رغم إيماننا العميق بأهمية المحافظة عليه واحترامه، ورغم اعترافنا بأنه عنصر مهم في رقي الشعوب وتقدمها، ورغم تسليمنا بأنه جزء من ديننا وسلوك يحث الإسلام على الالتزام به، إلا أننا في حياتنا اليومية لا نكاد نجد لهذا الإيمان أو التسليم وجودا حتى أصبح موعد مغربي مضرب المثل في الاستهتار بالوقت والإخلال بالمواعيد، فنحن أول المؤمنين بقيمة الوقت وأهميته، دينيا، وآخر المحترمين له، ثقافيا وسلوكيا، هذا التناقض بين الإيمان والممارسة يكشف عن ارتباك حقيقي لدى المغاربة والمسلمين بشكل عام. اعتبارا للأهمية التي يوليها الدين للوقت، واعتبارا لما يفترض لدى المتدين من احترام أكبر للوقت ينبع من قناعاته الدينية، التجديدرصدت الظاهرة في صفوف المتدينين وطرحت السؤال الكبير: لماذا لا يحترم المتدينون، فضلا عن غيرهم، المواعيد ولماذا يسيئون تدبير الوقت؟ وحاولت رصد بعض الإجابات. قتل الوقت: حين يتحول الجاني إلى ضحية يختلف تعامل المتدينين المغاربة مع الوقت، وتتباين الأسباب التي جعلتهم يعطلون العمل باحترام المواعيد والانضباط للوقت ويحولونه إلى فريضة غائبة، لكن التناقض الكبير الذي يقع فيه الغالبية هو رفض الانتظار واعتباره من أسوأ المواقف التي لا يريدون الوقوع فيها، في حين لا يجدون حرجا في التاخر عن المواعيد، هذا التناقض هو ما تعبر عنه خديجة وهي شابة في منتصف العقد الثاني من عمرها، طالبة باحثة، تقول بأنها لا تدرك أهمية الوقت والالتزام به إلا عندما تضرب موعدا مع أحدهم فيتأخر، تصاب آنذاك بالغضب وتشعر كلما طالت ساعة الانتظار بأن الطرف الآخر لا يكن لها احتراما ولا تقديرا لذلك يتاخر ويتركها في حالة انتظار قاتل، لكنها تعترف بأنها رغم ما يصيبها من غضب إلا أنها بدورها تتأخر عن مواعيدها، وتكون في الغالب بتبريرات خارجة عن إرادتها. بالمقابل تدرك سماح وهي طالبة في العشرينات من العمر أن الانتظار أمر غير مقبول، لذلك تحرص كما تقول على أن تكون ملتزمة بالوقت قدر الإمكان، وتضع نفسها في مكان الطرف الآخر الذي حددت معه الموعد. سوء التخطيط والفوضى وغياب برنامج واضح، كل هذه الأمور قد تكون وراء التأخر عن المواعيد وتضييع الوقت وعدم استثماره بشكل جيد ونافع، وهذا ما تعترف به السيدة ربيعة وهي ربة بيت في الثلاثينيات من عمرها، إذ تقول بأنها غالبا ما تتأخر على المواعيد التي تحددها سواء مع الطبيب أو إحدى صديقاتها أو موعد مع زوجها، وترجع ذلك في أغلب الأحيان إلى أسباب تقول بأنها خارجة عن إرادتها، فقد يحدث طارئ يجعلها تتأخر كأن تكتشف أن ملابسها غير مكوية أو حذاءها يحتاج إلى تصليح، أو أنها تنهمك في ترتيب منزلها حتى يداهمها الوقت أو تتأخر في إعداد وجبة الغذء فيتأخر بالتالي برنامجها اليومي كاملا، الباحث مصطفى تجاوز هذه المسألة بعد أن اكتشف أن التخطيط الجيد يساعده على الانضباط للوقت، وعلى تطبيق جدول أعماله كما خطط له، فهو يقوم بتحضير ملابسه في الليلة السابقة، ويعد كل ما يحتاجه في يوم عمله المقبل من أوراق ومستلزمات وعندما يستيقظ يجد كل شيئ جاهزا كما خطط له دون أن يضيع وقته في تفاصيل صغيرة. قتل الوقت ظاهرة مرضية لا يوجد دين حرص على إعطاء الوقت أهمية بالغة مثل حرص الإسلام، فقد ارتبطت معظم العبادات الدينية بمواقيت محددة وثابتة فللصلاة وقت محدد وللصيام والحج كذلك... كل يوم يمضي وكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها أو تغيير ما وقع فيها، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري، رحمه الله، حين قال ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة الأستاذ محمد أصبان، عضو المجلس العلمي المحلي بالرباط، يؤكد بأن للوقت أهمية كبيرة في الإسلام والله سبحانه وتعالى أقسم به في كثير من الآيات القرآنية منها قوله تعالى في سورة العصر والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى عز في سورة الفجر والفجر وليال العشر، كما أقسم في سور أخرى بالليل والشمس وكلها مواقيت أقسم بها الله عز وجل ليظهر لعباده أهمية هذا الوقت في حياة الإنسان، لأن الحياة ليست سوى رحلة قصيرة وعلى الإنسان المسلم أن يغتنمها في طاعة الله سبحانه، وفيما ينفعه في الدين والدنيا، وينفع أسرته ومجتمعه. ويرى أصبان أن ظاهرة قتل الوقت وعدم الاهتمام به خاصة لدى المسلمين، ظاهرة مرضية ترجع إلى عدم تقدير هذا الوقت الذي هو كالسيف إن لم تقطعه بالخير قطعك بالشر، وسبب هذه الظاهرة بحسبه يرجع إلى الجهل بقيمة الإنسان على هذا الكوكب، فالإنسان لم يخلق عبثا بل خلق لمهمة سامية ورسالة مقدسة هي الخلافة على هذه الأرض وأداء دوره في الحياة وكل ميسر لما خلق له، ولذلك يعتقد أن المسلمين عليهم أن يراجعوا حساباتهم ويعطوا للزمان المكان التي يستحقها حتى لا يندموا ساعة الرحيل حيث لا ينفع الندم كما يقول تعالى قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها فالإنسان حينما يوافيه الأجل يتمنى أن تعطاه فرصة من أجل أن يستغل عمره فيما ينفعه دينا ودنيا. ويضيف أصبان بأنه لأهمية الموضوع وارتباطه المباشر بالمجتمع، يتعرض له الخطباء في الجمعة والوعاظ والمرشدون في دروسهم الوعظية بالمساجد على اعتبار أن حسن استثمار الوقت سينعكس بالإيجاب على البلد. ارتباك بين الفهم والواقع الكثير من المتدينين رغم إيمانهم العميق بأن احترام الوقت والانضباط له وحسن تدبيره جزء من الأخلاق الإسلامية إلا أن واقع الممارسات اليومية يكشف إهدارا ملحوظا للوقت وسوء تدبيره والبحث عن المبررات الجاهزة للتأخر عن المواعيد أو الغياب عنها، وفي هذا الصدد يؤكد الداعية الإسلامي الدكتور عبد الرحمن البوكيلي على أن هناك عدة أسباب تكمن خلف هذا الارتباك وهذا التفاوت والتباعد بين ما يطمئن إليه الانسان وما يفهمه وما يريده وبين واقعه، ولعل السبب الاول بحسب البوكيلي يتجلى في الحاجة المستمرة والمتجددة والمتكررة إلى التنبيه إلى قيمة الوقت، لأن تكرار هذه القضية كفيل بتعزيزها وترسيخها ودعمها، ويضيف بأننا بحاجة إلى المزيد من التنبيه إلى أن الوقت هو رأسمالنا الذي سنسأل عنه يوم لقاء الله سبحانه وتعالى، فما من دقيقة من أعمارنا إلا ويفتح لها سجل حول ماذا عمل الانسان فيها، وهذا معنى قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه.. الحديث وبشكل أدق عن شبابه فيما أبلاه لأن الشباب مرحلة القوة والعطاء والنشاط، ينبغي أن تستغل بأقصى طاقة ممكنة. الأمر الثاني وهو أمر واقعي، فقد نشأنا في مجتمعات متخلفة أهون ما عندها أوقاتها، فالمقاهي مكتظة والشوارع ممتلئة عن آخرها، ومجالس اللغو كثيرة والفراغ مستشري، ولا شك أن هذا الأمر يؤثر على الإنسان الذي يعيش في هذه الأوساط، فالإنسان يجد فرقا كبيرا بين وجوده في مثل هذه المجتمعات وبين وجوده في مجتمع آخر أكثر تقدما، فهو إذا غادر إلى مجتمعات متقدمة تغير وأصبح نشيطا ومتحركا وأصبح وقته معتبرا، فهذا الجانب الذي هو الجانب العرفي الواقعي له أثره وثقله مما يستدعي بذل جهد كبير للارتباط بما يراه الإنسان خيرا وفضلا والانفلات وفقا لهذا الواقع. هناك جانب مهم جدا وهو الجانب الإجرائي، فالمغاربة والمسلمين بشكل عام يحتاجون إلى تعلم جدولة الوقت وبرمجته، والسبيل إلى ذلك أن تكون لدى الإنسان خطوط كبيرة لا يتنازل عنها، فالواجبات التعبدية تأخذ وقتها والواجبات العملية كذلك، وإذا كان الإنسان طالب علم يخصص وقتا لواجباته الدراسية، وإذا كان عاملا في مجال الدعوة فينبغي له الاستمرار في تقويم نفسه والقراءة والمطالعة والانكباب في العلم. ثقافة من عند أنفسكم يذكر البوكيلي أنه لابد وأن تكون ليومنا أثر وإنتاج وأن يكون لأسبوعنا عمل متميز وأن تكون للسنة في حياة المؤمن ما يميزها، وإذا انتبه المسلم إلى جملة من المسائل المرتبطة بوقته، يمكنه أن ينهض بحياته ويحقق نتائج مباركة ويمكن لعمره أن يكون عمر إنتاج وخير، وعامرا بما يحبه الله عز وجل ورسوله وما ينفع المؤمنين وما ينفع الناس أجمعين وبخصوص الثقافة التبريرية التي أصبحت جزءا من التكوين العقلي للمغاربة حيث إنهم دائما ما يجدون تبريرا للتأخر أو الغياب، يوضح الدكتور البوكيلي أن التخلف مسألة بنيوية شاملة لا تتعلق بجانب دون آخر، والتخلف يظهر حتى في اللغة المتداولة بين الناس، وفي طبيعة المشية التي يمشونها، والإسلام يحمل المسؤولية للإنسان أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ، فثقافة من عند أنفسكم هي ثقافة إنسانية ينبغي أن تعود من جديد إذا أردنا فعلا أن ننهض، وهذا ما نجده في اللغات الأجنبية فهم يقولون تأخرت عن الحافلة لكن في لغتنا اليومية نقول بأن الحافلة تأخرت أو فاتتني الحافلة، فالثقافة القرآنية مهمة جدا ويستشهد البوكيلي بقصة عمر بن الخطاب عندما رأى رجلا يسير مشية المرضى، فقال له ارفع رأسك لا تمت علينا ديننا، فكثير من الناس يحسبون أن التدين هو نوع من التراخي والركون إلى العجز والخمول، في حين أن العكس تماما هو ما جاء الإسلام يؤسس له، فنبينا في الحديث الصحيح كان يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. ويضيف البوكيلي أن التراخي وإلقاء اللوم والتبعة على الغير سلوكات غريبة عن الثقافة الإسلامية وعن الدين، ويؤكد على أن احترام الوقت وحسن تدبيره قبل أن يكون خلقا لمصلحة الأمة فهو خلق رباني يرضاه الله تعالى.