببث صور مذابح غزة وجرائم الدارالبيضاء على أنها من «جرائم» أحداث العيون،... كما ليس بغريب أيضا أن تأتي «ناشطة» صحراوية في أبهى زيها وأغلى حليها وأفخم ماكياجها، واضعة أشهر وآخر موديلات النظارات الطبية على عينيها، تذرف الدموع على صور ضحايا وهميين قتلوا في جريمة عائلية في الدارالبيضاء قبل 10 أشهر، وتقول هي، بهتانا، إنهم صحراويون قتلوا في العيون، ومع ذلك لا تعرف لهم عنوانا ولا أسماء ولا عائلة... تعرف فقط البكاء عليهم بأثر رجعي،... هي التي كشفت الصحافة الجزائرية تورطها، ضمن شبكة تنشط في الجزائر العاصمة، في الدعارة الراقية التي يوجد من زبائنها كبار ضباط الجيش والاستخبارات الجزائرية. لقد كشفت الصحف الجزائرية أن مخابرات بوتفليقة ورطت النظام الجزائري في أحداث العيون، وكشفت اعتقال ضابط جزائري كبير في الاستعلامات كان ينسق في العيون بين مليشيات البوليساريو، كما كشفت علاقة «الناشطة» الصحراوية، التي ذرفت الدموع على شاشة «آنتينا تريس»، بكبار ضباط الجيش في الجزائر العاصمة ضمن شبكة للدعارة الراقية،... والإعلام الإسباني في كل ذلك يستهويه لعب دور «النكًافة» حتى يغمض المغاربة أعينهم عن سبتة ومليلية... لكن ما يحز في أنفس المغاربة ضمن كل هذه الحرب هو أنه لما كانت «الجزيرة» و«آنتينا تريس» تقصفان المغرب إعلاميا كانت «دوزيم» تبث، ليلة السبت، أغاني الكباريهات في برنامج يكلف شهريا 120 مليون سنتيم من المال العام!؟