هل الإنسان المثالي في هذا البلد السعيد هو من يخفي عيوبه الفكرية والجسدية تحث الأحزمة والمشدات، مثل الارتيست قبل النزول إلى الشارع.وهل إذا رسمت دولة ما حمامة مرفرفة على أبواب سجونها،أو ميزانا على بنايات محاكمها، أقنعت نفسها ومواطنيها بوجود العدل والحرية على أراضيها.أقول هذا بعد الزوبعة التي أثرها موضوع إصلاح القضاء في وسائل الأعلام، وكان شغل الشاغل لمنظمات حقوقية. تحدث الجميع عن الإصلاح. وبالفعل فنحن نحتاج إلى إصلاح قضائي شامل وجوهري، يسمح لقضائنا بالتجاوب مع متطلبات الحكامة ودولة القانون. وهذا الإصلاح يتعين أن يفك أسر القضاء المغربي الذي تسترقه أزمات عدة : أولا أزمة الاستقلالية وقد أثبت تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة كيف استخدم القضاء في حسابات سياسية للسلطة التنفيذية، في العديد من المحاكمات التي تلاحقت مند بداية الاستقلال بالمغرب إلى منتصف السبعينات على مدى 19 سنة، وعرفت هذه الفترة وما تلاها أشهر المحاكمات في تاريخ المغرب، تلك التي أعقبت أحداث 1963 أو ما يعرف بالمؤامرة التي استهدفت الإطاحة بالنظام حينئذ، ثم محاكمة خلايا التنظيم السري المتفرع عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان يستهدف السيطرة على الحكم بقوة السلاح حسب مذكرة الاتهام مع نهاية الستينات وبداية السبعينات وهو ما يعرف بمحاكمة مراكش 1971. ثم بعدها مباشرة وفي نفس السنة عقدت محاكمة الوزراء الشهيرة المتورطين في ملفات الفساد، فالمحاكمات التي ارتبطت بانقلابي قصر الصخيرات صيف 1971 والطائرة الملكية في السنة التالية. فكانت هذه المحاكمات تغلف بتهمة «المس بأمن الدولة وتؤرخ جميعها، بهذه الدرجة أو تلك، لمراحل من تاريخ المغرب تميزت بحالات الشد والجذب بين السياسيين المغاربة المنتظمين في الهيئات اليسارية الراديكالية التابعة منها لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لاحقا)، أو الحركات اليسارية التي كانت تعمل في السرية من جهة وبين والسلطات الأمنية المغربية من جهة أخرى في السنوات الأولى لاعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني الملك في فترة الستينات.وما عرفته الساحة الوطنية من محاكم للصحافة و للتيار الإسلامي بعد احداث 16ماي الأليمة، لينضاف إلى ذلك متابعات أخرى جديدة على الفضاء المغربي.متابعة محتجو الملفات الاجتماعية و كأحداث سيدي افني، والمتضاهرون على خلفية الفيضانات التي عرفتها البلاد وعرت البنيات التحتية المهترئة التي صرفت فيها ميزانيات ضخمة من أموال الشعب. فنفق الأمل من المواطن البسيط، بتعدد القضايا التي لم يبرأ فيها القضاء في المغرب من إتباع مساطر و إصدار أحكام معيبة ، و ذلك سواء تعلق الأمر بملفات ذات صلة بالحقوق و الحريات الإنسانية الأساسية للأفراد والمجموعات أو بملفات ذات علاقة بالحق العام . و هكذا ففي الحين الذي يعلن فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مكانة القضاء ، باعتباره مدافعا عن الحرية و الإنصاف بالنسبة للجميع و ليس حاميا للحكام ضد المواطنين أو مستغلا مثل هذا الدور الشاذ في تحصين أفراده من المساءلة في شأن ارتكابهم لجرائم الفساد أو غيرها. وهذا حال المدون والصحفي حسن البرهون الذي لم يجد وطنا في وطنه،وطن لا يستهجن كرامة المواطن، ولا يستبيح إنسانيته، ولا يستخف بعقله وبذكائه، ولا يزدري مشاعره، ولا يستكثر عليه حاجته الأبسط، ولا يستدرجه نحو كيان مهشم مهمش مطحون، ولا يستفز جوعه وحرمانه وقهره ومعاناته، بمزيد من النيل من بقايا إنسانه.لذا راهنٌ على الوطن، فكان الرابح الأكبر،رغم سجنه ,لأن الخاسر ، هو من يراهن بالوطن لا عليه. الرابح هو من يجعل الوطن قضيته، والخاسر هو من يجعل الحظوة والجاه والغنى والمصلحة الشخصية قضيته. الرابح هو من يجعل الوطن قبيلته وتاج رأسه، والخاسر من يجعل القبيلة وطنه وتاج رأسه.فابرز تلك الحالات التي يلعب فيها القضاء دورا سلبيا وتابعا للسلطة ، ولبارونات الفساد ،في مبادرة يشرف عليها باسم “صحفيون بلا قيود” وعلى موقع يوتيوب المعروف ، والتي يشير فيها لتورط شخصيات مسؤولية مع أحد بارونات المخدرات في مدينة تطوان المغربية.فتم إيداعه السجن لنشاطه البارز في مكافحة الفساد .وللتضييق على حريته في الرأي،كما وقع مع المدون محمد الراجي الذي حكم عليه ابتدائيا بسنتين سجنا وحصل بعد ذلك على السراح بعد حملة تضامنية واسعة، وأيضا حسن تيزوكاغين مدون انتفاضة سيدي افني على اليوتوب الذي قضى ستة أشهر وراء القضبان بتهمة التصوير بدون إذن. فلا قضاء يحميهم ولا عدالة تساندهم، وهو ما يزيد العبء على الصحفيين والمدونين الشجعان في بلد يتقهقر بسرعة لسنوات الظلام والصمت”. و في الحين الذي ينص فيه هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 على أنه ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”أصبح المدون هدفا رئيسيا لأجهزة الأمن في الأنظمة البوليسية والديكتاتورية خاصة بعد أن أصبح يشارك بفاعلية في فضح فساد القضاء والتعذيب والانتهاكات ومساندة حركات الاحتجاج الاجتماعي – قولا وفعلا. بالرغم من هذا فما يزال الكل يناضل من اجل قضاء المساواة،بدل قضاء التعليمات. في ظل تصاعد مفضوح لوثيرة الهجوم على ما تبقى من مكتسبات الجماهير الشعبية الكادحة، عبر تمرير ترسانة من التشريعات و المخططات الرجعية تحت يافطة مليئة بآلام المحرومين:مدونة الشغل، قانون الإرهاب، قانون الصحافة، قانون الحريات العامة و ميثاق التربية و التكوين، مدونة السير..... فبدا الشك يدب في المواطن فأصبح لا يصدق كل ما يأت به الإعلام الرسمي، من روايات ومرويات، وما يشبك مع مونولوجاتها من خلفيات وجهات وتنظيمات خارجية وداخلية. زد على هذه المرويات الأمنية، المولوتوفية حبكتها، المهترئة فبركتها، الهشة صياغاتها، الركيكة دلالاتها، المصطنعة افتعالاتها وانفعالاتها، المكشوف ما تريد الوصول إليه، المحسومة خطوتها التالية، المسبوقة تهمتها، المُحجوزة مساحة إعلانها وإعلامها، المسكوكة استنكارات نعَّاقها، المُعدَّة تصريحاتهم قبل وقوعها.وبما أن علينا واجبات تجاه هذا الوطن,فلدينا حقوق تحث سمائه. لذا من حق هذا المواطن هو الأخر أن يراقب الدولة,عما تفعله من وراء ظهره, فهل نصدق أن كل المشروعات والمخططات الاستثمارية التي تنجز من وراء ظهورنا في صمت مريب، وتتحرك في الأرض,بشكل ارتوازي, بتنافس يطاول السماء، وبسرعة مخيفة لا يمكن للعين المجردة ملاحظتها وملاحقتها، أنها مشاريع وإنجازات تعمل ليل نهار من أجلنا، من أجلنا فقط، من أجل رفاهنا وإعمارنا وتحسين عيشنا المدقع ورفع سقف أجورنا، ومن قبلها، رفع سقف رؤوسنا،لأكذب ما نتلوى فيه، من فقر وجوع ومهانة، وما يتندر به علينا من ازدراء، بين معونة تُقر أو تتعطل نصف عام، وبين مكرمة تنزل علينا أو نترجاها في ذل الطالب المترجي، وبين عطية تتصدق علينا أو نُحرم منها، وبين هبة ننالها أو تُسحب منا لأننا لا نستحقها لفرط طول لساننا.