هيمن الاستفتاء الكاتالوني على الأخبار، في وقت لم تمتنع الحكومة الإسبانية عن توسل القوة ضد متظاهرين سلميين. وحذر الاتحاد الأوروبي الكاتالونيين من أن الخروج منه يترتب على اقتراعهم على الانفصال عن إسبانيا. ويبدو أن شاغل العواصم الأوروبية اليوم، ليس مستقبل الاتحاد الأوروبي فحسب، بل كذلك مصير الدول – الأمم الأوروبية. وقبل أسبوع، نظم استفتاء في كردستان العراق على الاستقلال عن العراق من دون موافقة بغداد. فردّت إيرانوتركيا على الاستفتاء. ونشرت تركيا وحدات جيشها، وهو ثاني أكبر جيش في التحالف الغربي، «الناتو، على الحدود مع العراق وسورية لإجراء مناورات. ويتزامن الاستفتاء في كاتالونيا مع بدء المفاوضات بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي على انسحاب بريطانيا منه، وشروط الطلاق بينهما. فرقعة الاتحاد الأوروبي، عوض أن تتمدد وتتوسع على ما كان ديدنها الى وقت قريب، تنكمش، وتتقوض. وطوال قرون، رسمت أربع مناطق حدود أوروبا الخارجية أو حددت أطرافها: روسيا الى شمال الشرق، والمملكة المتحدة الى شمال الغرب، وإسبانيا الى جنوب الغرب، وتركيا الى جنوب الشرق. وكانت ألمانيا في هذا الإطار، نواة أوروبا الجيو- استراتيجية وقوتها الناعمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولطالما تفاعلت التطورات في أطراف أوروبا ونواتها مع تغيرات راديكالة في الداخل الأوروبي: الثورةُ الفرنسية، وانهيار الإمبراطورية النمسوية – الهنغارية والإمبراطوريتين الروسية والتركية، والحربان العالميتان، والحرب الباردة، والناتو، ومرحلة السلام والنمو التي يعود الفضل فيها الى الاتحاد الأوروبي. وارتسمت الصورة مع سقوط جدار برلين في 1989 وأفول الاتحاد السوفياتي في 1991، وضعف الكتلة الشمالية الشرقية وذواء أهمية الكتلة الجنوبية الشرقية في العقد الذي تلا العام 2000. ولكن هذه الصورة بدأت تتغير منذ 2010، ويعود التغير هذا، في جزء منه، الى موجة المهاجرين إثر الثورات والثورات المضادة والحروب الأهلية غداة الربيع العربي، والى آثار الأزمة الاقتصادية والمالية التي اندلعت في أميركا في 2008-2009، وضربت الآثار هذه أشد ما ضربت جنوب أوروبا: إسبانيا وإيطاليا واليونان؛ وإلى عودة روسيا وقوتها العسكرية والنفطية الى شرق أوروبا من مكامن ضعفها: البلطيق وأوكرانيا، والى الشرق الأوسط من سورية، ومحاصرة تركيا. وفي 2014، أجرى الاسكوتلنديون استفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة. وتضامن الاتحاد الأوروبي مع لندن، وأبلغ الاسكوتلنديين أن انفصالهم عن بريطانيا هو صنو الانفصال عنه (الاتحاد). وأدى الاتحاد دوراً في لفظ الاسكوتلنديين خيار الاستقلال عن المملكة المتحدة. ولكن هذا لم يحل دون توسل الحكومة البريطانية بأكثر الأدوات السياسية بدائية: الاستفتاء. وسألت الناس ما إذا كانوا يرغبون في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فاقترع البريطانيون على الانسحاب في 2016. وفي 2017، نظم استفتاء في تركيا على تغيير نظام الحكم ونقل صلاحيات السلطة التنفيذية الى يد الرئيس، إثر محاولة انقلاب عسكرية في 2016. وترى أنقرة أن استفتاء الأكراد في العراق هو مسألة أمنية داخلية، وقد تتدخل هناك فيقترب جانب أوروبا الجنوبي الشرقي (تركيا) من الشمال الشرقي (روسيا) [من طريق تغليب القوة العسكرية والابتعاد من النموذج الأوروبي]، في وقت هزت استفتاءات شمال غرب أوروبا وجنوب غربها. وحريّ بألمانيا، وربما نواة أوروبا الألمانية -الفرنسية -الإيطالية، المبادرة الى خطوات تحول دون انفراط عقد الاتحاد وخسارته قوته الناعمة ونموذجه السياسي ونزول الضرر بهذه الدول.