ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير التربوي الدريج: "نحن أميون في التعامل مع ظاهرة الأمية"
نشر في نون بريس يوم 16 - 10 - 2017

ننشر فيما يلي الجزء الثاني من الحوار مع الأستاذ محمد الدريج ، حول جوانب من إصلاح المنظومة التعليمية ببلادنا في علاقتها ببعض الإشكالات والمعيقات التي لا بد أن تجد حلا لها و أن تتجند لأجل ذلك، جميع الفعاليات الرسمية و فعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص شريطة بطبيعة الحال، أن تتوفر الإرادة السياسية للارتقاء بالمنظومة التربوية و بالمدرسة الوطنية العمومية حتى تساهم بفعالية في التنمية الشاملة لبلادنا.
وفي ما يلي نص الحوار:
– هل تقدم الشعوب وتخلفها مرتبط بالأساس بالتعليموبالقضاء على الأمية ؟
نعم، لا شك أن التعليم من اهم الوسائل التي تساهم في تحقيق التنمية ، على أساس ان التنمية تعني العملية التي تجعل المجتمع قادرا على استخدام موارده المادية والبشرية استخداما حكيما وفعالا لتحسين البنيات التحتية والفوقية وبما يرفع أساسا من مستوى معيشة جميع أفراده . لذا جاء الاهتمام بالعنصر البشري من حيث أن إنتاجيته تتزايد بزيادة معارفه وكفاياته وخبرته ومهارته، والقاعدة تقول " كلما استثمرنا في الانسان ازداد العائد منه".
وهكذا يعتبر التعليم من أهم عوامل بناء رأس المال البشري والتنمية ويؤدي التطور فيه الى دفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي وتحسين مستويات المعيشة عن طريق زيادة دخل الفرد والتحفيز على العمل والتحصيل العلمي. وعليه فإن الاستثمار في التعليم يعود بفوائد عديدة على الافراد والمجتمعات وذلك للاعتبارات التالية :
-يوفر التعليم زيادة إنتاجية الأفراد ومواردهم التي يحصلون عليها،الأمر الذي يساهم في نوعية حياتهم، إنه من الوسائل المهمة لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام والمساعدة على التخفيف من حدة الفقر . وقد اوضحت الدراسات بأن كل عام دراسي اضافي يزيد من مورد الفرد بمتوسط عالمي يبلغ نحو 10 .%
-كما يمكن التعليم الأفراد من الفهم العميق للأمور وحسن التواصل وبالتالي الاختيار السليم في اتخاذ القرار ،دون أن يكونوا ضحية استغلال من أي كان.
-و يمكنهم أيضا من التوسع في التعلم الذاتي والتطور ، بحيث يشكلون قوة عمل مرنة تتمتع بمهارات وكفايات عالية والتي تعد العمود الفقري لأي اقتصاد قادر على خوض المنافسة على الصعيد العالمي.
– انعقدت المناظرة الوطنية لمحاربة الأمية بقصر المؤتمرات بالصخيرات، (13و14 من شهر أكتوبر 2017) والتي اختير لها شعار " القضاء على الأمية إنصاف والتزام وشراكة "، بالتزامن مع مناسبة اليوم الوطني لمحو الأمية، في إطار التعبئة من أجل تقوية الانخراط الوطني وتكثيف الجهود حول تقليص نسبة الأمية… فما رأيكم في هذا الحدث ؟
شخصيا لا أنكر أهمية مثل هذه التظاهرات واللقاءات، بل بالعكس ولكن سؤالي وبإلحاح، عن أوراق العمل والمداخلات التي قدمت خلال هذه المناظرة وهل سبقتها دراسات وبحوث علمية/ميدانية معمقة وشاملة على المستوى الوطني وعن نتائج هذه البحوث والجهات الأكاديمية (الموضوعية والمحايدة) التي قامتبإنجازها وما إن كانت ستشكل مستقبلا، أرضية للنقاش والحوار والبحث الجاد عن الحلول …لأن مشكلتنا هي أننا أميون في التعامل مع ظاهرة الأمية، بحيث نلاحظ جهلا تاما بالظاهرة وبمدى و طبيعة انتشارها والعوامل الحقيقية وراء استفحالها وأسباب فشل الكثير من محاولات القضاء عليها …هناك انعدام شبه تام للبحوث العلمية الجادة والحديثة والتي تتناول إشكالية الأمية بالدراسة من جميع الجوانب وعلى الصعيد الوطني ومدى استفادتها من النماذج والتجارب الدولية الناجحة.
كما أتساءل عن نتائج مثل هذه التظاهرات والتي أصبحت تتكرر وتجتر فيها التوصيات ومقترحات الحلول والتي ربما لن يقرأها المسؤولون أنفسهم فبالأحرى يعملون بها ويطبقونها. والأمر شبيه بتكاثر وتناسل الاستراتيجيات في شتى المجالات وخاصة ذات الطبيعة المجتمعية والتي لا تجد سبيلا للتطبيق في الواقع.
لقد اطلعنا على الكثير من التساؤلات الشديدة القلق ، والصادرة عن صحفيين ومهتمين بالموضوع حضروا الندوة الصحفية التي انعقدت يوم الاثنين 9اكتوبر2017 لتقديم المناظرة ، والتي تجعلنا نعتقد بان مثل هذه اللقاءات قد تشكل نوعا من الهروب إلى الأمام و الظهور في وسائل الإعلام والبحث عن التصفيق ليس إلا ، و الإيحاء بان الأجهزة المسؤولة تعمل بجد، في حين تبقى دار لقمان على حالها ، بل قد تزدادالأمور استفحالا.
وكما سبق أن نبهنا مرارا ، أنه لا مجال للحديث عن الاصلاح وعن إصلاح التعليم على وجه الخصوص ، دون التغلب على آفة الأمية في بلادنا والتي بلغت مستويات قياسية مخجلة ، حيث أن أزيد من 30 في المئة من المغاربة يعانون من الأمية. كما نبهنا إلى أن الأزمة التي يعاني منها التعليم تزيد الطين بلة وتزيد من استفحال الظاهرة وذلك بسبب الهدر المدرسي والانقطاع المبكر للتلاميذ،حيث نسجل أن حوالي 400 ألف طفل دون 15 سنة، يغادرون المدرسة سنويا والذين يعودون في الغالب إلى الأمية دون مستوى تعليمي ودون تكوين مهني ملائم، خاصة أمام ضعف مسالك التكوين و بنيات الاستقطاب المهني وانسداد الأفق امام الخريجين وفقدان الثقة في المدرسة العمومية وفي شواهد الجامعات والمدارس العليا والتي أصبحت في معظمها دون كبير فائدة.
لقد تناولت أسئلة الصحافيين والمهتمين ،والتي تعكس قلقاحقيقيا لدى فئات عريضة من الشعب المغربي امام استفحال ظاهرة الامية، تناولت مواضيع من مثل عدم ظهور نتائج مرضية لحملات محو الأمية والتأخيرات المسجلة على مستوى أداء مستحقات الجمعيات المتعاقدة وأجور المكونين . و تساؤلات حول المغزى و الفائدة من مثل هذه اللقاءات والمناظرات أصلا ، في ظل استمرار تصنيف المغرب ضمن الدول المتدنية في محاربة الامية . وأعرب المتدخلون عن آمالهم في أن تتحول توصيات المناظرة إلى قرارات تُفعل على أرض الواقع وألا تبقى حبيسة الرفوف..
كما أثيرت في ذلك اللقاء الصحفي ، مسألة وجود "هوة كبيرة بين ميزانية التعليم الحالية والتي تفوق 60 مليار درهم، وميزانية محو الأمية التي خصص لها القليل، وبالتالي، لا يمكن ربح الرهان بدون تمويل مهم"، علما أن نصف ميزانية الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، ممول من قبل الاتحاد الأوروبي، وأنه لولا هذا الدعم، لكان نصيب كل فرد مستفيد لا يتعدى 6 دراهم…، بينما تؤكد فيه اليونسكو على ضرورة تخصيص 100 دولار لكل أمي في السنة".
وقد سبق أن كرر المسؤولون دون انقطاع، الشكوى من ضعف الامكانيات، وإن كنا نعتقد أن المسألة ترتبط كذلك بسوء التدبير وضعف الحكامة وضعف التتبع والتقويم وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة،والعمل بمناهج عقيمة ،قبل أي شيء آخر.
وفي هذا السياق، سبق لأحد المسؤولين بالوكالة، أن شدد "على أن نجاح برامج ما بعد محو الأمية والتعلم مدى الحياة يستدعي التكوين والتكوين المستمر والتأهيل، ومن ثمة ضرورة إيجاد مصادر تمويل مستدامة، مضيفا أن من أهم أسباب تعثر برنامج الوكالة ، منذ إحداثها في 5 نونبر 2013 (تاريخ انعقاد مجلسها الإداري)، هو "ضعف التمويل وارتباك الملف الذي قاذفته قطاعات متعددة جعل سنة 2013 – 2014 تكاد تكون سنة بيضاء"، في غياب نتائج نوعية .
– لماذا تتعثر بعض البرامج الرسمية والمرتبطة أساسا بقطاع التعليم ،في محاربة الأمية، في حين نلاحظ نوعا من النجاح تعرفه برامج أخرى مثل برامج القطاع الخاص، أو برامج وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؟
هناك أسباب كثيرة لعل من أهمها أن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية والتي كانت أصلا كتابة للدولة في محاربة الأمية ثم مديرية في وزارة التربية الوطنية ، والتي لا تتوقف عن الشكوى من ضعف الميزانية وقلة الإمكانيات، لم تتمكن في الحقيقة من تطوير خططها وأساليبها و وسائلها … فهي ما زالت تشتغل بمنهجية وبعقلية قديمة وربما بنفس الاشخاص أو بأشخاص بعيدين عن المجال، إنها وريثة الهياكل والتنظيمات القديمة والتي غيرت اسمها وبنايتها فقط، بعدما كانت كتابة للدولة ثم مديرية في الوزارة…وارثة حصيلة ثقيلة من التجارب الفاشلة، فالوكالة لا تتوفر على مندوبيات ولا على مكاتب وأقسام اقليمية و جهوية خاصة بها وما زالت تشتغل ،رغم استقلالها تشريعيا وإداريا، بالاعتماد على نيابات/ مديريات التعليم والتي هي نفسها تتخبط في مشكلات لا حصر لها، وهذه تعتمد بدورها وبشكل شبه كامل ، على الجمعيات والتي يعيش عدد كبير منها وضعية مأساوية وتشكو من الخصاص الكبير في الأطر العاملة والمهيأة أساسا من الناحية العلمية والبيداغوجية،للتعامل مع نوعية خاصة من "التلاميذ" المستفيدين من برامج محو الأمية و تشكو كذلك من الخصاص الكبير فيالأقسام والمكاتب والتجهيزات الديداكتيكية اللازمة…
وقد أقرّت دراسة حول "وضعية وآفاق برامج محو الأمية بالمغرب"، فشل الاستراتيجية الحكومية التقليدية في تحقيق الأهداف المسطرة، التي كانت ترمي إلى تقليص نسبة الأمية إلى أقل من 20 في المائة سنة 2010, والقضاء شبه التام على الأمية في سنة 2015, إضافة إلى تخفيض نسبة الأمية لدى الساكنة النشيطة أقل من 10% في أفق سنة 2010. مبرزة وجود حوالي 8 ملايين أمي في2009 تفوق أعمارهم 10 سنوات. وكشفت الدراسة التي أعدتها مديرية محاربة الأمية بوزارة التربية الوطنية وهي الأم الشرعية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، وقدمت نتائجها في اجتماع المجلس الأعلى للتعليم ، أن الوتيرة وقتها ، غير كافية من أجل القضاء شبه التام على الأمية سنة 2015, بالنظر إلى حجم وخصوصية الظاهرة، ولإشكالية الهدر المدرسي والمغادرة المبكرة للتلاميذ والذين يغذون باستمرار صفوف الأميين.
وأبرزت تلك الدراسة التحديات والإشكالات التي تحول دون تحقيق تلك الأهداف، و تشكل السبب الرئيس وراء فشل الاستراتيجية الحكومية، وذكرت منها ضعف التمويل وتعقد مساطر صرف الاعتمادات…في حين استطاعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وفي مدة قصيرة نسبيا، أن تخط برامج ومناهج التكوين ناجحة و تعتمد علىأساليب حديثة في التسيير وتدبير القطاع وعلى مقاربات تربوية لتزويد المستفيدين بالمعارف والكفايات وجعلهم قادرين مبدئيا، على الانخراط الإيجابي في مسلسل التنمية ، وتعمل وفق نظام عصري (على الرغم من ارتباطها إداريا وتنظيميا بالتعليم العتيق) في تخطيط وتنفيذ التكوين لفائدة أطرها التربوية لتأهيلهم وتجويد أدائهم.
كما تمكنت وزارة الأوقاف من توظيف المساجد بشكل ذكي وفعال ، فقد ارتفع عدد المساجد المجهزة بالمعدات والوسائط الديداكتيكية اللازمة لاحتضان الدروس في أحسن الظروف من 200 مسجد سنة 2000 إلى 3846 مسجدا سنة 2012. وارتفع عدد مؤطري الدروس بها من 200 مؤطر سنة 2000 إلى 4262 مؤطر سنة 2012. كما استحدثت الوزارة أجهزة تربوية للتنسيق والاستشارة التربوية والتوجيه سنة 2006، فتطور عدد المنسقين والمستشارين التربويين من 60،سنة 2006 إلى 350،سنة 2012.و بلغ عدد المستفيدين من برنامج محو الأمية بالمساجد، ما بين 2000و2017، ما مجموعه أكثر من مليونين ونصف (2.697.839 ) مستفيدا ومستفيدة، وفق ما أعلن عنه قسم محو الأمية بالمساجد بمديرية "التعليم العتيق ومحو الأمية بالمساجد"بوزارة الأوقاف.
– إذا توقفنا الآن قليلا عند الجمعيات التي تشتغل بشراكة مع الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية وتعتمد عليها كثيرا والتي ورثتها عن مديرية محاربة الأمية…؟
يصعب الحديث عن الجمعيات بنوع من التعميم وخاصة في غياب بحوث و معطيات وإحصاءات دقيقة (ومن هنا قولنا "نحن أميون في تعاملنا مع ظاهرة الأمية") فضلا عن أن هناك من يتشكك في الأرقام التي تقدم رسميا وينتقد ميل الجهات المسؤولة إلى تضخيمها والنفخ فيها، وحول مشكلة الأرقام ، يقول الأستاذ البشير تامر، رئيس كرسي اليونسكو لمحو الأمية وتعليم الكبار، إن هناك فرقا مهولا فيما يخص الأرقام التي تكشف عنها ،على سبيل المثال ،كل من وكالة محو الأمية والمندوبية السامية للإحصاء حول نسبة الأمية في بلادنا ، علما أنهما مؤسستان عموميتان، ويرى تامر أن نسبة 28 في المائة، التي أعلنت عنها الوكالة، سابقا، تبقى غير دقيقة من ناحية المنهجية العلمية التي طبقت، مقارنة مع النسبة، التي أفرجت عنها المندوبية والمتمثلة في 36 في المائة.
وفي نفس السياق نشرت الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، لائحة ب 1288 جمعية، على مستوى مختلف جهات المملكة، التي استفادت من الدعم المالي خلال الموسم القرائي 2015/2016. وتضم اللائحة، التي ورثتها الوكالة، اسماء الجمعيات وعدد المستفيدين وخاصة المستفيدات من محو الأمية، بالإضافة إلى المبالغ المالية التي تم رصدها لكل جمعية.
وقد تواصلت أنا بنفسي مع بعض الجمعيات العاملة في القطاع سواء خلال لقاءات و تداريب أو الإشراف على بحوث استطلاعية، ووقفت على الوضعية المأساوية التي تعاني منها من ضعف في المقرات وبنيات الاستقبال والتجهيزات والأطر وأساليب العمل وسيادة المحسوبية والتدخلات في التعامل معها وتأخر توصلها بمستحقاتها والهزيلة أصلا… واصبحنا نقرأ من حين لآخر شكاوى هذه الجمعيات ومطالبتها الجهات العليا بفتح تحقيقات في الموضوع ، ولكن لا حياة لمن تنادي.
والحقيقة أن وضعية الجمعيات ومشاركتها في تدبير هذا القطاع يطرح العديد منالمشاكل والعراقيل تحول دون الارتقاء بالممارسات في برامجمحو الأمية ، وبالتالي عدم بلوغ الأهداف المرجوة ، منها على الخصوص:
-"عدم توفير مقرات مناسبة وفضاءات ملائمة للتكوين،وافتقار أغلبها إلى التجهيزات الضرورية، وخاصة السبورات والمقاعد، مما ينتج عنه صعوبات العمل والتعاطي الإيجابي مع ظروف التكوين.
-"عدم سماح بنيات بعض المؤسسات التعليمية باستقبال المستفيدين من البرنامج لقلة الحجرات الدراسية مما يدفع الجمعيات إلى البحث عن فضاءات أخرى تفتقر في الغالب لشروط التكوين الملائم كالمنازل الخاصة، و غيرها."
-وكثيرا ما نقرأ حديث الجمعيات عن مشاكل مرتبطة بوضع حجرات الدراسة في المؤسسات التعليمية رهن إشارتهامن طرف وزارة التربية الوطنية، وتتحدث عن"غياب الإطار القانوني المنظم لاستغلال هذه الأقسام"،الأمر الذي يجعل عددا من المدراء يترددون في وضع الأقسام رهن إشارة الجمعيات، مما يدفعها إلى التعب في الانتقال بين المؤسسات التعليمية وبين مقر نيابة/مديرية التعليم. ولا ينتهي هذا التعب دائما بالحصول على الأقسام. وحتى إذا تم الحصول على رخصة لاستغلالها، في أوقات خارج حصص التدريس للتلاميذ، فإن حراس المؤسسات عادة ما يتحفظون على "مواكبة" هذه العملية، في غياب أي "تحفيزات" لفائدتهم.
-وكذلك تشكو من قلة الاعتمادات المرصودة وسوء تدبير المتوفر منها لتنفيذ البرامج، سواء المرتبطة بمحو الأمية أو الإعداد الحرفي والمهني المصاحب، خاصة وأن أغلب الجمعيات الشريكة ليست لها موارد مالية تغطي بها النقص الحاصل في الاعتمادات .كما تشكو الجمعيات من تأخير صرف مستحقات المتدخلين في البرنامج، مما يسبب لها مجموعة من المشاكل المالية، وينعكس سلبا على الأداء وعلى النتائج.
– فضلا عنضعف الحوافز الوظيفية و وجود أفكار سلبية لدى المستفيدين أنفسهم حول تعلم الكبار، مما يعسر التواصل معهم، و إقناعهم بضرورة التعلم لاكتساب المهارات القرائية…، الأمر الذي يؤثر سلبا على السير الطبيعيلبرامج محو الأمية.
– وماذا عن المعلمين والأطر المنشطة لدروس محو الأمية ؟
هنا نضع أيدينا على إشكال حقيقي ومعقدنتيجة سياسة الارتجال التي تتبعها الوزارة الوصية بخصوص تكوين وتوظيف الأطر فضلا عن افتقار المكونينوخاصة "العرضيين" أو "المتجولين" منهم والذين تستقطبهم الجمعيات في برامجها، إلى تأهيل متين يكسبهم كفايات ومؤهلات تمكنهم من التكوين بسلاسة لهذه الفئة الخاصة من المتعلمين الكبار، ويضمن بلوغ الأهداف، حيث لا تفي الدورات التكوينية التي يخضعون لها سواء من طرف الوكالة سليلة مديرية محاربة الأمية أو الجمعيات، بالمطلوب.
وعموما لا يمكن لوزارة التربية الوطنية ولا لغيرها بلولا حتى للجمعيات ذاتها،أن تراهن على تعويضات هزيلة أصلا لتحفيز المكونين (المعلمين) والمشرفين على برامجمحاربة الأمية. ذلك أن التعويضات الإجمالية السنوية ، والتي تصرف لفائدة المكونين غالبا ما تصل بالكاد و في المجمل إلى 7500 درهم، وعندما يقتسم هذا المبلغ المالي على 10 أشهر، فإن "الراتب الشهري" للمكون(ة) لا يتعدى 750 درهما.
و بالإضافة إلى هزالة التعويضات و التماطل في صرفها، فإن هذا القطاع يعاني من غياب رؤية مستقبلية للتعامل الجدي والمسؤول مع موضوع تكوين الأطر الملائمة لبرامج محو الامية والمهيأة أساسا للتعامل مع تعليم الكبار، مع ما يمكن أن يوفره من مناصب شغل للمشرفينو المكونين…والذين يعانون حاليا من انعدام التغطية الصحية و من باقي الحقوق المنصوص عليها في قانون الشغل.
وأمام تزايد مطالبهم واحتجاجاتهم أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، أنه وبموجب رسالة رئيس الحكومة في 14 نونبر 2016، تقرر وبصفة استثنائية، السماح لأساتذة سد الخصاص ومنشطي برامج التربية غير النظامية ومحو الأمية، باجتياز مباريات التوظيف بموجب عقود، والتي ستنظم من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، برسم الموسم الدراسي الحالي، وذلك "بالنظر لما راكمه المعنيون بالأمر من خبرة في مجال التربية والتكوين"، حسب ما جاء في بلاغ الوزارة. وكانت تنسيقية المعطلين، وأطر البرنامج الحكومي 10 آلاف إطار تربوي، طالبت بمقاطعة مباراة التوظيف ب"الكونطرا"، وطالبت بالإدماج في الوظيفة العمومية.
– هل لكم أن تقترحوا بعض الحلول للقضاء النهائي على آفة الأمية ؟
بطبيعة الحال يمكن صياغة عدد من الأفكار والمقترحات والتوصيات بهدف القضاء النهائي على آفة الأمية، و خاصة إذا توفرت الإرادة السياسية لحصول ذلك،إذ ما الفائدة من زخرفة وطرز التوصيات إذا لم تجد طريقها إلى الممارسة والتطبيق.
وأستسمحكم للتوقف على سبيل المثال عند بعض التوصيات، لما نحن بصدده ولما أسميه ب"كلام الليل يمحوه النهار"، والتي توصلت إليها بعض الندوات ومنها ندوة لإعداد برنامج عمل في مجال محو الأمية ، (أبريل 2013) والتي نظمتها مديرية محاربة الأمية بوزارة التربية الوطنية بالرباط، وخاصة تقرير الجلسة العامة الرابعة والورشة المرتبطة بها حول:أي آفاق لتطوير برامج محو الأمية وتعليم الكبار بالمغرب، نذكر :
– ضرورة توضيح السياسات العمومية في مجال محاربة الأمية باعتماد مقاربات تتجاوز المقررات والزمن والمكان نحو عمليات ذات فعالية، بما يسمح بتنويع السيناريوهات ووضعها رهن إشارة ذوي القرار لاختيار الأفضل؛
– تطوير تلك السياسات يأخذ بعين الاعتبار تعقد الإشكالية، وبنائها على مقاربات اندماجية ومنسجمة بين الفاعلين، وعلى تخطيط دقيق يراعي الاستجابة للحاجيات وحسن ترشيد الوسائل، مع الاستفادة من برامج التعاون الدولي على قاعدة احترام الأولويات. لذلك ينبغي تثمين وترصيد ما تمت مراكمته في مجال التعاون الدولي مع توظيف استراتيجيات الترافع لضمان تمويلات إضافية؛
-تعزيز ميكانيزمات اللامركزية واللاتمركز بحكم دورها في مهام بناء وتنظيم وتنسيق المجال؛
-أهمية المسؤولية المشتركة في قيادة البرامج والتدخلات المشتركة والقطاعية؛
-وضع خطة عمل مستقبلية في مجال محاربة الأمية بناء على نقاش واضح وديمقراطي مبني على محاور متكاملةتزاوج بين السياسات العمومية المعتمدة والمرجعيات، مع أخذ قضايا الحكامة و الترافع و التشريع والتعاون الدولي، بعين الاعتبار؛
-ضرورة التحسيس بأهمية المقاربة التشاركية بين الفاعلين والدولة على أساس توزيع واضح للأدوار، والتدخل الفعال على مختلف المستويات، وخلق مناخ محفز على المبادرة من أجل تحقيق أقصى درجات المردودية والجودة؛
– أهمية العناية المستمرةبتوفير البنايات والمناهج والأدوات والوسائل الكفيلة بتنفيذ التصورات.
(الخ …)
-فماذا تحقق من كل هذه الأفكار والتوصيات الهامة والتي انتهت إليها مناظرة 2013؟ وأين نتائج التقويم والتتبع والمحاسبة للجهات المعنية والمسؤولة عن تطبيقها ؟ أليس من الضروري طرح مثل هذه التساؤلات المشروعة، قبل التفكير في عقد مناظرة أخرى تجند الأطر ربما لسنة كاملة وتستنزف الطاقات وينفق عليها من أموال الشعب،القدر الكبير ؟
ولكن أعتقد شخصيا، أنه إذا كان القطاع التقليدي الرسمي(كتابة الدولة ، المديرية ، الوكالة…) الذي حارب الأمية لمدة طويلة بالكثير من الخسائر والقليل من النجاح، وارتبط أساسا بهياكل وزارة التربية الوطنية وبناياتها، سيستمر بالعمل بنفس الأساليب و التي أكل الدهر عليها وشرب وبنفس العقلية الجامدة والمتخلفة، ففي هذه الحالة يستحسن دمج هذا القطاع التقليدي بما فيه الوكالة بقطاع محاربة الأمية الذي تسهر عليه وزارة الأوقاف ليشكلا جبهة واحدة قوية، ويجنب من التكرار وهدر الموارد والمال العام ومن تشتت الجهود وتضاربها ، خاصة أننا نلاحظ أن عددا كبيرا من المستفيدين والمستفيدات من برامج محو الأمية يهجرون القطاع التقليدي للانخراط في برامج محو الأمية الذي يطبق بنجاح في المساجد، نظرا لوظيفيته ونظرا لارتباطه كذلك، بتعلم مبادئ الشريعة والعبادات وقراءة القرآن الكريم والأحاديث والأدعية …والذي يطبق في المساجد وفي جو من الإيمان و الخشوع والالتزام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.