بعد طول انتظار أعلنت “الهاكا” عن قراراتها، مانحة أربعة تراخيص جديدة لمحطات إذاعية، لكن دون منح أي ترخيص جديد لمحطة تلفزيونية، على الأقل في الوقت الحالي، حيث أن القرار للوهلة الأولى كان مفاجئا، إذاذ ما استحضرنا الإعلان سابقا عن طلبات العروض لإنشاء محطات تلفزيونية، خصوصا أن بعض العروض كانت بارزة، لكن بين الإعلان عن طلبات العروض وتاريخ البث فيها أغرقت الأزمة العالمية كل الآفاق في جو من الغموض و الضبابية، بدعوى تفادي ما تعرضت له القناة التلفزية “ميدي آن سات”. إن وظيفة الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري ليست تقنين القطاع الإعلامي فحسب ولكن أيضا ضمان نجاح تحرير المجال السمعي البصري، و لهذا لم يكن بإمكانها تناسي الأبعاد الاقتصادية حيث إن كل قارة من العالم يتواجد فيها مغاربة منفتحين على استقبال مجموعة من القنوات، فالأمر مرتبط كل الارتباط بجودة الإعلام المقدم لا بعدد القنوات والمحطات الإعلامية، إذ هو الأمر الذي أصبح ضمن رهانات المغرب تجنبا للوقوع في تجربة تركيا و لبنان لا قدر الله. إن سياسة تحرير المجال السمعي البصري رهان مجتمعي مهم جدا لا يمكن لأي كان التلاعب به، وعلى المغرب مقاربة هذا الرهان بحكمة وذكاء، لأن السمعي البصري والصحافة المكتوبة هما الدعامتان الأساسيتان للحرية والمسؤولية لدى المواطن . حيث صارت التعددية في مجال الإعلام المسموع –المرئي- مطلبا رئيسيا لتقدم المجتمع وتحديثه، الأمر الذي تم التفاعل معه بخروج مجموعة من الإذاعات السمعية، كمجموعة “إم إف إم” و”أصوات” كتتمة طبيعية للتعددية الحاصلة في مجال الإعلام المكتوب . بين التعددية و الواقع لا يمكن إخفاء المشاكل التي تتعرض لها الصحافة المكتوبة، بعد أن صارت تواجه مجموعة من العراقيل التي كانت للندوة العلمية الموقعة في السابع و العشرين من فبراير المنصرم بالمركب الثقافي الحرية – فاس- تحت عنوان “واقع توزيع الصحف بالمغرب جهة فاس بولمان نموذجا” أن تسلط الضوء عليها، الندوة ومن خلال مداخلات مجموعة من المحاضرين الذين أتتوا فضاء تثمين الحوار حول الموضوع إذ لم يخفوا الواقع المتجسد في مجموعة من المشاكل: حيث أصبح الضرر المعنوي يطال صفحات الكلمات المتقاطعة والسودوكو وعرضها في نسخ للبيع بثمن يسلب حق هذا الإعلام في موارد هذه الصفحات، وكذلك نسخ مجموعة من المقالات التي تظم مواضيع متعددة مثيرة للقراءة، نفس الأمر ينطبق حول مجموعة من نقاط التوزيع، إذ أكد السيد محمد الزوهري أن مجموعة من الشوارع ترتفع فيها نسب نسخ الجرائد المتبقية عكس مجموعة من الشوارع الأخرى بالمنطقة التي تعرف نفاذا تاما؛ أما مجموعة من المناطق النائية كالقرى تعرف غيابا شبه تام أو بالأحرى كليا . هكذا تكتشف السلطة الرابعة نفسها متأرجحة بين المنافسة الشرسة للمنابر الإعلامية الأخرى والمشاكل السالفة الذكر، هذا المصطلح أي السلطة الرابعة يطلق على وسائل الإعلام العمومي و على الصحافة بشكل خاص، حيث يكمن الدور الريادي له في سياق إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة و التوعية و التنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي و توجيه الرأي العام و الإفصاح عن المعلومات و خلق القضايا قصد النقاش ؛كما تظهر على السطح المنافسة القائمة للإعلام الإلكتروني، إذ بات من الملح وضع الرأي العام نصب أعين الأقلام الصحافية من أجل خدمة حقه في الحصول على الخبر في نطاق دائرة أخلاقيات المهنة، حيث يبقى حجر الزاوية للإصلاح دائما هو الحرية الإعلامية المسؤولة التي تعتمد على الصدقية والحرفية و الوضوح من دون استفزاز للآخر أو تعد على حرياته، كما لا يخفى العزوف القوي عن القراءة الذي أثر بشكل كبير على نسبة مبيعات الصحف؛ هذه المعادلة التي تبقى منحصرة في جودة الإعلام عموما و الأقلام خصوصا . في سياق ذي صلة، على إثر إجراء ندوة علمية في موضوع” ثقافة الحوار في الإعلام المباشر الواقع و الآفاق”، التي تمت مؤخرا بالقاعة الكبرى لجماعة أكدال صرح محمد الشباب نائب عمدة مدينة فاس في مداخلته:” إن الإعلام السمعي بدأ يفرض ذاته أكثر قوة على المسؤولين في مجموعة من القطاعات قصد تتبع ما يتحدث عنه الإعلام االسمعي بخصوص الإدارات والجماعات و غيرها من المرافق الإدارية، خاصة الإذاعات الجهوية و الخاصة، من أجل تقريب صورة الإدارات من المواطن”، إذ يتضح من خلال هذا التصريح الدور الريادي لوسائل الإعلام خاصة المكتوب و المسموع باعتبارها الشرط الأساسي لكل ديمقراطية، وباعتبارها الوسائل الوحيدة التي تمكن الرأي العام من مراقبة أعمال الحكومة وغيرها من الإدارات قصد تبليغها إلى المواطنين المغاربة داخل الوطن وخارجه خدمة للحق في الحصول على الأخبار.