يواجه قادة الاتحاد الاوروبي صعوبة في اخفاء توترهم ازاء احتمال حصول اسكتلندا على استقلالها خشية ان يتحول ذلك الى عدوى, ويلوحون بالتهديد بعدم قبول ادنبره في الاتحاد. ورفض متحدث باسم المفوضية الاوروبية الاسبوع الحالي التعليق على اخر استطلاعات الراي التي تظهر التقارب في نسبة الرافضين والمؤيدين للاستقلال مشيرا الى ان الامر يتعلق ب«شان داخلي». لكن رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو اثار غضب الاستقلاليين في فبراير الماضي عندما صرح انه «سيكون من الصعوبة بمكان وحتى من المستحيل» ان تنضم اسكتلندا كدولة مستقلة الى الاتحاد الاوروبي. كما قال «سيكون من الصعب جدا الحصول على موافقة جميع الدول الاعضاء في الاتحاد لقبول بلد جديد منفصل عن بلد اخر». واعطى مثالا على ذلك اسبانيا التي تواجه مطالب انفصالية وترفض الاعتراف بكوسوفو. وتابع باروزو في حينها «انه بطريقة ما، وضع مشابه لان الامر يتعلق ببلد جديد». وسرعان ما ندد الاستقلاليون الاسكتلنديون بتصريحاته مؤكدين ان الاستفتاء الذي واقفت عليه لندن مختلف جدا عن اعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد ويلاقي اعتراض صربيا. وقالت الاستاذة في المعهد الاسكتلندي للتغيير الدستوري نيكول ماك ايوان ان المشكلة المستعصية بالنسبة لبروكسل دفعت ببعض القادة الاووربيين الى الادلاء ب«تصريحات ذات مضمون سياسي بطريقة مثيرة للدهشة«. كما قال بابلو كالديرون المكلف الدراسات الاوروبية في جامعة كنيغز في لندن «في الحقيقة، انه وضع صعب جدا بالنسبة للاتحاد الاوروبي». والاتحاد الاوروبي الذي يواجه صعوبات جمة مع الوضع الاقتصادي المزري والبطالة المرتفعة, في صفوف الشبان خصوصا, قد لا يتخطى مسالة التعامل مع محادثات تبدو عاصفة حول اسكتلندا كدولة مستقلة. وزيادة على ذلك هناك مشكلة في الشرق مع تحركات روسيا في اوكرانيا وقلق دول بحر البلطيق التي تضم اقليات روسية قد تطالب بحكم ذاتي . بدوره، قال استاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري في لندن مونسيرا غيبرنو «لا احد يريد ان يجد نفسه مضطرا لتسوية هذه المشكلة في حين تعصف الازمات باوكرانيا والشرق الاوسط والعراق». وقد اختصر رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبويي الوضع قائلا العام 2013 لدى سؤاله عن كاتالونيا ان «دولة جديدة مستقلة قد تتحول بفعل اسنقلالها الى دولة خارج الاتحاد الاوروبي». ويستدعي ذلك ان تتقدم بطلب انضمام الى الاتحاد الاوروبي «وفق الاجراءات المعروفة» ما قد يطول حتى العام 2020 بحسب خبراء. وقال رئيس المجلس الاوروبي «في جميع الاحوال, سيتم اخضاع الامر للمصادقة من قبل جميع الدول الاعضاء». ويتابع الكاتالانيون الذين تظاهروا بكثافة في برشلونة، والباسك كذلك، باهتمام استفتاء اسكتلندا في حين ترفض مدريد اي استقلال لهذه المناطق. واضاف كالديرون ان «اسبانيا وربما فرنسا ايضا ستفعلان على الارجح كل ما في وسعهما لافشال وجود اسكتلندا في الاتحاد الاوروبي لكي تحبطا كاتالونيا». كما ان وزير خارجية المانيا فرانك والتر شتاينماير اعلن الاسبوع الحالي انه يفضل تصور «بقاء بريطانيا موحدة». ورغم ذلك, اوضحت ماك ايوان «ليس بامكاني ان اتخيل سيناريو تكون فيه اسكتلندا الدولة الاوروبية الوحيدة المستبعدة». ويامل الاستقلاليون الاسكتلنديون انتزاع تعديل للمعاهدات الاوروبية يسمح لهم بالبقاء ضمن الاتحاد الاوروبي قبل الاستقلال فعليا مطلع العام 2016. ويشير بعض الخبراء في هذا السياق الى المانيا الشرقية بعد التوحيد, مؤكدين انه بعد محادثات اولية صعبة فسيكون ممكنا الانضمام في غضون سنتين او ثلاث. اما ماك ايوان, فترى ان لبروكسل مصلحة في تسوية هذه المسالة «بحيث قد يتحول ذلك الى مسالة فخر للاتحاد الاوروبي لانه ليس دائما بهذه الطريقة يتم حل الخلافات حول وحدة الاراضي». التاريخ الحافل يعيد الاستفتاء على حق تقرير المصير في اسكتلندا الى الاذهان التاريخ الحافل لهذا البلد مع انكلترا الذي امتزج فيه العنف بالحب والمعارك الدامية بالزيجات الملكية قبل قيام الوحدة بينهما منذ 307 اعوام. جزء كبير من تاريخ اسكتلندا اتسم بالعداء لجارتها الاكبر. وايا كانت نتيجة استفتاء 18 شتنبر سيبقى لانكلترا تاثير على مصير اسكتلندا. اذا كان من الصعب تحديد التاريخ الدقيق لظهور اسكتلندا فان الرومان بنوا جدار هادريان, الذي لا يزال جزء كبير منه قائما حتى اليوم, قرابة العام 120 ميلادي لحماية انفسهم من القبائل الكلدونية ورسم الحدود الشمالية للبلاد. وبعد نحو 700 عام وفي مواجهة غزو الفايكنغ نجح كينيث ماك آلبين او كينيث الاول الذي يعتبر مؤسس المملكة الاسكتلندية, في توحيد قبائل البكتيين وقبائل السلت او السكوتش. عندما دعي ملك انكلترا ادوارد الاول الى التحكيم في خلافة المملكة الاسكتلندية به يطالب بسيادته على البلاد ويجتاحها عام 1296 ليفتح بذلك الباب لحروب من اجل الاستقلال استمرت حتى 1357 وانتهت بانتصار ساحق للجيش الاسكتلندي بقيادة روبرت بروس على الانكليز في بانكبورن لتستعيد بذلك اسكتلندا استقلالها. في عام 1502 وقع ملك اسكتلندا جيمس الرابع وملك انكلترا هنري السابع معاهدة سلام دائم لوضع حد للمعارك المتقطعة بين البلدين. ولترسيخ هذا الميثاق قدم هنري الخامس ابنته مارغريت زوجة لجيمس الرابع. في عام 1603 اصبح ملك اسكتلندا جيمس السادس ملكا لانكلترا باسم جيمس الاول وذلك بعد وفاة الملكة اليزابيث الاولى, التي اعدمت والدته ماري قبل ذلك ب16 عاما, لانه كان اقرب أقاربها فورث عرشها. اعلن جيمس الاول نفسه ملكا لبريطانيا العظمى واستقر في لندن رغم ان البلدين بقيا مستقلين. وبعد مائة عام واثر مفاوضات طويلة وقعت عام 1707 معاهدة الوحدة التي رسخت قيام المملكة المتحدةلبريطانيا العظمى. كريس واتلي استاذ التاريخ في جامعة دوندي (جنوب شرق اسكلتندا) يوضح ان النقاش حول هذه الوحدة كان محتدما كما هو اليوم. وقال لفرانس برس ان «اسكتلندا اليوم بلد منقسم. كذلك في هذه الحقبة كان منقسما بعمق بشان العلاقة مع انكلترا ». واضاف «اعتقد انه كانت هناك اسباب جيدة للوحدة عام 1707. لم تكن شعبية لكنها كانت في صالح اسكتلندا». واوضح انه «كان هناك قلق شديد, على الاقل لدى الطبقات الحاكمة الاسكتلندية, من ان تتخلف اسكتلندا عن ركب باقي اوروبا» في سياق نمو حركة التجارة الدولية. «لانه لم يكن لاسكتلندا اسطول بحري قادر على مساعدة سفنها التجارية في اعالي البحار, كما انه لم يكن لديها مستعمرات امبراطورية مثل انكلترا». ورغم ان اسكتلندا لم تجن فورا ثمار الانضواء تحت الراية البريطانية الا انها لم تنتظر طويلا لجني هذه الثمار حيث حققت ازدهارا اكبر من المنشود بالنظر الى حجمها. واضافة الى دور الاسكتلنديين المهم في غزوات وادارة الامبراطورية البريطانية كان ايضا لمبتكريها الفضل في اختراع الهاتف والتلفزيون والبنسلين والرادار والمحركات البخارية ... وذلك على سبيل المثال لا الحصر. لكن في ذهن الراي العام بقت الوحدة «اتفاقا غير شرعي فرضه سياسيون محتالون على الاسكتلنديين». احد اكبر المؤرخين الاسكتلنديين, توم ديفاين, يرى انه مع نهاية الامبراطورية وتراجع البروستانتينية وانتقال السلطات بالفعل الى ادنبره ظهرت الضرورة لوحدة انغلو-ساكسونية. وقال لصحيفة الغارديان ان «الوحدة بين انكلترا واسكتلندا لم تكن زواجا عن حب. لكنها كانت زواج عقل املته مصلحة برغماتية». واضاف «من 1750 الى 1980 كانت العلاقة مستقرة. اليوم اختفت الاسس التي بني عليها هذا الاستقرار او قلت الى حد كبير». تهديد كبرى مؤسسات اسكتلندا هدد العملاق المصرفي «رويال بنك اوف سكوتلاند» او البنك الملكي الاسكتلندي بنقل مقره الى انكلترا اذا استقلت اسكتلندا وذلك في تصعيد جديد للمؤسسات الكبرى في عالم الاعمال البريطاني ضد هذه الخطوة المحتملة, في حين حذر صندوق النقد من مغبة فوز المعسكر الذي يدعو الى الاستقلال. وقبل اسبوع من الاستفتاء التاريخي في اسكتلندا على البقاء داخل المملكة المتحدة او الانفصال عنها حذرت الشركات الكبرى بشدة من مخاطر قطع هذا التحالف الذي يعود الى اكثر من 300 عام. فقد ضاعفت هذه المجموعات الجهود لتحذير الناخبين الاسكتلنديين من العواقب الاقتصادية غير الواضحة لانفصالهم عن بريطانيا وذلك منذ نشر نتائج استطلاع للراي يظهر تقاربا في نوايا التصويت لصالح دعاة الاستقلال. اوضح البنك في بيان «هناك علامات استفهام كثيرة حول الاستفتاء الاسكتلندي الذي يمكن ان تكون له عواقب على البيئة المالية والنقدية والقانونية ونظام التسوية والتصنيف المصرفي». واضاف «لهذا السبب وضع رويال بنك اوف سكوتلاند خطة لمواجهة العواقب المحتملة للتصويت ب+نعم+ على دوائر الاعمال (...) في هذا الاطار يرى البنك انه سيكون من الضروري اعادة نقل مركزه الرئيسي وفرعه العامل الرئيسي الى انكلترا». واعتبر البنك ان ذلك سيكون «الوسيلة الاكثر فاعلية لتوضيح الوضع تجاه مساهمينا وتقليل المخاطر» كما اوضح في بيان. هذا البنك المتمركز منذ 1727 في اسكتلندا ومقره في ادنبره, مملوك باغلبيته الى الدولة البريطانية التي هبت لنجدته وقت الازمة المالية العالمية. وسرعان ما ندد رئيس حكومة اسكتلندا الاقليمية وزعيم دعاة الاستقلال الكس سالموند بمناورة «سياسية» من تنسيق من الحكومة البريطانية في وستمنستر. وفي محاولة للطمانة اشار سالموند الى بريد الكتروني ارسله المدير العام لرويال بنك اوف سكوتلاند الى الموظفين يؤكد فيه ان تغيير العنوان هذا لن يكون له اي تاثير على العاملين في اسكتلندا. ويوظف البنك 11500 شخص في هذا الاقليم الشمالي. وفي بيانه شدد رويال بنك اوف سكوتلاند على ان هذا التغيير المحتمل للمقر «لن يكون له اي تاثير على عملاء كل الجزر البريطانية» سواء اسكتلندا او انكلترا او ويلز او ايرلندا الشمالية (الاقاليم التي تشكل المملكة المتحدة). هذه البادرة ليست منفردة فقد سبقها الاربعاء اعلان العملاق المصرفي البريطاني الاخر, بنك لويدز, عزمه على نقل مقره من اسكتلندا الى انكلترا. ،المجموعة، المملوكة جزئيا للدولة، تشغل 16 الف موظف في المنطقة الا ان هذا التغيير سيكون اساسا تقني الطابع, فهو سيتيح للويدز الذي توجد معظم انشطته بالفعل في لندن وضع نفسه تحت ادارة بنك اوف اينغلاند, او بنك انكلترا المركزي. من جهته, اعتبر صندوق النقد الدولي الخميس ان انتصار «النعم» في استفتاء استقلال اسكتلندا سيسبب حالة من الارتباك وقد يثير خصوصا ردود فعل «سلبية» في الاسواق. وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي بيل موراي في مؤتمر صحافي ان «احد ابرز المفاعيل الفورية قد يكون غموضا في العملية الانتقالية نحو وضع نقدي ومالي مختلف في اسكتلندا». واضاف ان «هذا الغموض قد يؤدي الى ردود فعل سلبية على الاسواق على المدى القصير». الزعماء السياسيون البريطانيون استبعدوا في الواقع اي وحدة نقدية بين باقي المملكة المتحدة واسكتلندا اذا ما اختارت الاستقلال, والقطاع المالي يتساءل عمن سيتولى وظيفة المقرض الاخير (التي يقوم بها حاليا بنك انكلترا) بالنسبة للبنوك التي ستبقى في الشمال. عملاق اخر في اسكتلندا هو مجموعة ستاندارد لايف حذر ايضا من انه سينقل, اذا اقتضى الامر, الى انكلترا جزءا من الصناديق التي يديرها لحساب عملائه البريطانيين. الصوت النشاز الوحيد كان للمدير العام لادارة الصناديق المالية الاسكتلندية «ابردين آسيت مانجمانت» مارتن جيلبرت الذي اعتبر ان استقلال المنطقة سيكون «نجاحا كبيرا». مؤسسات اخرى غير بريطانية بدات ايضا تتبنى موقف المعارضين للانفصال مثل البنك الوطني الاسترالي او «ناشونال بنك اوف اوسترليا» الذي يمكن ان ينقل فرعه في اسكتلندا الى الجنوب. من جانبه كرر العملاق النفطي بريتش بتروليوم, الناشط جدا في بحر الشمال, ان هذه الابار ستكون مستغلة بشكل افضل «اذا تم الابقاء على قدرات ووحدة المملكة المتحدة». علاوة على ذلك دعت الخميس صحيفة الفايننشل تايمز، التي تتابعها اوساط الاعمال, الاسكتلنديين الى رفض «المزاج الشعبوي» الذي اتهمت سالموند باستغلاله وذلك في مقال افتتاحي لاذع. الشركات الاسكتلندية الصغيرة، الاقل تاثيرا في عالم الاعمال، تبدو اكثر انقساما. فقد وقع اكثر من 200 رئيس شركة في نهاية غشت على عريضة تدعو الى الاستقلال. وردا على مذكرة لرؤساء شركات اخرين مؤيدين للاستقلال اتهم هؤلاء لندن بانها تعامل اسكتلندا مثل «بقرة حلوب» ووعدوا ببناء مجتمع «اكثر عدلا ورخاء» ومتحررا من الوصاية اللندنية.