قال أحد السلف، إن الحب عندما يصير رزينا يصير شبيها بالواجب، و “رابحة” تحتاج أكثر من الواجب، تحتاج أن تعيش حالة الحب الكاملة تريد تفاصيل التفاصيل من عنف الحالة ورقتها من ذكائها وغباءها من تعقلها وجنونها، و أن تستطيع التعبير عن شعورها بتلقائية متناهية دون كتمان ودون أن تشعر نفسها بأنها ترتكب خطيئة ما، أو ذنبا لا يغتفر، فتلجأ للصمت القاتل فهي تضجر من كتمانه إلى حد كبير. “رابحة” التي لا تحتمل أن تجعله سرا تريد البوح بما يختلج في صدرها تجاهه لأحد ولكنها لا تستطيع، ففي المرة الوحيدة التي فكرت فيها أن تحكي عنه لأمها، ظلت تلملم شجاعتها أسبوعا كاملا تتدرب فيه على تهجي اسمه الذي لا تستطيع نطقه خوفا من تحريف جماليته، و لما ظنت أنها جمعت زمام أمرها وجدت شجاعتها تخونها مع كلمات أمها الأولى، عن الواقع، عن المسؤوليات، وعن أحلامها في زواجها من ابن صديقة لها، وعن… وعن…. وجدت نفسها مضطرة لإخفاء تفاصيله وصورته التي لا تبارحها في صحوتها و نومها و تترك فرصتها التي كانت تعد لها للبوح به تتبخر أمام عينيها، فأي مساندة ستوقظها في صدر أمها، إن هي حدثتها عن حلم بينهما لم يبح به احدهما للأخر، و أي اهتمام ستوليه لحلمها الذي ستراه ساذجا وخياليا إلى جنب ما تتحدث عنه من واقعية، بم ستنعتها إذا أخبرتها أن تحديقها الطويل بالمرايا لم يكن سوى ….. لأنها تتذكر المرة الوحيدة التي أخبرها فيها، أن ابتسامتها رقيقة وأنها لا تفارق مخيلته، طبعا لن تنتبه للأمر و لن تفهم كيف حالت كلمته العابرة تلك، بين النوم و بينها ساعات الليل الطويلة. لن تلمع عينيها لتسمعها تحكي عن رعشة سرت في أوصالها حين قالها، لن تغمض عينيها معها و تتنهد مثلما تفعل و هي تحكي تلك اللحظات المرتبكة التي حاولت فيها الهروب من عينيه في لقائهما اليتيم، لن تفهم أمها كل ذلك، و لن تبوح هي به، نعم، لن تبوح به و لن تفعل. لن تفعل، أجل لن تفعل، لا شيء ولا احد يمنحها فرصة الحديث عنه حتى أحلام نومها تأبى أن تستقبله ضيفا، تنام فيزورها كل من هم سواه، فتحلم بأناس انقطعت الصلة بينها وبينهم منذ سنوات طويلة، و تحلم بجيرانها و زملاء الدراسة والعمل، كل الناس تراهم في منامها إلا هو، ترفض ذاكرتها استقطابه ربما لأنه ليس ضيفا وربما لأن وجوده ليس عاديا كوجودهم. تستيقظ فتوزع الأحلام على أصحابها تحكي لهم عما رأت لعل أحدهم يسعد فيرد الله لها ذلك بنصيب من الفرحة به، فكرت في البوح لصديقتها المتزوجة لكنها أحجمت عن ذلك، فقد تذكرت أن الزواج جعلها أكثر عملية وأقل شاعرية، فخشيت أنها قبل أن تحكي لها شيئا ستسألها عن كثير من التفاصيل العملية جدا التي لا تعلم في أغلب الأمر شيئا عنها، ثم ستخبرها و هي تشيح بوجهها عنها “واش كاين شي معقول نهدرو؟، إلى غير كتبغيه وكيبغيك ماتنفخي ليا راسي لي عندي يكفيني”. انتقلت من موضوعها الذي يلح عليها إلى آخر، و آخر و آخر، ستحدثها عن حماتها و عن طفلها الذي لا ينفك يبكي و عن المجهود الذي تبذله في تنظيف شقتها، و ستحدثها عن نزوات زوجها التي لا تنتهي، و عن صديقه المنحرف الذي تتمنى زواجه من امرأة متسلطة فقط لتبعده عن زوجها، و عن خططها الجديدة للتوفير لشراء منزل كبير، و ستشاركها “رابحة” كل ذلك بحماس حقيقي ممزوج بمرارة الحنق عليها، و عليه، و على نفسها تبدو لي راغبة في سكب دواخلها بقوة ملايين القنابل النووية دون الاضطرار إلى تجميلها وزخرفتها بألوان الجمال، ترغب بسكبها كما هي بلا إضافات تماما كما يرغب أغلبكم أيها الأعزاء.