من المرتقب أن تعلن الهيأة العليا للسمعي البصري (الهاكا) عن الفائزين بتراخيص إنشاء قنوات تلفزية وإذاعات تندرج في الجيل الثاني من التراخيص، بعدما أن استمعت إلى أصحاب المشاريع المقترحة في المجال المخصص لهم. يأتي هذا في وقت يعرف فيه المشهد الإعلامي المغربي بشقيه الرسمي والخاص عدة انتقادات بشأن الانتكاسة الحاصلة في محتواه؛ سواء على المستوى الإخباري المحض أو على المستوى القيمي والهوياتي. مما جعل البعض يتساءل ما الجدوى من إنشاء قنوات وإذاعات أخرى إذا كانت ستكرس نفس التوجه السائد في القطاع الإعلامي ببلادنا؟ على أن ثمة سؤال يطرح نفسه أيضا: ما هي الاعتبارات التي ستحكم قرارات الهاكا في منحها للتراخيص الجديدة، خصوصا وأن أصحاب هذه المشاريع ذوي النفوذ في المجتمع المغربي؟ الجيل الثاني سيعرف الجيل الثاني من التراخيص الخاصة بالمجال السمعي البصري ببلادنا إنشاء قناتين تلفزيتين وخمس قنوات إذاعية من أصل ثمانية مشاريع تلفزية واثنتي وعشرين مشروعا إذاعيا. وبهذا الخصوص فقد كانت الهاكا قد أطلقت أربعة إعلانات منافسة: إعلان واحد عن المنافسة يرمي إلى منح ترخيصين من أجل إحداث واستغلال خدمتين تلفزيتين هرتزيتين أرضيتين تغطيان مجموع أرض التراب الوطني. وإعلان واحد عن المنافسة بهدف منح ترخيص واحد من أجل إحداث واستغلال خدمة إذاعية إف.إم تغطي مجموع التراب الوطني. وإعلان واحد عن المنافسة بهدف منح ترخيصين من أجل إحداث واستغلال خدمتين إذاعيتين إف.إم تغطية ثمانية أحواض استماع: الدارالبيضاء الكبرى والرباط وفاس-مكناس ومقدمة الريف والشمال والريف والشرق والوسط وهضبة الفوسفاط وتادلة. وإعلان واحد عن المنافسة بهدف منح ترخيصين من أجل إحداث واستغلال خدمتين إذاعيتين إف.إم لتغطية ستة أحواض استماع: الرباط والدارالبيضاء الكبرى ومراكش ومرتفعات الأطلس وعبدة وسوس ماسة وأبواب الصحراء والأقاليم الصحراوية. لكن المشكل الذي يطرح أمام هذه المشاريع هو الجانب المهني أو التقني الذي يتجلى في محدودية عدد الذبذبات، لأنه كما صرح لـالتجديد محمد بوفراحي الكاتب العام المحلي للفدرالية الديموقراطية للشغل: الهاكا لها اتفاقية تقنية مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة فيما يخص الذبذبات. ولذلك فالهاكا تضع شروطا بالنسبة للقنوات أو الإذاعات المزمع إنشائها . المنافسة: أي اعتبارات؟ انحصرت في المدة الأخيرة المنافسة على امتلاك التراخيص للقنوات التلفزية بين أسماء وازنة في الساحة الاقتصادية والسياسية والإعلامية. ويتعلق الأمر بعثمان بنجلون الرئيس المدير العام للبنك المغربي للتجارة الخارجية، والذي تقدم بمشروع قناة الثالثة، كمال لحلو المعلق الرياضي السابق وصاحب مجموعة نيو بيبليسيتي الإعلامية، وأحمد البلغيتي صاحب شركة فيديو راما للإنتاج السمعي البصري، ورشيد حايك مدير إذاعة شذى إف إم، وفؤاد علي الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة. ويوجد من بين المتنافسين على التراخيص الخاصة بالإذاعات شقيق أنس الصفريوي، صاحب مجموعة الضحى العقارية، وميلود الشعبي صاحب مجموعة بينا هولدينغ للعقار، ونجل إدريس جطو رئيس الوزراء السابق. مما يفرض السؤال التالي: هل قرارات الهاكا التي هي حكم في المشهد السمعي البصري من الناحية السياسية والاقتصادية والإعلامية لن تخضع لاعتبارات سياسية، وهل إقصاء جهات أخرى يكون لنفس الاعتبارات أو لاعتبارات مهنية محضة؟ يقول عيد العزيز النويضي أستاذ جامعي وحقوقي في تصريح لـالتجديد يمكن أن يحصل ذلك لأن الجهات التي قدمت طلبات الآن هي جهات لها قدرات مالية ومقربة من أصحاب القرار السياسي، كما أن الهاكا ليست مستقلة تماما لأنها عبارة عن مجموعة من الأشخاص يجتمعون ويناقشون الطلبات. وعدد من هؤلاء الأشخاص ليس لهم استقلال عن بعض الجهات السياسية. موضحا أن عضوين من الهاكا على الأقل ينتميان إلى حركة كل الديموقراطيين أو حزب الأصالة والمعاصرة الذي يطلب زعيمه السيد علي الهمة الترخيص له بإذاعة أو تلفزة. وبالرغم من أن المتحدث يعتقد أنه لا يمكن الحكم على حياد أو انحياز الهاكا بشكل حاسم ومطلق إلا بناء على معطيات ظاهرة، فإنه يقر بأن الهاكا لن تسمح بإنشاء قنوات أو إذاعات ستشكل إزعاجا وتحديا للخط الرسمي . ولهذا يرى محمد بوفراحي إذا كان الدستور المغربي يقر بحرية التعبير فلابد من حق رأي المواطن في الإعلام. الإعلام يجب إذن أن يعكس التعددية التي ستعطي المصداقية للقنوات الجديدة. موضحا أن التعددية لا تعني تعدد المؤسسات الإعلامية لأنه بإمكاننا أن تكون لنا مؤسسة واحدة أو قناة واحدة، لكن كل المواطنين يجدون أنفسهم فيها وهذه هي التعددية. في المقابل يمكننا أن نتوفر على مجموعة من القنوات، لكن تتحكم فيها جهة واحدة اقتصادية كانت أو منظمة بطريقة أو بأخرى. ومن هنا يعتقد أن الهاكا التي تنظم المشهد الإعلامي المغربي يجب أن تنجح في هذه المعادلة، أي الحفاظ على جميع الآراء مع مراقبة الإعلام والتمويل. بالرغم من ذلك فإن المتحدثين يقران أن الهاكا عندما تقرر في المشاريع فإنها تدرس مجموعة من الشروط التقنية والمادية والقانونية لها علاقة بالعرض الذي تقدمه إلى أصحاب المشاريع. أي أهداف؟ يرى محمد بوفراحي أنه لابد من تحديد هدف معين من إنشاء هذه لأنه إذ إذا لم يكن هناك هدف يؤطر نظرتنا فالكل سيريد إنشاء قنوات؟، بل يذهب أبعد من ذلك عندما يطرح السؤال التالي:هل من الضروري التوفر على عدة قنوات بمعنى تفتيت المشهد الإعلامي أم فقط قناة واحدة تعكس حرية التعبير والتعددية الثقافية للمجتمع؟. هاجس أهداف المشاريع الجديدة يعبر عنه كذلك الأستاذ النويضي الذي يتساءل إلى أي حد ستغني المشهد التعددي في اتجاه يتيح فرصة مناقشة قضايا الرأي العام بشكل أكثر جدية؟ إلى أي حد ستسهم في أخبار نزيهة أكثر مما تفعله القنوات الرسمية؟ لأن السؤال الأساسي بالنسبة إليه هو هل أصلا يقوم المرفق العمومي السمعي البصري بمهامه المخولة إليه؟ يجيب النويضي: أنا أعتقد أنه لا يقوم بها كما ينبغي وإنما هو تحت الوصاية السياسية ويغلب فيه الترفيه، كما أنه لا يناقش العديد من القضايا الأساسية التي تشغل بال المواطنين. فهل ستغني هذه القنوات التي سيرخص لها هذا المشهد وتصححه؟ أنا أشك في ذلك. لأن الذين يطلبون التراخيص في اعتقاده يمثلون جهات مقربة من السلطة. وبالتالي لن نخرج عن الوصاية السياسية. وبالتالي فأهدافهم إما +اقتصادية بمعنى السيطرة على السوق أو سياسية بالمزيد من السيطرة على الرأي العام في اتجاه أطروحتهم السياسية. بالإضافة إلى ذلك فالقنوات الخاصة ستعتمد على الإشهار في تمويلها، وهذا سيدفعها أن تبث موادا تجلب لها المشاهدين بما في ذلك إمكانية الانزلاق نحو برامج تافهة تغري جمهور اليافعين والشباب وتؤثر سلبا على قيمه. ويخلص الأستاذ النويضي إلى أن الهاكا في كل الحالات هي مكسب لأنها طال الزمن أو قصر ستجد نفسها مقيدة بالقواعد التي تحكم المؤسسات التي تشبهها في الدول الدموقراطية. ولكنها الآن وفي ظل الإطار السياسي الذي لا زال لم يصل إلى الحالة الديموقراطية فإنها هيأة أضعف من بعض اللاعبين الكبار، وأساسا القناتين العموميتين اللتين هما أداة في يد السلطة السياسية، عندما يخرقون القانون ودفتر التحملات وأخلاقيات المهنة؛ لأنهم تصرفوا وفقا لما تريده السلطة السياسية التي بنفسها تسهم في تعيين أعضاء الهاكا.