عمر البرغوثي ناشط في حقوق الإنسان ومن مؤسسي حملة المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها (BDS) و كذا الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل - زرت المغرب لدعم المقاطعة السياسية والاقتصادية لإسرائيل. إلى أي حد يبدو لك ذلك ممكنا ومؤثرا على إسرائيل؟ هدف جولتي هو توثيق أواصر الأخوة الفلسطينية المغربية، وتعزيز حملة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها في المغرب كأكثر شكل تضامني فاعلية وتأثيرًا. إن اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، التي أمثلها في هذه الجولة، وهي القيادة الفلسطينية لحملة المقاطعة الدولية، تعد أكبر تحالف على الإطلاق في المجتمع الفلسطيني، وهي تضم جميع القوى السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومؤسسات اللاجئين والمنظمات الأهلية والاتحادات الشعبية وغيرها. إن أهم إنجاز للحملة كان ولا يزال التأكيد على أن ممارسة شعبنا لحقه في تقرير المصير تشترط في حدها الأدنى إنهاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإحقاق المساواة الكاملة، وإنهاء نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، وهو من أشكال الأبارتهايد، ضد المواطنين الفلسطينيين في مناطق 48، وممارسة اللاجئين الفلسطينيين لحقهم المكفول في القانون الدولي بالعودة إلى الديار التي شردوا منها أثناء ومنذ نكبة 1948. - تعتمد حملة المقاطعة BDS على حلفاء كثر في شتى أنحاء العالم. كما قامت بعض المؤسسات والحملات الإسرائيلية بالانضمام إليها وتبني مطالبها الثلاثة بالكامل، ومنها حملة «مقاطعة إسرائيل من الداخل» و«تحالف النساء للسلام» وغيرها. إن تأثير حملة BDS على إسرائيل تصاعد لدرجة أن القيادات الإسرائيلية باتت تنعتها ب«الخطر الاستراتيجي». - إلى أي حد نجحتم في تدويل حملة المقاطعة؟ منذ إطلاق نداء مقاطعة إسرائيل في 2005 لم يتوقع أكثرنا تفاؤلاً أن نصل إلى هنا اليوم من حيث الإنجازات والانتشار عالمياً، فالحملة اليوم تحظى بدعم اتحادات نقابية هائلة في بريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وكندا والنرويج وغيرها. كما أن عددًا كبيرًا من أهم الفنانين العالميين التزم بمعايير المقاطعة الثقافية ورفض تقديم عروض في دولة الاحتلال. أما على صعيد المقاطعة الأكاديمية، فبالإضافة إلى بروز حملات للمقاطعة الأكاديمية مؤثرة في الكثير من دول العالم، فقد أيدت نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا المقاطعة، بينما سجلت جامعة جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا سبقًا تاريخيًا عندما قررت في شهر مارس السابق مقاطعة جامعة بن غوريون الإسرائيلية لتورطها في الاحتلال وانتهاك القانون الدولي. وعلى الصعيد الاقتصادي، نجحنا مع حلفائنا في إقناع صندوق الاستثمار النرويجي (ثالث أكبر صندوق سياسي في العالم) بسحب استثماراته من شركات إسرائيلية تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي. كما حققنا نجاحات مماثلة في السويد والدنمارك وغيرهما. لقد وَجدنا من خلال حملة المقاطعة BDS بعضَ أهمّ نقاط ضعف إسرائيل على الصعيد الدوليّ. من نيويورك إلى واشنطن، ومن باريس إلى لندن، ومن تورنتو ودلهي إلى جوهانسبورغ وبرازيليا، اكتشفنا كيف نستطيع التغلّبَ على إسرائيل وعلى هيمنتها في الإعلام وفي السياسة العالميّة. لكنّ معرفة كيفيّة التغلّب على عدوك لا تعني أنّنا تغلّبنا عليه فعلاً! طبعًا مازال المشوارُ طويلاً جدًا أمامنا، فالحكومات في الغرب، وفي معظم الدول العربيّة كذلك، متواطئة مع إسرائيل أكثر من أيّ وقتٍ سابق. لكنّي أستطيع أن أقول بثقة إنّ إسرائيل فقدتْ جزءًا لا يستهانُ به من المجتمع المدنيّ الدوليّ؛ فقدتْ جزءًا هائلاً من قطاعات المثقفين والطلبة والنقابات العمّاليّة والحركات النِّسْويّة والفنّانين وغيرها من الحركات الاجتماعيّة. حدث ذلك بعد العدوان على لبنان سنة 2006 بشكل خاصّ، وبالذات بعد العدوان على غزّة نهاية 2008 - بداية 2009، ثمّ أتت المجزرة المُرتَكَبة ضدّ «أسطول الحرّية» لتعرّي إسرائيل تمامًا أمام المجتمع المدنيّ الدوليّ. - ما مدى تأثير الاستثمارات والبضائع الإسرائيلية في المغرب على حملتكم؟ من المبكر الحكم على تأثير حملة BDS في المغرب لأنها حديثة العهد هنا. لكننا متأكدون بأن الشعب المغربي بقواه المجتمعية والسياسية يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وعودة اللاجئين وفي التحرر من الاستعمار الصهيوني لأرضنا. لم نشهد مظاهرات تضامن مع شعبنا أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة بحجم وحماسة المظاهرات التي عمّت المغرب، والتي أعطت شعبنا الصامد تحت الاحتلال والحصار قوة معنوية هائلة وطمأنتنا بأن شعوبنا لا تزال بخير، لكننا نطمح إلى أن يتحول هذا التضامن المعنوي والعاطفي الهائل إلى ترسيخ مناهضة التطبيع الأكاديمي والثقافي مع إسرائيل، وإلى حملات عملية ومستديمة وشعبية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومن الشركات والمؤسسات المتواطئة معها. هكذا نرفع كلفة الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، ونستعيد، بالتالي، حقوقنا المسلوبة. إن حرمان الشركات العالمية المتورطة في الاحتلال والانتهاك الإسرائيلي للقانون الدولي من عقود في المغرب يعد من أهم أشكال التضامن اليوم. وهذا ما يجري في النرويج والسويد وبريطانيا وجنوب أفريقيا وغيرها. كما أن هناك حملة BDS نشطة في لبنان والأردن والكويت. - وماذا عن شركتي فيوليا وستاريو وباقي الشركات، خاصة المشرفة على مشروع القطار فائق السرعة، التي تضعونها في خانة الشركات المدعمة للكيان الصهيوني، والتي لازالت تستثمر في المغرب؟ لقد أطلقنا مع حلفائنا في مؤتمر هام في بلباو (إقليم الباسك) عام 2008 حملات عديدة عملية لمقاطعة إسرائيل، كانت من أبرزها حملة مقاطعة شركتي «فيوليا» (Veolia) و«ألستوم» (Alstom) بسبب تورطهما في مشروع القطار الإسرائيلي، الذي يهدف إلى «تهويد القدس» عبر ربط المستعمرات غير الشرعية بالمدينة المحتلة. منذ ذلك الوقت حتى الآن، خسرت «فيوليا» عقودًا تفوق قيمتها 12 مليار دولار في أنحاء العالم، جلّها بسبب نشاط حلفائنا في السويد وبريطانيا وإيرلندا وفرنسا وغيرها، وأعلنت عن إنهاء عملياتها التجارية في بلدان عدة. كما نجحنا قبل أسابيع في إقناع الحكومة السعودية باستبعاد شركة «ألستوم» من مشروع «قطار الحرمين»، البالغة قيمته 10 مليارات دولار، والذي يهدف إلى ربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة بخط قطارات. لقد رفعنا بهذا الانتصار كلفة تواطؤ الشركات العالمية في جرائم إسرائيل وانتهاكها القانون الدولي وحقوق شعبنا الفلسطيني. - كيف هي علاقتكم بحركة السلام، والحركة الحقوقية في إسرائيل؟ وما مدى الرهان عليها لتطويق المشاريع الصهيونية؟ لا توجد حركة سلام حقيقة في إسرائيل، أي لا توجد حركة كبيرة ذات شأن تؤيد السلام القائم على العدالة واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. توجد مجموعات صغيرة، مبدئية وآخذة في النمو، لكن لا يمكن أن نطلق عليها اسم حركة بدقة. إن ما يسمى زورًا باليسار الإسرائيلي هو في معظمه «يسار» صهيوني عنصري يرفض حق عودة لاجئينا إلى ديارهم، ويرفض إنهاء نظام التمييز العنصري الإسرائيلي ضد شعبنا من حملة الجنسية الإسرائيلية، ويرفض حتى الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام1967. أي يسار هذا الذي يرفض أهم مبدأ في حقوق الإنسان، مبدأ المساواة بين المواطنين؟ إن رهاننا على هذا الصعيد ليس على الأحزاب الصهيونية، سواء كانت «يسارية» أم يمينية، بل على المجموعات الصاعدة المناهضة للصهيونية كإيديولوجية عنصرية بالضرورة، أي التي تعترف بحقوقنا الأساسية، وتقرير المصير على رأسها، ومعظمها انضم إلى حملة BDS. إن تنامي مقاومتنا الشعبية والمدنية لإسرائيل، بما في ذلك حملة المقاطعة الدولية لها، هو أكبر ضمانة لتعزيز الحراك المناهض للصهيونية داخل المجتمع الإسرائيلي. - وإلى أي حد استطعتم أن تشركوا في حملاتكم يهودا رافضين للمشروع الصهيوني في أنحاء العالم؟ لليهود التقدميين المعادين للصهيونية دور هام للغاية في حملات المقاطعة BDS حول العالم، وبالذات في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وكندا وأستراليا. وكون حملتنا تتبنى خطابًا حقوقيًا منسجمًا مع ذاته، يأخذ من القانون الدولي والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان مرجعية نهائية له، فنحن نرفض بشكل مطلق كل أشكال التمييز العنصري، بما في ذلك العداء لليهود. نحن نقاوم إسرائيل ليس لأنها «دولة يهودية»، كما تدعي، بل لأنها دولة استعمارية وعنصرية وإحلالية، شردت معظم شعبنا من أرضه وتنتهك حقوقنا بشكل يومي وممنهج وتحرم لاجئينا من حقهم غير القابل للتصرف في العودة. لا فرق لدينا إن كانت الدولة التي تضطهدنا تدعي اليهودية أو الإسلام أو المسيحية أو العلمانية! المهم هو أنها تضطهدنا فحسب، لذلك ستستمر مقاومتنا لها لننهي اضطهادها بجميع تجلياته. لن نقبل بأقل من حقنا في تقرير المصير على أرضنا. في الآونة الأخيرة، وبعد العدوان على غزة بالذات، انضم عدد كبير للغاية من المواطنين اليهود في الدول الغربية المختلفة إلى حملة المقاطعة ضد إسرائيل، رافضين أن تتحدث إسرائيل باسمهم. وبين ألمع الشخصيات الثقافية والأكاديمية والفنية التي تدعو إلى المقاطعة في الغرب نجد عددًا كبيرًا من اليهود، مثل الكاتبة ناعومي كلاين، والفيلسوفة جوديث بتلر، والمخرج مايكل لي، والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، وغيرهم. - هل يمكن الحديث عن نشوء مجتمع مدني فلسطيني بديل أو مؤازر لحركات المقاومة التقليدية؟ إن معظم مكونات المجتمع المدني الفلسطيني جزء من حملة المقاطعة BDS. فقد توجت الحملة عقوداً من النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة وتقرير المصير، والذي على الأغلب أخذ أشكالاً سلمية وشعبية، كما في ثورة 36 وحملات المقاطعة التي شاعت في الانتفاضة الأولى، كمقاطعة المواطنين في بيت ساحور دفع الضرائب إلى سلطات الاحتلال ومقاومة الجدار والمستعمرات الآخذة في النمو في السنوات الأخيرة وغيرها. إذن، فالمقاطعة متجذرة في تاريخ مقاومتنا للاستعمار الاستيطاني الصهيوني لأرضنا، بتجلياته المتعددة، وأهمها اقتلاع معظم شعبنا وتهجيره قسراً. نستلهم حركة مناهضة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا وحملات المقاطعة الدولية التي صاحبتها. إن المقاطعة تشكل رديفًا لا بديلا لأشكال المقاومة الفلسطينية المختلفة، وإن كان القانون الدولي يكفل لنا مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل (طالما التزمنا بالمبادئ الأخلاقية وبالقانون الدولي ذاته)، إلا أن اختيارنا لأنسب أشكال المقاومة في كل زمان ومكان يجب أن يُبنى على دراسة متأنية لموازين القوى المحلية والعالمية وعلى القدرة على تعديل هذا الميزان من خلال نضالنا وتحالفاتنا الدولية. لا شك أن حملة المقاطعة باتت اليوم تشكل أحد أهم أشكال المقاومة الفلسطينية القادرة على تحريك الرأي العام العالمي وتأطيره في حملات فعالة تسهم بقوة في تعديل ميزان القوى لصالحنا. لقد تعلمنا ونتعلم دروس جنوب أفريقيا وغيرها من حالات الكفاح ضد الاستعمار بأشكاله، ونرى بأننا سائرون بخطى حثيثة على طريق الحرية والعدالة وتقرير المصير. - ماهي الأشكال النضالية التي تقترحونها لإيقاف مشاريع إسرائيل لتهويد القدس؟ نقترح استبعاد جميع الشركات والمؤسسات العالمية والمحلية المتورطة بأي شكل في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وبالذات في القدسالمحتلة. إن ما تسميه إسرائيل «تهويد القدس»، والمقصود استعمارها وتفريغها من مواطنيها الفلسطينيين الأصليين، هو مشروع استراتيجي لدولة الاحتلال، وهي تقضم جزءًا بعد جزء من القدس وتقوم بتطهير عرقي منظم وممنهج وغير متوقف، بينما لا نرى أكثر من الشجب والاستنكار من النظام الرسمي العربي. لماذا لا تسن في البرلمانات العربية قوانين لإقصاء الشركات المتواطئة في تهويد القدس وغور الأردن وحصار غزة وبناء المستعمرات من جميع العقود العامة ومن المشاريع المقامة في البلد المعني؟ ما المانع من تأييد الجامعات المغربية والمؤسسات الثقافية للحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل؟ كيف يمكن للمغاربة في أوروبا لعب دور ريادي في تعزيز حملات BDS هناك والتحالف مع القوى المختلفة لحصار إسرائيل من خلال المقاطعة؟ إن إنقاذ القدس، بل فلسطين بمجملها، يتطلب موقفًا وفعلًا مستمرًا وأخلاقيًا، وحملة المقاطعة تتيح المجال الواسع لذلك. - هل يمكننا الحديث عن نهاية اقتصادية عبر تصعيد مقاطعة منتوجاتها؟ نحن نسعى إلى إنهاء اضطهاد إسرائيل العنصري والاستعماري المركّب ضد شعبنا، ونؤمن بقدرة حملة المقاطعة بأشكالها الآخذة في النمو الهائل حول العالم، ومؤخرًا في العالم العربي كذلك، على تقويض نظام الأبارتهايد والاحتلال الإسرائيلي من الداخل والخارج. ونحن لا نتحدث عن مقاطعة بضائع فقط، بل مؤسسات أكاديمية وثقافية وبنوك وشركات متواطئة... إلخ. إن إسرائيل تدرك تمامًا أهمية المقاطعة الثقافية، مثلا، فوزارة الخارجية الإسرائيلية تنفق الملايين من الدولارات سنويًا لمواجهة المقاطعة بمشروع تسميه «ماركة إسرائيل» (Brand Israel)، تحاول من خلاله إبراز الأوجه الفنية والعلمية والأدبية للتغطية على طبيعتها الاستعمارية وجرائمها ضد شعبنا. هم يعرفون معنى أن تنضم إلى المقاطعة الثقافية لإسرائيل فرق فنية من وزن The Pixies أو مغنين بأهمية روجر ووترز وإلفيس كوستيللو وفانيسا بارادي وغيرهم، فكل منهم لديه معجبون بالملايين، ومقاطعة أي منهم لإسرائيل ترفع الوعي لدى هؤلاء حول حقوق الشعب الفلسطيني فتحول اسم إسرائيل إلى «ماركة» سامّة، إن صح التعبير، مما يضاعف المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية كذلك. بعد اعتداء إسرائيل على أسطول الحرية العام الماضي، دعت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة نقابات عمال الموانئ حول العالم برفض تحميل أو تفريغ السفن الإسرائيلية كرد على جرائمها واستمرار حصارها لغزة، ففوجئنا باتساع وسرعة الاستجابة لندائنا، فقد قاطعت نقابة عمال الموانئ في السويد السفن الإسرائيلية ثمانية أيام، وحذت حذوها نقابات الموانئ في الهند وتركيا وجنوب أفريقيا، وحتى في الولاياتالمتحدة، حيث قاطع عمال ميناء أوكلاند في كاليفورنيا سفينة إسرائيلية لمدة 24 ساعة، مسجلين سابقة تاريخية لا يستهان بها. وتعقيبًا على هذه الانتصارات النوعية، حذّر الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، من أن انتشار مقاطعة الموانئ لإسرائيل سيؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي. ومهم أن نتذكر هنا بأن المقاطعة الدولية لنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا لعبت دورًا غاية في الأهمية في إنهاء هذا النظام البغيض سياسيًا، وإن بقيت بعض تجلياته الاقتصادية. هناك فروقات عدة بين النظامين العنصريين، الإسرائيلي والجنوب أفريقي، ليس أقلها أن الأخير إحلالي، يهدف إلى التخلص من جميع السكان الأصليين، وليس استغلالهم اقتصاديًا فحسب. ولكن إسرائيل، رغم مجموعات الضغط (اللوبي) الموالية لها وذات النفوذ المهيمن في الكونغرس الأمريكي، ولدرجة أقل في بروكسيل، فإنها أكثر عرضة من نظيرتها في جنوب أفريقيا لوقع المقاطعة وتأثيرها لأن إسرائيل، عكس جنوب أفريقيا، لا تنتج مواد خاما ضرورية للعالم، كالماس واليورانيوم وغيرها، بل تنتج أسلحة وخضروات وبرمجيات وبضائع أخرى يستطيع العالم أن يشتريها من مصادر منافسة عديدة، وبتكلفة أقل. إن إسرائيل تحصل على حصتها في السوق العالمية جزئيًا بسبب الدعم السياسي الأمريكي والأوروبي لها، وليس لاستحقاق منتجاتها. إسرائيل تعتمد كليًا في بقاء نظامها العنصري والاستعماري على تواطؤ الحكومات الغربية وبعض الأنظمة العربية كذلك. إن الحراك الذي خلقته حملة المقاطعة BDS على صعيد المجتمع المدني الدولي كفيل بتقويض هذا التواطؤ ومحاصرة إسرائيل حتى تنصاع بالكامل للقانون الدولي. لغاندي مقولة شهيرة: «في البدء يتجاهلونكم، ثم يهزؤون بكم، ثم يحابونكم، ثم تنتصرون». لقد مررنا بالمراحل الثلاث الأولى، وكلنا تفاؤل وأمل بأننا بتضامن شعوب العالم، وبالذات في منطقتنا العربية، سنكون قادرين على تحقيق النصر.