في الحقيقة هذه الجملة قلما ترد في التقارير المغربية سواء التقارير البسيطة اليومية أو التقارير “الغليظة ” التي يتوصل بها صناع القرار في الرباط. شخصيا اطلعت على بعض التقارير التي تنجز في بعض الإدارات العمومية المحلية والتي ينجزها بطبيعة الحال أعوان السلطة لإطلاع المسؤول المحلي على مجريات الأحداث في الدائرة، فلم أجد في واحدة منها كلمة ” المواطنون يشتكون من !!! ستجد فيها كل ما وقع في الدائرة من سرقة أو حوادث سير أو ... أو.. ولن تجد فيها كلمة “مواطن”، إذن من أين الخطأ في عدم تلبية مصالح المواطنين؟؟ هل من الذين يرفعون التقارير؟ أو من الذين يتسلمونها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في صحة ما ورد فيها ؟ أم في المواطنين أنفسهم الذين ينتظرون خروج ياجوج وماجوج لإصلاح الأوضاع بدل أخذ المبادرة بأنفسهم؟ أسئلة تصعب الإجابة عليها لأنه لا يمكن الإحاطة بكل مكامن الخلل. أظن أن هؤلاء الأعوان أنفسهم مغلوبون على أمرهم بحيث لا يستطيعون المطالبة بحقوقهم ناهيك عن أن يطالبوا بحقوق المواطنين أو توصيل شكاوي المواطن إلى المعنيين. بالرجوع إلى التقارير ” الغليظة ” التي ترفع إلى الرباط فهي في أغلبها تذيل بجملة ” العام زين” لذلك بقيت الأمور على حالها هكذا عاما بعد عام حكومة بعد حكومة حتى في المناصب الوزارية وزيرا بعد وزير يترك بعده كمّاً هائلا من المشاكل والملفات يستعصي على خليفته الخروج منها سالما. ما يجيده هؤلاء الوزراء المتعاقبون نسخ القوانين والمقررات الأوروبية وتطبيقها على المغاربة كما هو الحال في بعض المقررات الدراسية، وقانون السير” الجديد” المثير للجدل. هل المغرب كأوروبا حتى تطبق عليه مثل هذه القوانين؟ فالمغرب ليس ولم ولن ولا يستطيع أن يكون أوروبا حتى وإن تحدثنا لغتهم بطلاقة. نحن في المغرب بالكاد نحاول التخلص من مخلفات الاستعمار حتى نسمع بوزرائنا يستوردون لنا القوانين والمقررات من أوروبا. في الحقيقة هذا ينطبق عليه القول ” الاستعمار خرج من الباب ودخل من النافذة ” والحقيقة أنه لم يخرج بعد من الباب كاملا مازال هناك استعمار فكري ثقافي. ما لا نعرفه أن التلاميذ في دولة أوروبية أجبروا وزير التعليم على الاستقالة، فنحن شعب بكامله لا يستطيع مطالبة وزير عشعش في البرلمان والحكومات المتعاقبة بتغيير قانون واحد وهو قانون ” مدونة السير ” هذه المدونة التي طرحها السيد الوزير منذ سنة 2002 وإلى الآن لم يصادق عليها لو أن هذه المدونة طفلا لكبر ولدخل فصول الدراسة . ما هو مغيب في خيال الوزير أن المواطن يتقاضى ألفين درهم أو أقل شهريا ويعيل بها أسرته فكيف له أن يؤدي منها هذه الغرامة إذا فرضت عليه، أضف إلى ذلك أن بعض رجال الشرطة يحررون المخالفات وفقا لأهوائهم. يجب التفكير والتفكير قبل طرح أي قانون في البرلمان وهل هو متوافق مع الوضعية المعيشية للمواطن المغربي. تخيل الاحتمالات التي قد تنتج عند تطبيق هذه المدونة على المواطنين البسطاء؟ تخيل أن المعيل الوحيد لأي أسرة ارتكب مخالفة سير ودخل على إثرها السجن ماذا سيكون مصير هذه الأسرة؟ ناهيك عن المشاكل الكبرى التي قد تنتج عند تطبيق هذه المدونة من رشاوي “سمينة ” واستفزاز المواطنين. تبرير الوزير لمشروعه أنه سيقلل من حوادث السير ! ما هو السبب الأول في حوادث السير في المغرب ؟ السبب بكل بساطة هو الحالة المزرية للطرق، والدليل أن الطرق السيارة في المغرب تشهد نسبة حوادث منخفضة مقارنة مع الطرق الأخرى. أضف إلى ذلك الأشغال العمومية التي لا تنتهي في الطرق ليل نهار سنة بعد سنة. المشاريع الطرقية تفوت لشركة فلان وشركة فلان تفوتها لشركة علان ثم ... ثم ... ويبقى المواطن ضحية لتلاعب الشركات المتوالية على المشروع. هذا هو السبب الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. بدل قهر المواطن وتخويفه بفرض غرامات مستحيلة على كاهله. لكن ألم يستحيي الوزير بعد كل الإضرابات التي شهدها قطاع النقل؟ الم يحن الوقت بعد لسحب مشروعه من البرلمان ؟ أم أنه ينتظر دخول المضربين إلى أرشيف البرلمان لسحبه الأرشيف لأنها هناك منذ 2002 ، إذن هل نستطيع أن نقول أننا فعلا ضحايا تقارير مغلوطة ترفع إلى صناع القرار ويبنون عليها قراراتهم. سنقول أن المواطنين يشتكون وسيشتكون دون أن تصل شكواهم إلى آذان صاغية لأنه ببساطة شكواهم تتداولها أياد غير آمنة. ولم يحن الوقت بعد للشكوى بالطرق التي ستسمع بها شكواهم رغما عن أنف الجميع أوقد يسمعون ولن يكون بيدهم حيلة لأن الوقت قد فات ! أو لا قدر الله قد يصبحون هم أيضا من المشتكين لمن هم ولاة أمور عليهم. للتواصل مع الكاتب: [email protected]