شريف الغيام أستاذ زائر بكليات الحقوق إن الحديث عن بعض الظواهر الإجتماعية بالمنطق القانوني يجب أن لا يثير الاستغراب لطالما أن القاعدة القانونية تتصف بكونها قاعدة إجتماعية بالأساس تتفاعل إيجابا وسلبا مع محيطها والواقع المعاش ومنه فإن المقاربة الجنائية لبعض الأفعال المتمثلة سواءا في تدنيس العلم الوطني أو المس برموزه عن طريق التحريض على بث كراهية الوطن باستغلال ماكر لبعض الأوضاع الاجتماعية والإقتصادية يجعلنا محل مسائلة مشروعة تلامس بشكل أو بآخر مفهوم النجاعة الجنائية ؟ فالمعلوم أن قواعد القانون الجنائي المحددة لا تعدوا أن تكون مجرد جملة من الأفعال المتفق على مخالفتها واستهجان وقوعها هذا الذي يسمى بمبدأ التجريم الملازم لمفهوم العقاب أو الردع بيد أن لأي مجتمع قيم وأيما مجتمع ضاعت قيمه ضاع إلا أن الواقع المعاش فرض ضرورة تسليط الضوء على التطور الملحوظ الجريمة العابرة للحدود، التي يستغل فيها سهولة الولوج للوسائط الاجتماعية تارة والتواجد المادي خارج أرض الوطن بغرض للتملص من المسؤولية الجنائية يجعلنا لا محالة أمام تحديات كبرى تدفع في اتجاه التفكير لتطوير أدوات وأساليب الملاحقة الجنائية والتصدي لمثل هاته الآفة الإجرامية والعمل على إيجاد مضادات تشريعية تحد من انتشارها والتي يظهر فيها الخيار الدبلوماسي أو البروتوكولي كخيارين لا محيد عنهما اسوة بتجارب دول أخرى التي لم تكتفي بين تشريعات داخلية زاجرة بقدر ما عززت ترسانتها القانونية الاتفاقيات ثنائية أو جماعية لفرض نفاذ قانونها على مواطنيها ولو تواجدوا خارج أراضي أوطانهم متى عمدوا لمخالفة قانون بلدهم وعلاقة بهذا الموضوع جاءت مقتضيات الفصل 267/1 الذي نص على أنه : "يعاقب من ستة أشهر الى ثلاث سنوات حبسا وبغرامة من 10.000درهم الى 100.000 درهم كل من أهان بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 263 أعلاه ،أو بأي وسيلة أخرى علم المملكة ورموزها كما هو منصوص عليه في الفصل 267/4 أدناه . واذا إرتكبت الاهانة خلال إجتماع أو تجمع فإن العقوبة تكون بالحبس من سنة إلى خمس سنوات حبسا وبغرامة من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم ..." فالبين من خلال النص المشار إليه أعلاه أن المشرع المغربي إنتهج مبدأ التدرج في العقوبة مميزا بين ذات الفعل المكون لجريمة إهانة علم المملكة أو رموزها وبين ظروف ارتكابها ذلك أن مجرد إتيانها بشكل مجرد شئ وبين اتيانها خلال إجتماع وتجمع شئ آخر، كأن الأمر يتعلق بظروف تشديد أو صور من صور ارتكاب الجريمة دون تحديد ما إذا ارتكبت داخل أرض الوطن أم خارجه مما يجعله نافذا بكلا الحالتين معا ، إلا أن صعوبة نفاذ قوانين دولة خارج حدودها الترابية في بعض الجرائم الماسة بالاوطان و المجتمعات يفرض علينا اليوم بمناسبة مراجعة مجموعة القانون الجنائي و المسطرة الجنائية التفكير في تدارك مثل هاته الظواهر المستجدة ذات الطبيعة الجرمية الماسة بالشعور الوجداني للمغاربة وترابطهم الوطني الذي دون شك يعد من أهم الأولويات الحمائية لكونه يرتبط ارتباط الوجود والعدم بالكيان الواحد والوطن الواحد كما أن استباحة التطاول على رموزه أمر غير مقبول بتاتا فما بالك إن كانت هاته الاستباحة بدوافع عدائية واضحة تنم على إعلاء أعلام أخرى بغض النظر عن طبيعتها في مقابل إحراق علم وطني الشئ الذي خلف استفزازا عميقا و ماسا بالوجدان الجماعي للمواطنين و اهانة هويتهم عن طريق نشر مقاطع الفيديوا الذي وثق بموجبه الأفعال الجريمية بمختلف صفحات التواصل الإجتماعي وتداوله المفرط التي أماطت اللثام على معالم الجريمة المتطورة التي تنهل من التطور التكنولوجي والربط بشبكات الأنترنت وما صاحبه بالعالم الافتراضي المتعدد الألوان بغاية تمرير مغالطات مقصودة لدفع المتلقين رشداء كانوا أو قاصرين لتحريضهم على إتيان أفعال مجرمة قانونا تحت اسم الحرية أو الديموقراطية أو غيرها من الأمور المشروعة. فالاستظلال بالحقوق المشروعة تحت مطية ارتكاب أفعال غير مشروعة لا يجب أن تنال من الموازنة في الحقوق المقرونة بإتيان الواجبات التي يظل فيها ممارسة الحق ملازما للوفاء بالواجب لا يمكن أن تؤتى عن طريق مخالفة القانون أو إشاعة عدم الإحترام الواجب له، لأنه ميثاق آمر بين كل مكونات المجتمع كما أن التعطش للحق أو وجوده لا يعطي الاحقية لمرتكبه الإفلات من المسؤولية الجنائية متى كانت مخالفته لها تستوجب ذلك لذلك فصناعة المناعة الفكرية للمتلقين سواءا كانوا أفراد أو جماعات من بث بعض الدعايات او الاستغلال الماكر للعواطف أو أي من الحالات الاجتماعية أو الإنسانية أصبحت واجبا على عاتق الجميع بما في ذلك المشرع الذي يظل السبيل الأخير لردع مرتكبي هاته الأفعال عن طريق تطوير الآليات الجنائية من جهة وقبل منها لما لا تطوير المرجعيات الأخلاقية والتربوية بغرض حمايتها من الانجراف وإعادة الإعتبار للواجبات قبل الحقوق دون إغفال ضرورة محاربة التطبيع مع بعض الأفعال و الأعمال التي قد تكون مخالفة للقانون مهما كانت البواعث و الدوافع لارتكابها .