اعتبرت التشكيلية عائشة الدكالي معرضها الذي قدمت فيه أعمالاً جديدة استخدمت فيها لأول مرة الأوراق المالية غير الصالحة كمادة رئيسية لمعظم أعمالها، بأن اختيارها لهذه المادة يرجع لكونها تمنح للعمل الفني عمقاً وتأثيراً ورونقا جميلاً، مضيفة على هامش افتتاح معرضها الفردي الرابع مساء الجمعة الماضي بفضاء الندوات بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالبيضاء، بأنها عملت على إضافة بعض المواد والألوان على الأوراق المالية لتتناسب مع طبيعة اللوحات، وتوضح “الدكالي” بأن استخدامها الأوراق المالية غير الصالحة يرمز إلى عدة أشياء من بينها محاولتها إبراز “لهاث الإنسان وراء حفنة من المال مقابل شيء تافه”، وترى الفنانة الدكالي في السياق ذاته بأنها”المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التقنية (استخدام الأوراق المالية) في الفن التشكيلي لتحاور فيها الأزمة المالية الناجمة عن اختلال النظام الاقتصادي العالمي”. وتبحث الدكالي في تجربتها الفنية الجديدة عن الأصالة الثاوية في الأعماق متجاوزة في أعمالها الجديدة المألوف والنمطي، من خلال تجسيدها لقدرات مبدعة في تعاملها مع تقنيات اللون والإضاءة، فيستطيع المتلقي أن يدلف عبر لوحاتها في عالم مليء بكل جديد،ليبحر عبر لوحات تحمل الكثير من المعاني الإنسانية التي تهتم بأدق التفاصيل دون التفريط في المعنى الذي يعطي لوحاتها مصداقية افتقدها الكثيرون منذ زمن بعيد، فلمساتها تعبر عن انفعال مرئي يرسم الحياة بريشة الأمل والطموح. يقول الناقد العراقي فراس عبد المجيد عن أعمال عائشة:”في أعمال الفنانة عائشة الدكالي يأخذ الشغف بالخيول بُعداً إنسانياً مغايراً، يختلف عن الإيحاء المألوف لما تمثله من قوة وبأس وفروسية ارتباطاً بما تحمله ذاكرتنا الجماعية”، مضيفا بأن”الحصان هنا(فرَس أومهرة) يتمرد على التصنيف التقليدي ليأخذ دوراً مختلفاً، حيث نجد في لوحاتها جدران الواقع تتهاوى جداراً بعد آخر، لتنطلق خيول الروح شفيفة حالمة، مؤثثة المشهد البصَري للوحة الفنية تأثيثاً عالي التأثير، وتفرش ظلالها المتماوجة على أرضية متآلفة من المساحات اللونية، وحتى على مستوى الخطوط والمساحات، نجد (الفرَس/ المهرة) تتحرر من خطوطها الخارجية لتتماهى مع خلفية اللوحة وأرضها المشتعلة بتدرجات لونية حالمة”، مبرزة بأن حركة الفرَس لدى عائشة الدكالي جزء من اللوحة. وهي غاية في حد ذاتها، وليست وسيلة لحكاية فروسية أو حدَث ما. إن تلك الحركة، بما تحمله من شفافية لونية ورومانسية وتداخل محسوب مع مساحات اللوحة، تجعلها غاية تمتلئ بالإشباع الجمالي أحياناً تختزل (الفرَس/المهرة) حجمها على أرض اللوحة إلى مستوى الرأس والعنق النافر فقط في ضربات لونية متناغمة مع حركة العنق وما تضج به من ألوان..وهذا ما يحيلنا على المستوى التقني حيث نجد الخطوط والمساحات اللونية المنفلتة سرعان ما تتنافس مع بعضها على أرضية اللوحة، غير أن هذا التنافس لا يأخذ شكل الصراع بقدر ما يعطي اللوحة وضع التكامل المدروس”. ويتطرق المعرض إلى ثنائية “الحصان-المرأة” كتيمة تزخر بكثير من الأبعاد والدلالات التفاعلية حيث يشتركان في صفات الجمال الوفاء والقوة أيضا، تستحضر فيه الدكالي ابنة مدينة سيدي بنور الطبيعة والخيول والأزهار. وحفل المعرض بالعديد من اللوحات الفنية التي تربط المرأة بالحصان بألوان وتعابير توضح بعض ما تحمله من معاني ودلالات وقالت ليلى فتحي صديقة الفنانة “والجديد في أعمال عائشة هو استخدام مادة جديدة للتعبير عن ما يعيشه العالم من أزمة اقتصادية خانقة”. وترى الفنانة عائشة، أن تجربتها الفنية الجديدة، جاءت امتدادا لمراحل سابقة اعتمدت في بداياتها الألوان الباردة الزيتية لتجسيد موضوعاتها المفضلة والأثيرة من خلال مقاربة فنية وجمالية لموضوعة “المرأة والحصان “بتقنيات وحركات متباينة، مضيفة بأن حبها للفن هو الذي دفعها للسعي بكل جهدها إلى صقل موهبتها وتطلعاتها الفنية بدراسة التشكيل بالمدرسة التقنية للفنون التشكيلية بطريق الجديدة، والتي أتاحت لها فرصة الاطلاع على المناهج الجديدة في الرسم وتقنياته الحديثة والمتطورة. وتشير المبدعة عائشة الدكالي ابنة الفنان الراحل بوشعيب الدكالي، إلى أن رحلتها الفنية في بحث وتوق مستمر لاستكشاف غياهب اللون والريشة، وينضاف معرض الفنانة عائشة الدكالي الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام إلى سلسلة من المعارض الفنية الفردية والجماعية، كان آخرها معرضا فنيا نظمته ببهو المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط.