"هل يجب أن تصبح أسكتلندا دولة مستقلة؟" ذلك هو السؤال الذي سيتوجه نحو أربعة ملايين ناخب من المقيمين على أرض اسكتلاندا للإجابة عليه ب "نعم" أو "لا" في الإستفتاء المزمع إجراءه في 18 سبتمبر المقبل من أجل استقلال اسكتلندا عن ابريطانيا العظمى. لقد أصبحت اسكتلندا جزءا من المملكة المتحدة منذ فاتح مايو 1707، تاريخ إقرار قانون الوحدة الذي جمع بين المملكتين الإنجليزية و الإسكتلندية إضافة إلى ويلز و أيرلندا الشمالية تحت حكم واحد . و يقود رئيس الوزراء الاسكتلندي، و زعيم الحزب الوطني "أليكس سالموند" معسكر الداعمين لاستقلال "اسكتلندا" عن الاتحاد البريطاني. و يرى أنصار الإستقلال أن استرجاع القرار السياسي من أيدي نواب "وستمنستر" و تشكيل حكومة و برلمان منتخب من الشعب الإسكتلندي ، سيمكنهم من اعتماد سياسات جديدة كفيلة بجعل اسكتلندا الدولة "الأكثر عدلا" و "الأكثر نجاحا" و يرى "سالموند " أن المكاسب الإقتصادية التي ستعود على الإسكتلنديين بعد الإستقلال هي أكبر بكثير مما يمكن تخيله. و كان "سالموند" قد صرح خلال حملاته الترويجية للإستقلال أن الوحدة مع بريطانيا لا تخدم "اسكتلندا" بل تضعف من قدراتها الاقتصادية على وجه الخصوص و قال أنه يعد الإسكتلنديين بالرخاء ورفع مستويات الدخل و مراجعة السياسات الضريبية و حماية معاشات المتقاعدين من الآثار السلبية للتضخم، و رفع الحد الأدنى للأجور، و اعتماد معايير جديدة لاحتساب معدلات الضراب و مساهمات الضمان الإجتماعي بما يتناسب مع تطلعات الشعب الإسكتلندي و الإستثمار الأمثل لثروات بحر الشمال النفطية، بما يضمن استفادة الأجيال المقبلة لأبناء الإسكتلندين منها بدل أن تذهب لشعوب أخرى. و جدير بالذكر أن "اسكتلندا" تعتبر من الأقاليم الأكثر ثراءا في اروبا، و تعتبر واحدة من أغنى الدول في العالم فيما يتعلق بالناتج الاقتصادي الإجمالي لكل فرد، كما تتوفر على كل مقومات الدولة القوية إقتصاديا إذ تمتلك أصولا عقارية بقيمة 17مليار جنيه إسترليني فيما تناهز مداخيل قطاعها السياحي 9 مليارات جنيه إسترليني، كما تمتلك اسكتلندا أيضا قدرات طاقية جد مهمة ليس على مستوى المملكة المتحدة فحسب بل على مستوى مجمل دول الإتحاد الأوربي حيث تنتج نسبة 10% من قدرات طاقة الأمواج و 25% من طاقة الرياح من مجمل إنتاج دول الإتحاد الأوربي ، فيما تمتلك 98% من مخزونالمملكة المتحدة من النفط و 53% من مخزونها من الغاز الطبيعي. فيما تستفيد الخزينة البريطانية مما قيمته 32 مليار جنيه استرليني تأتي من القطاع الفلاحي و هو ما يمثل % من 11,6 من إنتاج المملكة المتحدة في هذا المجال بينما تصل عائدات الصناعات الغذائية الإسكتلندية إلى أكثر من 13 مليار جنيه استرليني ، هذا فيما لا يتجاوز عدد السكان الخمسة ملايين و نصف المليون نسمة تقريبا. من الجانب الآخر تتخوف ابريطانيا من تبعات "استقلال" اسكتلندا السياسية و الإقتصادية و حتى الأمنية و العسكرية، حيث أكد المراقبون أن هذا الإستقلال سيدفع الأقاليم الأخرى للسير على نفس المنوال ، خصوصا "أيرلندا الشمالية" التي خاضت حربا طويلة مع لندن و لن يمكن استثناء "ويلز" أيضا، و هو ما قد يجعل ابريطانيا تفقد عضويتها الدائمة في مجلس الأمن باعتبارها مالكة لحق النقض. فضلا عن فقدانها لمكانتها الدولية و تأثيرها كقوة دولية و قد أكد هذا الكلام في وقت سابق الأميرال البريطاني "جون ماكنالي" عندما حذّر من أن انفصال اسكتلندا عن ابريطانيا العظمى سيجعل هذه الأخيرة مضطرة للتخلي عن ترسانتها النووية من جانب واحد، باعتبار أن نقل أسطولها البحري من الغواصات النووية، المتواجد على الأراضي الاسكتلندية، إلى مكان آخر قد تصل تكلفته إلى مليارات الجنيهات الاسترلينية،و هو ما سيؤديحتما إلى التخلي عن الفكرة و خسارة الأسطول برمته. فيما أكد الأميرال "جورج زامبيلاس"، أنه في حالة استقلال أسكتلندا، ستفقد بريطانيا جزءًا من أسطولها البحري. هذه الخسائر السياسية و العسكرية ستكون هينة إذا ما قورنت بحجم الخسائر الإقتصادية و المالية التي ستكبدها ابريطانيا في حال تم إقرار الإنفصال حيث ستفقد 90% من احتياطاتها من النفط و الغاز، فضلا عن خسائر مالية كبيرة أخرى، إذ أوضحت دراسة مالية حديثة أن الجنيه الاسترليني سيفقد 10% من قيمته إذا حدث "الإنفصال" و سيقود تلقائياً إلى تعرض بريطانيا الى مخاطر مالية وربما يقود الى تأجيل رفع نسبة الفائدة الى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة فضلا عن تعميق عجز الميزانية البريطانية. و تكمن أخطر اتداعيات التي خلصت إليها الدراسة أن التصويت لصالح استقلال اسكتلندا سيرفع من نسبة احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.
و إذا كان القوميون الإسكتلنديون، يعلّقون الآمال الكثيرة على ثروات إسكتلندا و نفطها في تحقيق الرخاء الإقتصادي و اقتسام أحسن للثروة بين أبناء الشعب بعد الإستقلال، فإن مسألة العملة تبقى هي الهاجس الأكبر لديهم خصوصا بعدما وجّهت الحكومة البريطانية على لسان وزير ماليتها "جورج ازبورن" تحذيرا إلى الاسكتلنديين يفيد أنه لن يكون بإمكانهم استعمال الجنيه الإسترليني كعملة لبلدهم في حال اختاروا الإستقلال، وقال أوزبورن: «لا مبرر قانونيًا يجبر باقي أعضاء المملكة المتحدة على تقاسم عملتهم مع اسكتلندا» مضيفا أن : «الاسترليني ليس أصلًا قابلًا للتقسيم بين بلدين بعد الانفصال كما لو كان مجموعة اسطوانات أغاني». و يتوقع أن يواجه الاسكتلنديين هذا التهديد بالتوجه إلى الإتحاد الأوربي من أجل تعويض الجنيه باليورو، حيث أكدوا أنهم سيقومون بكل الإجراءات الضرورية للحصول على عضوية كاملة بالإتحاد الأوروبي و ذلك قبل حلول موعد الإستقلال في مارس 2016 . وكان رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كامرون" قد وجه مناشدة للشعب الإسكتلندي من أجل البقاء ضمن المملكة المتحدة قائلا إن إنهاء اكثر من 300 سنة من الوحدة بين الشعبين سيجعل كلا من بريطانيا واسكتلندا "أفقر"، مضيفا أن "بريطانيا تعمل بشكل جيد. لماذا نقسمها؟". و قال كامرون : "سنتقلص كثيرا بدون اسكتلندا. إذا خسرنا اسكتلندا سنسحب البساط من تحت أقدام سمعتنا. الحقيقة الخالصة هي أننا نساوي أكثر ونحن مجتمعين". و أكد أنه سيقدم استقالته إذا ما صوت الإسكتلنديون لصالح الإستقلال في 18 سبتمبر المقبل. و تحمل أحدث استطلاعات الرأي حول الإستقلال داخل اسكتلندا ، رسائل تبعث على شيء من الطمأنينة في نفوس البريطانيين الذين يرفضون التقسيم حيث أشار استطلاع للرأي قامت به صحيفة الفايننشال تايمز في 7 أغسطس الجاري إلى أن 46% من الناخبين المفترضين سيصوتون لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة مقابل 36% يفضلون الإستقلال، فيما لم يحسم 16% من الناخبين بعد في قرارهم . و يراهن الوزير الأول الاسكتلندي "أليكس سالموند" الذي يقود بنفسه حملة الترويج للإستقلال على استمالة أصوات الفئة المترددة من أجل حسم نتيجة الإستفتاء لصالح الإستقلال، بالمقابل يرى القائمون على حملة "من الأفضل أن نبقى معا (إنجلترا وويلز واسكتلندا)" المناوئة التقسيم أن الوقت ينفذ أمام القوميين من دعاة الاستقلال.