في عالم أصبحت فيه القوة المعرفية أهم بكثير من القوة الاقتصادية أو العسكرية أو التكنولوجية، أصبح لزاما على كل المجتمعات البشرية التي تروم التقدم والرقي، الانخراط في مشاريع تحرير أفرادها من شبح الأمية، لتأهيلهم والارتقاء بمداركهم ومعارفهم استعدادا لإدماجهم في الحياة العملية، ومسايرة الركب الحضاري. من هذا المنطلق، وإيمانا منه بكون الأمية آفة خطيرة قد تهوي بالدولة نحو الانحطاط والتخلف، وتعرقل كل أسباب التطور والازدهار، انطلق المغرب منذ فجر الاستقلال في مبادرات تهدف إلى التقليص من آفة الأمية وتأهيل المواطن المغربي ليواكب ما يعرفه العالم من تحولات. المسار التاريخي لقطاع محو الأمية: عرف ملف محو الأمية ببلادنا إسنادا متعددا، وتنقلا بين العديد من القطاعات الحكومية وغير الحكومية مما حال دون تحقيق الأهداف المرجوة، ومن بين أهم القطاعات التي تناوبت على تدبير قطاع محو الأمية نجد: - قطاع الشبية والرياضة(1957-1966 ) - قطاع التعاون الوطني (1970-1977 ) - قطاع الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية (1978-1990) - تم إحداث قسم لمحو الأمية وتعليم الكبار بالوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية (1991) - تم إحداث مديرية محاربة الأمية تابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني (1997) - تم إحداث مديرية التربية غير النظامية بوزارة التربية الوطنية (1998). وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة أيضا إلى أنه ومن المحطات الأساسية التي عرفها مسار محو الأمية بالمغرب ، صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 والذي اعتبر محو الأمية الدعامة الثانية التي سيرتكز عليها إصلاح التعليم والنهوض بالتكوين، إذ اعتبر أن محاربة الأمية إلزام اجتماعي للدولة وعامل محدد للرفع من مستوى النمو الاقتصادي، فأصبح لزاما وأكثر من أي وقت مضى القضاء على آفة الأمية. وهكذا فقد تم في نونبر 2002 إحداث كتابة الدولة لدى وزير التربية الوطنية والشباب مكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية ، وبعد التعديل الحكومي أصبحت كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية تابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، تتكون من مديرية محاربة الأمية ومديرية التربية غير النظامية ومن أقسام ومصالح مركزية ومن مراكز ومصالح خارجية بالأكاديميات والنيابات. وفي أكتوبر 2007، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، أصبح قطاع محاربة الأمية والتربية غير النظامية تابع لكتابة الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي المكلفة بالتعليم المدرسي، ليتم سنة 2014 إحداث وكالة وطنية لمحاربة الأمية. برامج محو الأمية: تنجز برامج محاربة الأمية على امتداد سنة واحدة، في 300 ساعة من الدراسة موزعة على دورتين، وفي إطار: 1) البرنامج العام: ينفذ مباشرة من طرف قطاع التربية الوطنية و يتم داخل المؤسسات التعليمية، وهو موجه لكافة الأشخاص الذين يعانون الأمية؛ 2) برنامج القطاعات العمومية: ينفذ بشراكة مع القطاعات العمومية الشريكة: التعاون الوطني، الشباب، الأوقاف و الشؤون الإسلامية، الفلاحة، الصيد البحري، العدل (إدارة السجون)، القوات المسلحة، القوات المساعدة، الصناعة التقليدية، الجماعات المحلية، وهو موجه للأشخاص المنتسبين إلى القطاعات أو المستفيدين من خدماتها. 3) برنامج الجمعيات: ينجز هذا البرنامج في إطار اتفاقيات شراكة مبرمة على الصعيد المحلي بين الوزارة (نيابة التربية الوطنية) و الجمعيات تماشيا مع دورية السيد الوزير الأول رقم 07/2003، ويوجه لكافة الأشخاص الذين يعانون الأمية طبقا للاستراتيجية الحكومية، حيث يتم تمويله من طرف الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بتنسيق وشراكة مع وزارة التربية الوطنية، في حين يقتصر دور الجمعيات الشريكة على توفير مقرات سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها، وتجنيد المكونين و المشرفين، وتسجيل المستفيدين. 4) برنامج المقاولات: يهدف إلى تأهيل الموارد البشرية بالمقاولات المغربية و يعتبر مرحلة تمهيدية للتكوين المستمر؛ وهو موجه لكافة العاملين داخل المقاولات. برامج محو الأمية وإكراهات الميدان: رغم المجهودات القيمة المبذولة من طرف الدولة المغربية ومختلف المتدخلين والشركاء في مجال محو الأمية، لا زال القطاع يعرف مجموعة من العراقيل تحول دون الارتقاء بالممارسات داخل مراكز التعلم، وبالتالي عدم بلوغ الأهداف المرجوة من البرنامج، ومنها على الخصوص: صعوبة توفر مقرات مناسبة وفضاءات ملائمة للتكوين؛ وجود تمثلات سلبية لدى المستفيدين حول تعلم الكبار، مما يعسر التواصل معهم، و إقناعهم بضرورة التعلم لاكتساب المهارات القرائية، ويخلق نوعا من الاضطراب في انطلاق البرنامج، ويؤثر سلبا على سيره الطبيعي؛ افتقار أغلب المقرات إلى التجهيزات الضرورية، وخاصة السبورات والمقاعد، مما ينتج عنه صعوبات في الجلوس والتعاطي الإيجابي مع ظروف التكوين؛ عدم سماح بنيات بعض المؤسسات التعليمية باستقبال المستفيدين من البرنامج لقلة الحجرات الدراسية مما يدفع الجمعية إلى البحث عن فضاءات أخرى تكون في غالب الأحيان مفتقرة لأدنى شروط التكوين الملائم والناجح، كالمنازل الخاصة، والمساجد وغيرها؛ افتقار المكونات في البرنامج إلى تكوين متين يكسبهم كفايات ومؤهلات تمكنهم من التكوين بسلاسة، ويضمن بلوغ الأهداف، حيث تبقى الدورات التكوينية التي يخضعون لها سواء من طرف الوكالة أو الجمعيات غير وافية بالمطلوب؛ تأخير صرف مستحقات المتدخلين في البرنامج، مما يسبب للجمعيات مجموعة من المشاكل المالية، وينعكس سلبا على النتائج؛ قلة الاعتمادات المرصودة لتنفيذ البرنامج، سواء المرتبطة بمحو الأمية أو الإعداد الحرفي، خاصة وأن أغلب الجمعيات الشريكة ليست لها موارد مالية تغطي بها النقص الحاصل في الاعتمادات... حسن ادويرا مفتش تربوي، مشرف على برامج محو الأمية بنيابة ميدلت