طأطأ الرجل رأسه خجلا وقال: وفي يوم وضعت في مخزني مالا وفيرا وأشياء غالية الثمن، فأراد الله معاقبتني واحترق كل ما أملك ولم يبق الا الرماد، فبعت الأرض والذهب لأسدد بعض ديوني فلم تف بنصف ما أنا مطالب به فخرجت هائمة على وجهي هاربا من ظلمي النفسي أدعو الله أن يغفر لي ويسامحني على إساءاتي .. انصت الغني لكل الكلام... وأمسك دمعة كادت تسقط من عينيه ثم قال بعد هنيهة!: هذه أموالي فخذ منها ما تشاء. ظن الفقير أن الغني يستهزئ به، وأخذ منه صرة كبيرة، اعتقد أنها تحوي على بعض الطعام، وكانت مليئة بالمال والذهب وقال له: هيا اذهب من هنا وابدأ حياتك من جديد . اقترب ابن الغني وقد سمع الحوار فقال الأب: لا تستغرب يا بني، أتذكر آثار الأسواط على ظهري إنها من أعمال هذا الرجل، فقد كنت أعمل عنده جمالا وهربت منه لكثرة ظلمه وسقطت دمعة حارة من عين الأب ثم تابع يقول لقد أوقعه الله بين يدي، وكنت في الماضي مصرا على رد إساءاته، أما الآن وبعد أن رأيته، عفوت عن ظلمه وأعطيته ما رأيت ولم أذكره بنفسي. ومضى الابن فخورا بابيه لأنه كان يعرف مقدار معاناة الأب مع سيده قديما، ولكنه أبى أن يرد الإساءة بالإساءة والظلم بالظلم... بل كان حقا مثال العفو عند المقدرة .