عشرون سيدة قضت نحبها في حادث تدافع بالصويرة ويقال أن من بين القتلى حوامل وأطفال أيضا ،كن مصطفات من أجل الحصول على أكياس دقيق لا يتجاوز ثمنها خمسون درهما ،شهود عيان قالوا أنهن بتن ليلتهن ينتظرن وصول المساعدات الغذائية التي دأبت بعض الجمعيات على جلبها إليهن بين الفينة والأخرى، تخيلوا معي هذا المشهد المأساوي تدافع وصراخ ودموع ودماء تنزف من أجل خمسين درهم وهو مبلغ لا يسمن ولا يغني من جوع ،أرجوكم أقنعوني أن الأمر لا يتعلق بدولة أنهكتها الحرب وهدها طول الحصار ،هل سمعتم بمثل هذا في غزة ؟ أو في مخيمات اللاجئين بجنوب لبنان ؟ هل سمعتم به في مخيمات السوريين بتركيا؟ هل حدث مثله في الصومال ؟ إنه الاستثناء المغربي يا سادة في أبشع تجلياته نحن استثناء حتى في بؤسنا الذي لا يشبه أي بؤس في العالم حقيقة لا ننتظر بعد هذه الفاجعة بيانات المسؤولين وسيكون عارا عليهم أن يتحدثوا في مثل هذا المأتم لأن صوتهم النشاز هو آخر ما يرغب المغاربة في سماعه الآن فمن يتأمل بياناتهم وخرجاتهم طيلة السنة سيكتشف أنهم مزيفون وأن جهودهم تنصب على تزييف وعينا أكثر من أي شيء آخر يعطوننا جرعات متتالية من الآمال الكاذبة بشكل لا يسمح لنا بالتقاط أنفاسنا لئلا نكتشف حقيقة "القاع" الذي أوصلونا إليه فبينما ينشغلون بالتطاحن على المناصب والامتيازات شغلونا نحن بالأوهام ها قد أطلقنا قمرا صناعيا(بأيادٍ أجنبية) وها نحن سنلعب الكرة في كأس العالم بروسيا وها هي ذي مؤخرة المغنية فلانة تحرك أفئدة الملايين في موازين ومهرجان أكادير والصويرة وفاس وكل ربوع الوطن وهاهم نجوم العالم يغنون للمغرب رفقة "ريدوان" …نحن عظماء ونعيش زمن الإنجازات العظيمة أليس كذلك؟ يا سادة وماذا عن هؤلاء الذي ماتوا من أجل خمسين درهم ألم يكونوا بيننا طيلة الوقت ؟ ألم يتسع وقتكم المليء بالعمل الدؤوب للحديث عنهم؟ اليوم نكتشف للأسف الشديد أننا منحطون بكل ما تحمله الكلمة من معنى وعلى كل المستويات والأصعدة وأن اهتماماتنا تافهة إلى أبعد الحدود لأننا انشغلنا بكل شيء بدءا برقم فردة حذاء رونالدو ومرورا بأخبار طلاق الملاكم ربيعي وما حدث للفيزازي وانتهاء بتصريحات نجوم الكرة والطرب وآخر صيحات تكنولوجيا الهواتف الذكية لكننا لم نكلف أنفسنا عناء البحث عن إخوان لنا يعيشون بين ظهرانينا ولا يجدون ثمن رغيف خبز, صحيح أنه أريد لنا ألا نهتم بغير ذلك والدليل على قولي هذا الحرص المرضي لدى "الإعلام" بشغل الناس برقص مايا وملين وتصريحات أدومة ونيبا و…لكننا نتحمل جميعا المسؤولية لأننا انسقنا وراء الوجهة التي رسموها لنا كأي قطيع مطيع لن أتحدث عن مسؤولية الوزراء والبرلمانيين والولاة والعمال و…فقد يئسنا من استجدائهم وقديما قيل "لا حياة لمن تنادي" لكنني سأتحدث عن مسؤولياتنا نحن أبناء هذا الوطن (وأعني من يحمل هم الوطن بصدق) نعم نحن مسؤولون حين جعلنا إخواننا المحتاجين في آخر سلم أولوياتنا ولو تأمل كل واحد منا لائحة اهتماماته لوجدها خالية من من أسمائهم إنني لا أحدثكم هنا عن معجزات ستقومون بها بل عن واقع عاشه أجدادنا وآباؤنا إلى حدود أزمنة قريبة حين جسدوا قيم التكافل النبيل في حياتهم اليومية ويمكننا أن نعيد إحياء تلك القيم بقليل من التعديلات على حياتنا نحن ننشغل باقتناء هواتف يفوق ثمنها أربعة آلاف درهم ويكاد لا يخلو منها بيت مغربي كم كيس دقيق سنقدم لإخواننا لو اقتنينا هواتف بثمن أقل وطرقنا أبوابهم لنسلمهم الباقي خفية دون أن نلجئهم للوقوف في طوابير طويلة بشكل مهين مؤذ للكرامة ؟ كم كيس دقيق يستطيع أولئك الذين يغيرون صالوناتهم سنويا تقديمه لهؤلاء ؟ كم كيسا سيقدمه الذين يبذرون الملايير في الجعة والتدخين والترفيه وارتياد الملاهي ؟ كان بوسعنا أن نمنع الفاجعة لولا أننا منحطون ولولا أن اهتماماتنا تافهة وأقولها صادقا لو فعلنا ذلك فليس لأجلهم فقط بل لأجل أنفسنا أولا فمن المستحيل أن يستمتع أحدنا بلقمة خبز حين يرى أن أخا له يموت بكل تلك البشاعة قبل أن يحصل على مثلها ، علينا ألا ننتظر من المسؤولين شيئا (فلن يقدموا شيئا ) وإن لم نبادر إلى وضع حد لهذا النزيف القيمي الذي نعانيه فالطوفان ينتظرنا ،إن الحضارات والأمم تنهار ما لم يتقاسم أبناؤها خيراتها وعلومها وسائر مواردها ومن المهم في هذا السياق أن أنقل كلاما نفيسا للمفكر جارودي قال فيه أن سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية العظيمة التي عمرت ألف سنة هو استحواذ سبعة بالمائة من الشعب الروماني (وهم طبقة الأسياد) على تسعين بالمائة من خيرات البلاد ، وإذا كان مصير روما العظيمة على هذا النحو المؤلم يوم احتكر قلة من أبنائها كل خيرات البلاد، أفلا نتساءل عن مصيرنا نحن الذين نقبع في أسفل السلم الحضاري ؟ ناقوس الخطر يدق بشدة فهل من آذان مصغية؟