قال الأستاذ الجامعي، عز الدين بونيت، تابعت جانبا من تطور النقاش حول الموضوع.. شخصيا أنا مقاطع منذ عدة سنوات لبعض العلامات التجارية، وقاطعت بعضها قبل بضعة شهور. وبالمصادفة فإن بعض هذه الماركات هي نفسها التي تستهدفها حملة المقاطعة الجماعية الحالية. هل يعني هذا أن تلك الماركات بذاتها تستحق المقاطعة؟ و أضاف بونيت في مقال له، أن الواقع أن هناك ماركات أخرى أراها أكثر مدعاة للمقاطعة من بعض تلك التي أقاطعها، أو تدعو الحملة إلى مقاطعتها.. ولعل من بين خلفيات ذلك، ضرورة التمييز بين الماركات القائمة على الاستثمار الاقتصادي الحقيقي، وتلك القائمة على امتيازات الريع، والتمييز بين الرأسمال الوطني والرأسمال العابر للقارات والدول؛ والتمييز بين الاستثمار الاقتصادي الخالق لمناصب الشغل، والمضاربات المالية الخانقة للاقتصاد. ولعل من بين خلفياته الأخرى أن نجعل من المقاطعة فعلا سياسيا قابلا للمراكمة الكمية من أجل التحول النوعي المنشود. لنوضح الأمر: وتابع، لا بد لكل فعل سياسي ذي مصداقية، من أن يجيب عن سؤال: ما الغرض من المقاطعة؟ جوابي الشخصي هو: تفكيك وكسر التواطؤات التي تعطل آلية المنافسة، وتجعل الاحتكار أمرا واقعا، وتحول المستهلك إلى رهينة. هذه التواطؤات موجودة في قطاع الخدمات (الهاتف، والماء والكهرباء، والنقل) وفي قطاع السلع الاستهلاكية (الحليب، الماء، الزيت، السكر، الدقيق…) وفي قطاع السكن الاقتصادي.. وفي قطاعات أخرى لا تحوز اهتمامنا في الوقت الراهن، على رأسها قطاع الإعلام العمومي الذي تخنقه التبعية والكسل والتراخي عن أداء مهامه المتمثلة في مواكبة تفاعلات الرأي العام ومبادرات المجتمع، وتأطير النقاش حولها بين المتخصصين والفاعلين الميدانيين، والمجتمع المدني والمجتمع السياسي. و أكد بونيت، أنه فيما وراء ذلك الغرض، ينبغي أن تكمن فكرة جعل المقاطعة وسيلة للمفاوضة، وليست هدفا لذاتها: من يفاوض من؟ وباسم من؟ ومن أجل ماذا؟ هذا ما على الإعلام أن يتيح فرصة كشفه وبلورته بالتدريج، مضيفا أظن أن أحد مواضيع المفاوضة ينبغي أن يكون هو مساءلة الرأسمال الوطني: هل هو رأسمال سيادي، يؤمن بسيادة الدولة الوطنية، ومن ورائها سيادة الشعب على إرادته وقراره؟ أم هو رأسمال عولمي النزعة، يدعي أن السوق وحدها (السوق المالية وليس أي سوق) هي مصدر السيادة ومصدر القرار؟ أطرح هذا السؤال لأن الجواب عنه غير محسوم، بل غير واضح المعالم في البرامج السياسية التي يقترحها ممثلو هذ التيار (ليبراليين وإسلاميين على السواء). وبناء على أجوبة الأطراف تتحدد مآلات المقاطعة ومعالم السياسات العمومية التي ينبغي أن تستجيب لمطالب المقاطعين. وتساءل الأستاذ الجامعي، هل قلت: مطالب المقاطعين؟ هل هنالك مطالب مسطرة في بنود مرتبة، يسهل تتبع درجة تنفيذها أو عدم تنفيذها؟ بالتأكيد: لا. هل يعني هذا أن الدعوة إلى المقاطعة دعوة غير ناضجة؟ لا… إذا كان هناك نقص في النضج، ففي المبادرة السياسية والمدنية المنظمة. كان ينبغي أن يتبلور ائتلاف وطني مدني لتدبير المقاطعة وتأطيرها، وترتيب النتائج السياسية عليها. وحديثي عن ائتلاف مدني لا يعني استبعاد الإطارات السياسة من هذا الائتلاف، بل يعني بالأحرى، أن تنضم إليه هذه الإطارات على الشاكلة التي عرفناها في مساندة الكقاح الفلسطيني أو في دعم العراق. و أشار أن مهمة هذا الائتلاف الأولى هي اليقظة كي لا يندس في حركة المقاطعة أي هدف للإضرار بالاقتصاد الوطني أو إضعاف موقف المغرب في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي حول الصيد البحري وما يرتبط بها من ملابسات تمس السيادة الوطنية على مياه المغرب الجنوبية. ومن مهامه أيضا اليقظة كي لا يتم تقزيم حركة المقاطعة في حسابات سياسوية حزبية ضيقة. مهمة الائتلاف استراتيجية، ولذلك ينبغي أن يستند إلى خبراء اقتصاديين وسياسيين متنبهين. وختم بونيت مقاله بقوله: أعود فأكرر: الغرض الأول عندي من المقاطعة هو تفكيك تحالف الاحتكار المنظم. وإرجاع دينامية السوق إلى حجمها الحقيقي. بعد ذلك على السياسيين أن يكشفوا عن وجوههم ويلتحقوا بنداءات الشعب الأعزل، أو أن يغلقوا دكاكينهم الانتخابية إلى أن يحين موعد انتخابات قد يخوضونها بلا شعب.