جاكي بلحاج من الفنانين المختصين في مجال التصميم الفني بفرنسا بما يزيد عن ثلاثين سنة، حيث عرض في كبريات القاعات الباريسية، ومنذ عودته إلى المغرب انشغل كلية بالفن التشكيلي ليشارك ضمن مجموعة معارض جماعية، أعماله الفنية عبارة عن توثيق بصري لمسارات طفولته ولطرائق علاقاته مع الكائنات والفضاءات ذات المحمول الاجتماعي والأبعاد الصوفية الشعبية. يستمر معرضه الحالي بمعرض ميغامول إلى غاية آخر الشهر الجاري تحت عنوان«العودة إلى الجذور». يعرض حاليا الفنان التشكيلي جاكي بلحاج جديد أعماله بفضاء ميغامول بالرباط، حيث يقدم لأول مرة بعد إقامة اختيارية بالديار الفرنسية أعمالا إبداعية مستوحاة من معين التراث الشعبي وروافد الذاكرة الجماعية. حول هذا المعرض ورسالته الفنية قال جاكي بلحاج: «إن العمل التشكيلي الذي أعرضه حاليا بالرباط أرضية عامة للبحث المعمق في اللون والشكل والمادة. إنه عتبة لمساءلة الذاكرة واستغوار ملكات المتخيل، عبر معالجة توافق بين حياة الأشكال وعمق الفضاءات المشهدية ذات الامتدادات الشعبية والطقوسية، هكذا تحضر المرأة في أعمالي الفنية كبنيان بصري لالتقاط الخيالات والملامح العامة للنساء بكل حمولتها التعبيرية الوجدانية وتداعيات الأحاسيس، هذا الألبوم «الشهرزادي هو الذي أحاول كتابته تشكيليا من خلال مفردات بصرية تعتمد على الاختزال والنظرات الماورائية». ويضيف بلحاج بخصوص أسلوبه الفني: «إن معالجتي التشكيلية تندرج في إطار التشخيصية الجديدة التي تعكس الواقع الاجتماعي بحذافيره بل تحاول القبض على اللحظات الهاربة والتفاصيل الصغيرة. فأنا أشتغل على اليومي بكل ما يحمله من قيم اجتماعية وأبعاد سحرية. كما أن فعل التصوير من منظوري البصري ترجمة لما عايشته من وقائع وطرائف، وذلك انطلاقا من سياق سير ذاتي وبوح حميمي مشبع بمختزنات الذاكرة». المتأمل في لوحات جاكي بلحاج يلاحظ تكرار المفردة الواحدة لنظرات نسائية جاذبة، ويقابل تكرار الملامح بتعددية اللون لتشكل إيقاعات انسيابية بمستوى تقني جاذب، يتعدى حدود الشكل الظاهري لانسيابات عميقة مرتبطة بأهداف حسية، وموسيقى متناغمة تحمل سمات محيط نسائي في ألقه القديم، نظرات تعبر عن أحلام شاردة، أجساد ملحفة تقوي الإحساس بهذا الشرود الساعي للانفلات من قوقعة صدفية تقمع مخيلة الحلم. تأخذ العين في هذه التشكيلات شكل السمكة كما في الكتابة المسمارية التي تدل على السفر والإياب حسب اتجاهها. أغلب اللوحات تأخذ شكل المربع وكأنها تعبر عن كون العمل ينتمي إلى فعلة إنسانية، فالشكل المربع هو الشكل الهندسي الوحيد الذي لا تصنعه الطبيعة. في تصريح ل«المساء» يقول الناقد الفني عبد الله الشيخ عن هذا المعرض: «جاكي بلحاج في أعماله الجديدة يستوحي الأشكال الحية للمرأة عبر لغة صباغية رسمية تغير تموضعات الأشياء جاعلة اللامرئي مرئيا،إبداعاته الصباغية تستوعب التشابه المتأسس على القوة الإبداعية، إبداعية تفجر الأشكال من الداخل. من جهته اعتبر الناقد وأستاذ الفنون التشكيلية إبراهيم الحيسن أن تجربة جاكي تندرج «ضمن تصويرية جديدة تستمد أسسها الجمالية من التشخيصية الرمزية القائمة على الإيحاء والثورية بمعانيها المرئية واللا مرئية، فهو يصور شخوصا متناظرة ومتقابلة تتهامس في حوارات ساخنة ومكسوة بالعديد من التخطيطات والألوان المتعجنة الناتجة عن استعمال كثيف للصباغة والمواد الخشنة التي تمنح اللوحة أوجها وسطوحا متعددة تكثر فيها النتوءات والبروزات». ويضيف الحيسن «في عمق لوحاته تبرز نساء بدويات ملتحفات بلباسهن وأرديتهن التقليدية، ويظهرن بملامح وسحنات تكاد تكون مخفية إلا من العيون، حواس النظر والانفتاح على العالم الخارجي..عيون متحاورة ولوجية مطلة تعبر عن إحساسات وخوالج داخلية تخضع لتغذيات جمالية كثيرة، مواطن ملونة بصيغة المؤنث، وتمنحها هويتها المسكونة بالصرخة». ويستطرد الحيسن:«ونقرأ في لوحاته أيضا عوالم فنتازية (بمعنى ما) تعكسها بنيات الشخوص المرسومة وامتزاجها بعناصر بيئية ومعمارية متعددة، مضيفا أن بعض التشكيلات التجريدية التي وظفها بهدف تكسير الطابع التشخيصي البسيط الذي يغري الكثيرين.. ومعتبرا أن الفنان جاكي يمقت التصوير التشخيصي الرتيب والمستهلك(التصوير السياحي).فلوحاته، يقول الحيسن، تنطق بتصويرية جديدة مليئة بحس تجريدي ورمزي يظهر نزوعه نحو التجريب والبحث الصباغي. وأشار الحيسن إلى أن الوطن عند جاكي تجسده الألوان الاحتفالية والاختيارات القزحية المماثلة التي يستعملها في صياغة اللوحة، زد على ذلك رائحة التراب ومواد الإلصاق، والتغربة، فضلا عن المواضيع التي يغترفها من قاع اليومي ومن التجارب الفردية والمشتركة ومن بعض الاحتفاليات والطقوس الشعبية تمحورها النسوة كرمز للعطاء والخصوبة. لقد قدم لنا جاكي في هذا المعرض الذي سيستمر إلى أواخر ماي مرحلة غابت خلف السنوات، وأحلام نساء غابت في سخونة الألوان، ألصق عليها شحناته وتعبيراته عن نساء ملتفات في عباءات القيود ليتحدثن عن الحرية، معتمدا على الاختزال في الشكل وفلسفة الألوان وتقنياته كما هي عند كارالبيل وكوربيه.