وضعية القطارات المتهالكة التي تربط الجديدة والبيضاء تخلق الجدل    الصين: البنك المركزي يحدد أولوياته لسنة 2025    ساركوزي يحاكم في "قضية القذافي"    توقعات باستقالة رئيس وزراء كندا    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    اندلاع حريق مهول بغابة موكلاتة ضواحي تطوان    معرض "سيرا 2025".. المغرب يشارك في مسابقة "le Bocuse d'Or" وكأس العالم للحلويات، وكأس العالم للطهاة    أبرز المتوجين بجوائز "غولدن غلوب" الثانية والثمانين    شركة "ميتا" تعتزم إطلاق أدوات ذكاء اصطناعي جديدة على (فيسبوك) و(إنستغرام)    السعودية .. ضبط 19 ألفا و541 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    آية دغنوج تطرح "خليك ماحلّك" باللهجة لبنانية    تراجع سعر صرف الدرهم المغربي أمام الأورو والدولار    ارتفاع أسعار الدجاج الحي إلى 30 درهماً للكيلوغرام    تعليق الدراسة ببعض مناطق اقليم الحسيمة بسبب الثلوج    نهضة بركان يفوز على الملعب المالي في رابع جولات كأس الكونفدرالية الإفريقية    حكيمي يتوج بلقب "السوبر الفرنسي"    النصيري يهز الشباك مرتين بتركيا    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحتج في مسيرات جهوية ضد قانون الاضراب    "حماس" تستعد لتحرير 34 رهينة    زخات رعدية مهمة وثلوج مرتقبة بالمغرب    عواصف تتسبب في تأجيل أكثر من 100 رحلة جوية في ألمانيا    الجزائر تدمن استغلال المنابر الدولية لتصريف الحقد على المكاسب المغربية    الزمامرة تنتصر بثلاثية في الجديدة    تفاصيل حكم فرنسي يقضي برفع ساعات العربية بمدارس البعثة بالمغرب    درك سيدي إفني يفكك عصابة للهجرة    أزمة إنتاج أمهات الكتاكيت بالمغرب .. شركة أمريكية مرشحة لبناء ضيعات    تلقت ما مجموعه 7 آلاف و226 ملفا : مؤسسة وسيط المملكة ترى الإجراءات الإدارية المرتبطة بالتسجيل والحصول على الدعم الاجتماعي معقدة ومضيعة للوقت    هدف أبوخلال يقود تولوز للفوز الثاني على التوالي في الدوري الفرنسي    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    تيزنيت:"تيفلوين" تفتح أبوابها الأربعون لاكتشاف الموروث الثقافي والفلاحي والاجتماعي والتقليدي للساكنة المحلية    الحسيمة.. سيارة تدهس تلميذة صغيرة وتنهي حياتها    فرنسا تشكك في التزام الجزائر بإحياء العلاقات الثنائية    و"هبيولوجيا" الخطاب.. أو حين يصبح العبث منهجا سياسيا    حقوقيون يسجلون استمرار قمع حرية التعبير وينبهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية    مسرحية "هم" تمثل المغرب في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي    هكذا كنت (أحتفل) بنهاية السنة في السجن    وزير الخارجية السوري يدعو من قطر إلى رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده    انطلاق أشغال مؤتمر الألكسو ال14 لوزراء التربية والتعليم العرب بمشاركة المغرب    الإعلان في المغرب عن تأسيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان    تاوسون تتوج بدورة أوكلاند للتنس بعد انسحاب اليابانية أوساكا    انخفاض المبيعات السنوية لهيونداي موتور بنسبة 1,8 بالمائة    "ميتا" تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتطوير تجربة التواصل الاجتماعي    خبراء مغاربة يؤكدون عدم وجود تهديد استثنائي من "فيروس HMPV"    المغرب يفرض "رسما مضادا للإغراق" ضد الأفران الكهربائية التركية    "أدناس" يستحضر تيمة "الشعوذة"    مطالب للحكومة بتوعية المغاربة بمخاطر "بوحمرون" وتعزيز الوقاية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    آخر الأخبار المثيرة عن حكيم زياش … !    المشاركون في النسخة ال16 من لحاق أفريقيا ايكو رايس يحطون الرحال بالداخلة    حادث سير بشارع الإمام نافع في طنجة يعيد مطالب الساكنة بوضع حد للسرعة المفرطة    أمن مراكش يحجز 30 ألف قرص طبي    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تُعلن تشغيل المسار البرتقالي من قطار الرياض    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن في المغرب لا داعي للسرعة!
نشر في هسبريس يوم 18 - 12 - 2009

الاهتمام بالوقت وإعطاء قيمة للزمن واحترام المواعيد والآجال في العمل والمعاملات من أبرز عناوين المدنية والتحضر، وأحد أهم أسباب التقدم والرقي الاجتماعي والاقتصادي. لكن الوقت مع الأسف عندنا في المغرب هو أرخص شيء في حياتنا وهو رأس المال الوحيد الذي لا نحتج على سرقته منا أكثر من عشر مرات في اليوم ، ولا نقدم بلاغات وشكايات ضد اللصوص المتعددين الذين يسرقون منا أوقاتنا الثمينة بطرق مختلفة ولا ننزعج من ذلك ، لأننا ببساطة لا نقدر ثمن وقيمة هذه الثروة وهذا المعدن النفيس الذي يمتلكه ويتقاسمه الغني والفقير على حد سواء .
في المغرب مثلا عندما تسأل شخصا عن أخبار وأحوال فلان يجيبك هذا الشخص راه مزيان بخير عاد شفتو هادي واحد العامين ونصف ، وعندما تسأل آخر آش كدير هنا يجيبك كنساين فلان دار معايا الجوج ودابا هادي الثلاثة غادي نزيد نتسناه حتى الرابعة ويلا ماجاش غا نمشي وها أنت شاهد عليه . هذه هي قيمة الزمن والمواعيد عند الغالبية العظمى من المغاربة ، دير مع بنادم موعد لا يأتيك إلا بعد مضي أكثر من ساعة وإذا لم يأت لا يكلف نفسه مشقة الاعتذار وكأن شيئا لم يقع واللي بغى يربح العام طويل كما يقول المثل المغربي .
في المغرب فقط يمكن لنا أن نتوجه إلى مكان انعقاد اجتماع ما أو نشاط ثقافي أو فني معين ونتحمل ببرودة أعصاب انتظار بداية هذا النشاط لأكثر من ساعة بعد الموعد المحدد في الدعوة. ويحكى أن وزيرا للداخلية في عهد سابق توجه على رأس وفد وزاري وشخصيات هامة في البلد إلى مسرح محمد الخامس لحضور حفل فني في مناسبة وطنية ، ولما طال الانتظار ولم تنطلق السهرة الموسيقية في موعدها المحدد والناس جالسون ينتظرون ، بلغ إلى علم الوزير أن مشكلا ما وقع لآلة القانون ، فقام من مكانه وقال للعازف على هذه الآلة واش هاد القانون ديالك ما غاديش يتصاوب اليوم ولا كيفاش ؟
فأجابه العازف : القانون ديالي غادي يتصاوب ، القانون ديالكم نعاماس هو اللي ما عرفناش إمتى غادي يتصاوب ويتقاد ، فضحك الجميع وعاد العازف لإكمال عملية تسوية وضبط حبال وأوتار قانونه الخاص !
المغرب هو البلد الذي نتعلم فيه التثاقل في كل شيء منذ الصغر ، وينعكس هذا السلوك المكتسب على عقلياتنا ومزاجنا وتعاطينا مع واجباتنا والتزاماتنا وحتى على أسلوب لعبنا وممارستنا للرياضة . انظروا مثلا إلى بطولتنا الوطنية في كرة القدم التي تعتبر مرآة تعكس ثقافة المغاربة وعلاقتهم بالزمن ، في بطولتنا الوطنية وحتى على مستوى منتخبنا الوطني تبارك الله عليه ، يكمن لك أن تغادر مكانك في الملعب أو من أمام شاشة التلفزيون في البيت مع بداية هجمة معاكسة وتتوضأ وتصلي وتأخذ سندويش وتعود لتجد الكرة مازالت بين أرجل لاعبي الفريق المهاجم ولم تصل بعد إلى مرمى الفريق الخصم ، لأن لاعبينا قصارين مع راسهم باللاتي عليهم ما عندهومش مع لافيتاس دو جو نهائيا ، ولسان حالهم يقول نحن في المغرب لا داعي للسرعة !
وماذا ننتظر من لاعب تربى على البطء ونشأ في بيئة وأسرة لا تقوم على مائدة الأكل إلا بعد مرور ساعات وساعات ، وأتذكر هنا مشهدا كاركاتيريا رسمه الفكاهي الملتزم أحمد السنوسي في إحدى عروضه الفنية أيام زمان للجنة من الخبراء والمسؤولين المغاربة جمعتهم وجبة أكل بوفد من اليابانيين الذين زاروا بلادنا ، ففي الوقت الذي تناول فيه هؤلاء الضيوف غذاءهم بأخف وأسرع من البرق - أكلوا كما قال بزيز سبع حبات ديال الروز ومسكة لكل واحد منهم - وقاموا إلى قاعة مجاورة من أجل ترتيب أوراقهم وملفاتهم والتهييء للاجتماع المهم الذي سيجمعهم بعد لحظات بنظرائهم المغاربة ، في هذا الوقت انغمس إخواننا المغاربة في الأكل ونسوا أنفسهم وهم يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم ويأكلون ويشربون ، فكادت أن تحدث أزمة دبلوماسية بين المغرب واليابان بسبب " الفواقة " التي أصابت أحد المسؤولين المغاربة التي تشبه في صيغتها ولحنها الاسم الشخصي والعائلي لواحد من اليابانيين الذي ظل يقوم من مكانه ويعطي التحية على الطريقة اليابانية المعروفة كلما شهق المسؤول المغربي المصاب بالفواقة والتخمة ظنا منه بأن هذا الأخير يحترمه ويناديه بإسمه .
نحن الشعب الذي لا يمل من انتظار كأس من الشاي المشحر الذي يستغرق وقتا طويلا من الزمن ، واسألوا إخواننا المغاربة بأقاليمنا الجنوبية الله يعطيهم الصحة كم يستغرق من الوقت إعداد براد أتاي على الطريقة الصحراوية . إنها المدة التي يصنع فيها الأوروبيون والصينيون العجائب والغرائب ويصدرونها لنا بكميات وافرة عن طريق أسطول من البواخر وطائرات الشحن التجارية . ويغرقون أسواقنا ببضائعهم ومنتجاتهم التي شمروا على سواعدهم جميعا وقاموا في الصباحات الباكرة وسهروا الليالي من أجل إنتاجها وتصديرها إلينا ، في الوقت الذي كنا فيه نحن وبقية الشعوب الخاملة التي تشبهنا في الخمول والكسل نقضي أوقاتنا في القيل والقال في المنتديات والتجمعات وفي لعب الكارطة والقمار وقتل الوقت في المقاهي وعلى قارعات الطرق حاضيين الغادي والجاي ، وفي الجلوس المطول أمام القنوات التلفزية من أجل متابعة برامج نغمة وتاي ولالة العروسة وسهرات عماد النتيفي الأسبوعية التافهة بضيوفها ومنشطيها .
نحن الشعب البارع في ابتكار وتأليف النكت التي تقلل من شأن الوقت وتنتقص من قيمته وتسخر منه ، كحكاية ذلك الشاب العاطل عن العمل الذي قال له والده المتقاعد وهو راقد في فراشه والساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا قم يا بني استرزق الله ، راه قالك شي واحد فاق بكري وخرج بعد الفجر ولقى بزطام / حافظة نقود فيه ألف درهم فقال له الابن المطور شفتي غير هذا اللي لقى بزطام آلوالد ، ما بان ليكش هذاك اللي فاق قبل منو وطاح ليه البزطام ، الله يهديك الوالد خليني نضربها بنعسة راه ما كاين ما يدار فهاد البلاد عييت بالدوران على الإدارات ، الأبواب كلها مسدودة واش بغيتيني نبيع ميكة كحلة في السوق وأنا قريت وحصلت على شواهد عليا حتى شاب شعر رأسي .
نحن الشعب الذي لا نريد أن نفهم بأنه كلما كنا منظمين أكثر نسيطر على ما نريد وكلما كنا مخططين لحياتنا وتفاصيلها ومرتبين لأمورنا بشكل محسوب ومدروس جيدا نصل إلى الأهداف المرسومة في أسرع مدة وبأفضل النتائج. ولا نريد أن ننمي في نفوسنا القدرة على إدارة ذواتنا وأوقاتنا واستغلالها بالشكل الأفضل ، ولا نعرف الطرق والوسائل التي تسمح لنا بالاستفادة القصوى من الوقت وكيف نحقق التوازن بين واجباتنا ورغباتنا وأهدافنا ، ولا نعرف كيف نقول " لا " عندما يطلب منا القيام بعمل لا يدخل في مجال اختصاصنا وغير وارد على قائمة أولوياتنا وواجباتنا اليومية إن وجدت هذه القائمة طبعا ، وعندما يطلب منا مرافقة أحد أصدقائنا ومعارفنا إلى نزهة أو سهرة ما ، لم تكن مبرمجة من قبل ولم نكن مهيئين لها على جميع المستويات .
نحن الشعب الذي يحلو لنا الاشتغال في أجواء الفوضى واللانظام والاستمتاع بسوء تدبير الوقت وتضييعه وهدره ، ولا نعرف قيمة أخذ قسط من الراحة بعد العمل الشاق والمضني أو القيام بالتمارين الرياضية من أجل الحفاظ على صحتنا ولياقتنا وتمكين أجسامنا بالقدر الكافي من الأوكسجين كي تشتغل عقولنا بصورة أفضل ويتحسن تركيزنا . وفي المساء عندما نأوي إلى فراشنا نأوي إليها مرهقين ومحبطين ويائسين لأننا انغمسنا في العمل على طول الوقت بلا توقف ولم ننجز مع ذلك أعمالنا كاملة أو بالأحرى لم نجد الوقت الكافي لذلك كما ندعي ونشتكي عادة .
هكذا نمسح فشلنا دائما وإخفاقاتنا في الوقت ونلوم بعد فوات الأوان الآخرين الذين أضاعوا لنا أوقاتنا في الخواء وسرقوها منا من خلال المكالمات الهاتفية المطولة ، والأحاديث الجانبية التي لا طائل منها في الممرات والمكاتب وفي الطريق إلى العمل ومنه إلى البيت .
نحن الشعب الذي لا نعطي قيمة للوقت ونحن الشعب الذي يشتكي في نفس الوقت من الوقت ومن الغرق في " الخدمة " وفي الواجبات المهنية والمنزلية بسبب الفوضى في تدبير أمورنا واستعمالنا الزمني اليومي والأسبوعي ، وبسبب العشوائية في تنظيم أوراقنا وملفاتنا وأولوياتنا ومحيطنا في العمل والحياة بشكل عام .
هذا كله مع العلم أن في ديننا الإسلامي ما يحضنا على النظام وما يفيد بأن أعمارنا في هذه الحياة محسوبة علينا بالدقائق والأنفاس ، وما يدعو لإعطاء أبداننا ونفوسنا حقها من الراحة والتسلية والترفيه بالحد والقدر المعقول ، وما يدفعنا للحرص على الوقت واغتنامه واستثماره بشكل أفضل في البعدين الديني والدنيوي .
ولنا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وحياتك قبل موتك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك " وقوله أيضا " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به " خير مثال على اهتمام الإسلام بالوقت كقيمة حضارية وعنصر أساسي في عملية الإنتاج وكسب الأرزاق وإنفاقها في المشاريع الخيرية والأعمال التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
والقرآن الكريم كذلك يحثنا على التسابق مع الزمن لفعل الخيرات وتدارك ما فات ، ويبين لنا الندم الشديد الذي يصيب يوم القيامة المضيعين لأوقاتهم في حياتهم الدنيا في الأمور التافهة وفي الشهوات والملذات حيث يقول ربنا عز وجل في سورة الفجر :
" يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي "
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.