يعود رمضان ككل سنة لكنه الآن ليس كأي سنة، إنه أول رمضان بدون أبي لازال كرسيه الفارغ أمامي وشذى عطره يملأ المكان. البيت صار أكثر اتساعا وفراغا والجو أكثر حرارة وأقل حميمية . ككل سنة يفتتح يومي الرمضاني قبيل الفجر بما تيسر لي من وقت أقضيه في محراب الصلاة وأمام إرهاق شاشة الحاسوب. أبقى إلى أن يصل وقت السحور مستيقظة، والغريب في الأمر أني الأقل نوما بين الجميع، لكني الأكثر نشاطا وحيوية بل وبشاشة الوجوه مرهقة والعيون شبه مقفلة لا مكان لي الآن هنا. أتمادى في غيي وأبقى مستيقظة ....أحمل مفاتيحي وأغلق الباب ورائي ويسلمني السحر إلى نسائم الفجر التي تنقلني طائعة أو مختارة إلى رحاب المسجد.....آه كم أتمنى لو يطول الطريق. لتمتلئ رئتاي بما يكفي من الهواء المنعش عله يحي قلبا أدمن السهر والهم. تنتهي الصلاة, وأعود أدراجي في حلكة الظلمات التي من حسن حظي قد بشر مشاؤها بالنور التام يوم القيامة. أعود للبيت لأتهاوى فوق سريري الذي يحتضنني حزينة أو سعيدة, راضية أم ساخطة......إنه الوحيد الذي يحبني كما أنا. أغمض أجفاني وأغرق في الحلم لا أستيقظ إلا والنهار قد انتصف، يناديني مصحفي لألثمه ليضمني إليه فأغوص فيه أتدبر وأتدبر ثم أغيب عن الوعي إلى أن تنبهني معدتي أن وقت المطبخ قد حان، أدخل في معارك جلها خاسرة لكنها ترضيني لأن الطمع أحيانا لا يكون من شيمي. بين الفينة والأخرى أنقر من التلفاز ما قد يروقني ويبدد الروتين, فلا ضير إن استمعت لعقلي وقلبي معا فهما معا يشكلاني. وبعد أن تخبو طاقتي وتتهالك أحمل كتابي وأقلب صفحاته على مضض، لا مجال، لابد أن أتممه هذا الأسبوع يشرد بين طياته خيالي كثيرا فتارة معه وتارة مع غيره، لم يتبقى الكثير من الوقت لأنتهي لإعداد المائدة. بعد الإفطار والكاميرا الخفية وغسل الأواني والتراويح والعشاء تتكرر الدورة مجددا. هذا ما تفعله عاطلة مثلي عن العمل و الأمل والحياة. كل رمضان وأنتم إلى الله أقرب. وكل يوميات وأنتم كما أنتم أو كما تحبون.