يكون الإعلام الإسباني قد حقق ما لم يسبقه إليه أحد، أو على الأقل في الديمقراطيات المعروفة أو السائرة في طريق التحقق، فهو وحده بالفعل الذي جعل من الحقد خطا تحريريا، ومن الافتراء قاعدة مهنية، ومن الانحياز أفقا للتطور. فلم يكف طوال صراع المغرب من أجل وحدته، أن تبنى كل الأرضيات والأطروحات، الغرائبية منها والمغرضة، بل صار اليوم ينزع عن إسرائيل همجيتها ضد الأطفال، ويلصقها ببلادنا. وبذلك أجمعت كل هذه الصحافة على أن الطفل الفلسطيني الذي أصابته اليد الإسرائيلية هو طفل صحراوي من العيون، وأن التنكيل به تم على يد مغاربة جنود أو معمرين! لم يكن في الأمر أي خطأ في تقدير المغاربة، لأنه كان مسبوقا بأشياء أخرى كثيرة تبين أن الأمر يتعلق بموقف مسبق، وباختيار واع: 1 - ظل الإعلام الإسباني فما مفتوحا للإنفصال، بل ولكل ما يمكنه أن يسبب حرجا، ضررا أو إساءة للمغرب وصورته لدى الرأي العام الإسباني الذي لم يخرج مهنيوه بعد من عقدة الصحراء الفرانكاوية. 2 - ظل الإعلام الإسباني السند الأساسي لكل من يقدم البلاد كبلد محتل، والترويج لأطروحة البوليساريو والجزائر، بلا هوادة، بل كان البوق الدائم الذي يجعل من المغرب شبيها إفريقيا لإسرائيل! 3 - هو نفس الإعلام الذي حقق التغطية الواسعة لمن يزوروننا كمساندين للانفصاليين، بل إن رجال الإعلام هم الذين تقدموا النشطاء الصحراويين وكانوا أكثر شراسة في مهاجمتنا وتقديمنا للرأي العام كبلد محتل. 4 - تأتي الخطوة الجديدة للإعلام الإسباني لكي تسير في نفس الخطوات التي تمت في السابق ومن لدن نشطاء الراديكاليين، من اليمين واليسار المدني الإسباني، عندما كانوا ينظمون القوافل البحرية إلى شواطئ العيون والمرسى وغيرها، في تلفيق غير أخلاقي تماما لتهمة البلاد المحتلة، كما لو كانت غزة في العيون. اليوم ندرك إلى أي حد لا يمكنهم أن يقفوا، وندرك إلى أي حد يمكنهم أن يذهبوا بعيدا! هؤلاء الإسبانيون الذين يساندون الجزائر في أطروحاتها، من قبيل مراسل ال «ا.بي.سي»، لا يترددون في أن يعلنوا بأن أمنيتهم الكبرى هي «تحرير» العيون والصحراء المغربية من .. المغرب. ولا يترددون في أن يجعلوا من ذلك سبب وجود وغاية حياتهم المهنية. لهذا علينا أن نتساءل بالفعل أين يقف النشيط الانفصالي وأين يبدأ الإعلامي الإسباني. نحن أمام ذراع قوية للانفصال وآلة لم تستطع الجزائر نفسها أن تحققها بأدواتها الخاصة للبوليزاريو وأمنها العسكري. ولايبدو أن الصورة هي وحدها التي تثير الاشمئزاز لدى الرأي العام، بل كل المعالجة التي سبق للمغرب أن نبه، في إسبانيا ذاتها الى انزلاقاتها. وهي في الواقع وكما يتضح لم تعد مجرد انزلاقات. إنها خطة. ومن يقرأ محاولة التبرير التي جاءت بها الباييس( ياحسرتاه!) يرى أنها ضحك على الذقون واستخفاف بالمغاربة: كيف يمكن أن تلجأ صحافة تدعي لنفسها الحياد والمهنية إلى طرف واضح في النزاع، هو الجبهة الانفصالية وتأخذ منها الصور والتعاليق على الصور؟ أين الحياد؟ لا يبدو أنه مصطلح قابل للترجمة الإسبانية في حالة الإعلام! إن المطلوب اليوم من الإعلام الإسباني أن يعتذر للمغرب وللمغاربة، وعلى المغرب أن يقوم بكل بواجبه لكي يستعيد احترامه ويستعيد كرامته التي دنست بتشبيه جنوده ودولته بدولة وجنود الاحتلال في فلسطين. والبلاد مطالبة بالقيام بكل ما في وسعها لكي ترد بحزم على كل من يريد أن يلصق بها قاموس الاحتلال.